كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية الإبداع، وتكريس الطقس الثقافي في مختلف مناحي الحياة، وذلك بتغليب ماهية الثقافية والإبداع كآلية ناجعة للنأي عن مثبطات الأشياء، والتخفيف من أوجاع المادة التي لا تنتهي. ولعل المتأمل لواقعنا، والذي يغيب عنه مشعل الإبداع والثقافة كرافعة لتخطيطات تنموية، توفر للإنسان العربي فضاء أرحب لصقل ميولاته، وتهذيب سلوكاته، وتقويم نوازعه السلبية وتوجه نظرته لفعل الإيجاب، لأننا بقيم الإبداع والثقافة نرفع عاليا جسامة التحديات، ونؤمن للأجيال القادمة أجواء ملائمة للبناء و التشييد، ولهذا الهدف النبيل أطلقت المبادرة القومية لجعل عام 2017م للثقافة والإبداع وتبنيها على مستوى الرسمي وتشجيعها واقعيا من خلال انخراط كل الفعاليات المدنية، ومختلف المؤسسات الشريكة والتواقة لغد أفضل، وتتغيى هذه المبادرة محاربة مظاهر الإقصاء، ورعونة التطرف، واستئصال منابع الإرهاب، لأنها مستنقعات تكثر بوباء الجهل، وطغيان المادة التي جردت الإنسان من أدميته الحقيقية. وتبني الفعل التشاركي سبيل لإنجاح هذه المبادرة القومية، لأن المجتمعات الراقية فضلت قيم الإبداع، وساهمت في تخييم طقوسه ، وأنارت مشاعل المعرفة ، وخصصت الأموال الطائلة في خطط استراتيجية تراعي تثقيف المرء، ورفع حمولته المعرفية والإبداعية. والأهم في اطلاق هذه المبادرة ، هو التذكير بأن الإنسان يحيا بالمعاني، والقيم الرمزية، وأنه لا يعيش بالمادة التي اتخذها مبنى ومعنى، ذلك أن الحياة في مجملها تتطلب روح إذكاء التشارك المعنوي عبر إرواء احتياجاتنا من الثقافة والإبداع ، و التسابق لفك غوائر العقد المركبة التي استنزفت المخصصات الطائلة. فتخصيص عام 2017م للثقافة و الإبداع مشروع قيمي متفرذ في ثناياه، ومبعث انطلاقة حقيقية لتطوير النشئ على أهمية الثقافة في كل مجالات الحياة المختلفة. وستلعب النخبة المثقفة دورا طلائعيا في توجيه المؤسسات إلى تبني هذا المشروع رسميا وشعبيا، وتثبيت الرؤى الإيجابية لفعل اللاممكن في زمن يعرف تحولات جذرية على أنساق اجتماعية ، وتفرض إعادة النظر في سلوكيات قومية ولأن الوقت له سلاحه الخاص في استغلاله ايجابيا، وأثر نفعيته على الجوانب المعنوية للإنسان، فإن رسم خطط محكمة المعالم لخلق انسان متقف ومبدع،هو هدف نبيل المقاصد، فالسعي لقطف تمار الثقافة يتطلب تظافر المساعي المشتركة لعالم أجمل، دون نشوب صراعات مصلحية، وحروب أهلية، وفتن قومية، ولتدويل قيم التثاقف ، والنسق الإبداعي لعالم يسع الجميع، أطلقت هذه المبادرة القومية لجعل عام 2017م كعام للثقافة والإبداع، لدرء أشواك التعصب والإنغلاق ، وفتح طقوس جديدة ، تحي الإنسان من براثن المادة القاتلة ، وتسمو به إلى معارج النبل والقيم المثلى الركينة . نستشف أن الإبداع مدخل حقيقي لمعالجة الأمراض الإجتماعية ، التي تنخر الجسم المجتمعي برمته، وأن الثقافة بوابة شفافة للإنعتاق من ويلات المصالح المغرضة ، التي أشقت بني الإنسان، فلنجعل عام 2017م بداية الإنطلاقة الحقيقية لجعل الثقافة والإبداع طقسا يوميا، لتجذر كينونة الإنسان القويمة.