مطامح ومطامع الأحزاب على مائدة الناخبين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المغربية المقرر إجراؤها في 7 أكتوبر المقبل في ثاني استحقاق تشهده البلاد بعد الإصلاحات الدستورية في عام 2011، ازدادت مطامح ومطامع الأحزاب على مائدة الناخبين من أجل الفوز بثقتهم وأصواتهم الانتخابية للدخول إلى البرلمان وتشكيل حكومة ذات أغلبية أو ائتلافية مع أحزاب أخرى متوافقة معها. ومع بدء الإعلان عن فترة تقديم الترشحات للانتخابات البرلمانية والتي ستكون خلال الفترة من 14 وحتى 23 سبتمبر الحالي، تسابقت الأحزاب السياسية المغربية في التجهيز للسباق الماراثوني الذي سيحسم المعركة فيه الفائز صاحب النفس الطويل. ويرى المراقبون أن الإعلان عن تنظيم الحملات الانتخابية اعتبارا من 24 سبتمبر وحتى 6 أكتوبر المقبل (يوم الصمت الانتخابي) أدى إلى كثرة استعمال الأحزاب السياسية لمصطلح "التحكم" لتوصيف بعض الممارسات التي يعرفها الحقل السياسي، حيث يعد التحكم ظاهرة مرتبطة ببنية النظام المغربي، وأن الأخير يقوم على ازدواجية أساسية مفادها أن المؤسسات ما هي إلا واجهة، ليس بيدها القرار. وفي المقابل، تحدد المؤسسة الملكية التوجهات الإستراتيجية وتقود كل الأوراش، وتدع هامشا محدودا للأحزاب يمكنها من خلاله إدارة شؤون البلاد في إطار من المسؤولية.. ويعد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، أول من استخدم مصطلح "التحكم" للرد على اتهامات لحزب الأصالة والمعاصرة ، ثم صارت كلمة دارجة على لسان القيادات الحزبية تقدفها في وجه كل من يتهمها بوجه عام. واعتبر المراقبون أن اللعبة السياسية بالمغرب "غير طبيعية"، لكونها لا تستند إلى المنطق الديمقراطي. ولهذا، فالأحزاب، وفي إطار المزايدات السياسية، تتهم بعضها البعض بأن هناك جهات تتحكم فيها، وأن توصيف التحكم، وإن كان يعبر عن واقع الساحة السياسية المغربية، إلا أنه يستعمل كنوع من الحروب الكلامية بين الأحزاب، خصوصا في ظل الظروف الحالية التي تسبق الانتخابات، حيث من المتوقع أن تستمر هذه الاتهامات وتستعر أكثر كلما اقتربت الانتخابات، لكن الواقع يقول إن اللعبة السياسية ككل متحكم فيها. وأشار المراقبون إلى أن الأحزاب السياسية المغربية الكبيرة باتت قلقة بشأن المسارات التي قد تفرضها نتائج الانتخابات المقبلة؛ وهو ما سيؤثر على دورها ووجودها في الشارع السياسي، حيث تنحصر المنافسة بين حزبي العدالة والتنمية (الحاكم) وبين والأصالة والمعاصرة المعارض، في حين تتضاءل فرص الفوز بالنسبة إلى الأحزاب الأخرى مثل الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، والتي يبقى هدفها الأساسي هو ضمان أفضل تمثيل ممكن في الحكومة المقبلة من خلال التحالف مع الحزب الفائز، كما هو الحال في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية برئاسة عبد الإله بنكيران التي ضم إليها أحزاب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية ، والحركة الشعبية وعدد من المستقلين. وقد انسحب حزب الاستقلال في يوليو 2013، وكاد أن يتسبب في أزمة؛ وهو ما أدى بالعاهل المغربي الملك محمد السادس إلى اصدار قرار ملكي في أكتوبر من العام نفسه بتشكيل حكومة جديدة موسعة تضم (39 وزيرا بدلا من 31) برئاسة عبد الإله بنكيران الذي تمكن من ضم حزب التجمع الوطني للأحرار إلى حكومته الائتلافية الجديدة بدلا من حزب الاستقلال. ويتوقع أن تشهد الانتخابات البرلمانية المقبلة في المغرب تحولات مهمة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد برمته، وتحديد أوزان القوى السياسية الفاعلة فيه، حيث يرى حزب الأصالة والمعاصرة أنها مرحلة فاصلة ومصيرية بالنسبة إليه؛ فهو يطمح من خلالها إلى أن يصبح حزب السلطة، في حين يطمع حزب العدالة والتنمية إلى تعزيز مكانته بوصفه الحزب الحاكم، بالحصول على ولاية جديدة، في حين تتوجس أحزاب تاريخية أن تلقي بها هذه الانتخابات خارج حلبة المنافسة. ويحتل الملف الاقتصادي معظم الأجندات الخاصة بالأحزاب، قبيل الانتخابات؛ فكل حزب يعلن عن برنامجه الانتخابي ومدى قدرته على معالجة الملف الاقتصادي الأهم في البلاد من خلال القيام بإصلاحات اقتصادية حقيقية يلمسها المواطن العادي، وعلى رأسها منظومة الدعم الحكومي للسلع، وإصلاح أنظمة التقاعد وأسعار الطاقة وتشغيل الشباب والصحة. فحزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الائتلافية الحالية في المغرب، أتاحت له الفترة التي قضاها داخل السلطة الاقتراب من مؤسسة الحكم؛ وهو الأمر الذي أقلق أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة. فقد أزالت سنوات الحكومة الماضية مخاوف مسبقة كانت للمؤسسة الحاكمة تجاه حزب العدالة والتنمية، وأبانت بصورة أساسية إمكانية التعايش مع الضيف "الجديد" عليها؛ وهو ما أعطى آمالا كبيرة للحزب في إدارة المرحلة المقبلة، إذ يدرك الحزب أنه في حاجة إلى التصويت الشعبي، وفي حاجة أكبر إلى موقف مؤسسة القصر الإيجابي في التأثير في المشهد السياسي، في ظل تبنى تجربة "الإصلاح في ظل الاستقرار".. وضرورة عدم الصراع على السلطة وهي مقاربة غير صدامية باتت تشكل محور المشهد السياسي المغربي. ولذلك، يلغي الحزب كل الخيارات التي قد تؤدي إلى الاصطدام بالدولة التي تنظر إلى إصلاح ذاتها بحذر شديد؛ فهو يجيد إدارة الانتخابات في المدن، حتى أطلق عليه "حزب المدن" بعد نتائج الانتخابات المحلية في سبتمبر الماضي والتي ستعزز من فرص بقائه في المنافسة خلال الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى إنجازاته على مستوى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والإصلاح الاقتصادي بعد فتحه لملفات حساسة تتطلب جرأة سياسية ومغامرة محفوفة بالمخاطر؛ مثل مستقبل صناديق التقاعد، ومنظومة دعم السلع الأساسية وتوظيف الفائض الناجم عن إصلاحها في توسيع دائرة الخدمات الاجتماعية لشرائح أوسع ومن فئات مختلفة. في حين يدرك حزب الأصالة والمعاصرة، أن الانتخابات المقبلة سوف تقرر مستقبله السياسي، ولا يريد الاكتفاء بكونه شريكا في الحكومة المقبلة فقط، بل يطرح نفسه بديلا لحزب العدالة والتنمية لرئاسة الحكومة.. ويسعى الحزب، الذي أعلن مؤخرا عن مشروع مواجهة الإسلاميين، إلى الحيلولة دون فوز خصمه حزب العدالة والتنمية، الذي يتحول بالتدريج إلى "حزب ملكي بنفَسٍ إصلاحي"؛ وذلك من خلال المساحات والخبرات التي يكتسبها أثناء وجوده في السلطة.. ويوظف حزب الأصالة والمعاصرة حاليا كل إمكاناته لإرباك غريمه العدالة والتنمية خلال الفترة المتبقية للانتخابات، وتحركه مخاوف من نشوء تحالفات قد يضمها العدالة والتنمية إلى صفوفه، تمدد بقاء الأصالة والمعاصرة في المعارضة، وتمكن أكثر لحزب العدالة والتنمية من إثبات قدرته على إدارة شؤون البلاد ونجاح خطته الإصلاحية وقدرة نموذجه على الاستمرار في منطقة تعرضت فيها أحزاب ذات مرجعية مماثلة (إسلامية) لهزات أطاحت بعضها وأقصت أخرى. وعلى الجانب الآخر، ينافس حزب الاستقلال حزب العدالة والتنمية و حزب الأصالة والمعاصرة، خاصة أنه تضرر كثيرا بوقوفه في صف الأصالة والمعاصرة ضد العدالة والتنمية، ولم يربح الكثير من المواقع التي استحوذ عليها حزب الأصالة والمعاصرة عقب الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة. وقد دفعه ذلك إلى التهدئة مع العدالة والتنمية، وإعادة التموضع بعيدا عن الأصالة والمعاصرة، وتوجيه بوصلته نحو تأكيد حضوره مشاركا في الحكومة المقبلة، لأنه لا يستطيع البقاء في مقاعد المعارضة لسنوات أخرى نظرا لتركيبته الاجتماعية وفلسفة وجوده. ومن جهته، يدرك حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي انضم إلى الائتلاف الحكومي بعد انسحاب حزب استقلال من الحكومة، أن نتائج الانتخابات المحلية والجهوية في سبتمبر الماضي تشير إلى أنه سوف يحصل على نتائج أقل في انتخابات البرلمان. ويعرف الحزب، الذي يصف نفسه بالبراعة في لعبة التحالفات، أهمية وجوده شريكا في الحكومة المقبلة؛ لكنه في وضعٍ صعب، فهو يدرك من ناحية تكلفة مجاراته حزب الأصالة والمعاصرة ضد حزب العدالة والتنمية، ويدرك في الوقت نفسه أن وجود حزب الاستقلال بوصفه خيارا متاحا للتحالف في الفترة المقبلة يحرمه الكثير من هامش المناورة ضد حزب العدالة والتنمية في حال استمرار الأخير في السلطة. وفيما يتعلق بأحزاب اليسار، تمثل الانتخابات البرلمانية المقبلة هاجسا يهدد وجودها خاصة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، مثل حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تتزايد احتمالات أن تقذف به الانتخابات المقبلة بعيدا عن صفوف الأحزاب الكبرى المتنافسة، حيث تدرك قيادته الحالية أن تلك الانتخابات ستضعه في موقع أضعف مما كان عليه في السابق. ويراهن حزب التقدم والاشتراكية، حليف العدالة والتنمية في الحكومة الائتلافية، على قدرته في الاستمرار في التحالف وتحقيق نتائج جيدة خلال الانتخابات المقبلة على ضوء استفادته من تجربة المشاركة في الحكومة الحالية، إلا أن هاجس الخوف لا يزال موجودا في حال خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات سيكون مصيره غير معلوم. وهناك أحزاب ترى أنها لا تفرق النتائج بفوز أي حزب بالأغلبية. وترى تلك الأحزاب أنها ستحل ضيفا مستأنسا على أي حكومة ائتلافية مقبلة، مثل حزب الحركة الشعبية، شريك العدالة والتنمية في الحكومة الحالية؛ فهو لا يتوقع أن يحقق نتائج أفضل بقدر ما ينظر إلى المشاركة في أي حكومة يتم تشكيلها عقب الانتخابات. ويرى المراقبون أن هناك احتمالين قد تفرزهما الانتخابات المقبلة: الأول يتمثل في فوز حزب العدالة والتنمية، وتشكيل تحالف بدأت تتضح بعض المؤشرات الدالة على شكله، ويرجح فوزه من خلال الحسابات والأرقام التي حققها في الانتخابات المحلية والجهوية في سبتمبر الماضي، والتي منحت الحزب أكبر عدد في نسبة الأصوات التي حصل عليها، خاصة أن حساب عدد الأصوات هو الأقرب إلى المنطق الذي يمكن من خلاله توقع الفائز المقبل. وفي حال نجاح الحزب، فإن تفكيره الأساسي سوف يتجه أساسا إلى التحالف مع حزب الاستقلال الذي سوف يفاوض من دون شك بشراسة على حصته في الحكومة، ومع حزب التقدم والاشتراكية، مع الانفتاح على أحزاب أخرى مثل الحركة الشعبية. ويتمثل السيناريو الثاني في احتمال فوز حزب الأصالة والمعاصرة، وتشكيل حكومة يسيطر فيها على أهم الحقائب الوزارية بمشاركة حزب التجمع الوطني للأحرار -حليفه الحالي واقعيا، وإن كان شريكا في الحكومة الحالية - إضافة إلى أحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي الذي حسم أمره في الفترة الأخيرة في الاصطفاف إلى جانبه. يشار إلى أن أول انتخابات بعد التعديلات الدستورية في المغرب نظمت في 25 نوفمبر 2011، وأدت إلى حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي حصد 107 مقاعد من أصل 395 مقعدا. *مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط ومراسلها السابق في الرباط