مع إطلالة كل عيد أضحى بجهة درعة –تافيلالت، وخاصة عند القبائل الأمازيغية؛ تبرز العديد من الأعراف والتقاليد الشعبية. تتوزع المشاهد الاحتفالية، بحكم التنوع الثقافي والجغرافي؛ ولكن يبقى قاسمها المشترك هو إيلاء عناية كبيرة لاقتناء توابل خاصة لتحضير ما يعرف ب"تيكورداسين". في هذا الإطار، قال زايد جرو، الباحث في التراث الشعبي المحلي، إن "الكرداس" أو" تكورداسين" باللغة الأمازيغية أكلة كانت تعدها الأمهات أو الجدات قديما لخبرتهن وإتقانهن صنع هذه الأكلة، التي تتكون عادة من أحشاء الأغنام والماعز؛ وحتى الإبل أحيانا عند الرحل، لكون ذبيحتها قليلة الانتشار في القرى والبوادي بالجنوب الشرقي بالنظر إلى قلة تربيتها وسط القصور والقصبات. وأضاف زايد جرو، في تصريح صحافي، إن "الكرداس" المجفف "اليابس" يرتبط بمناسبة عيد الأضحى، الذي "يكثر فيه استهلاك اللحوم بشكل كبير، حيث كانت العديد من الأسر لا تشتري اللحم أو لا تأكله إلا في هذه المناسبة أو لماما؛ لفقرها من جهة، أو لكونها تكتفي بدجاج وأرانب وحمام الواحات من جهة". وكشف الباحث في التراث الشعبي المحلي بجهة درعة –تافيلالت أن "العديد من الأسر تختزن بعض لحوم الأضحية من العيد إلى يوم عرفات العيد المقبل". وأشار المتحدث ذاته إلى أن عيد الأضحى أو "العيد لكبير"، كما يسمى إلى حد الآن بجهة درعة تافيلالت، "يظل المناسبة الكبيرة والعظيمة التي يصاب فيها الناس بالتخمة لإفراطهم في أكل اللحوم الحمراء". بعد ذبح الأضحية خاصة من نوع "الد مان" بقرنين صغيرين أو بدونهما والمشهور استهلاكه بالجنوب الشرقي، تقوم النساء بغسل المكان وتنظيفه بعد انتهاء عمل الرجال، وتتفرغ الأم أو الجدة بمساعدة زوجات أبنائها أو نساء البيت عموما لجمع أحشاء الذبيحة وتعملن على تنقية هذه المكونات جيدا من الداخل والخارج، وتقطع أطرافا صغيرة وتوضع في إناء أو "قصعة" وتشبع بجميع أنواع التوابل والملح، وتلفها الجدة أو الأم بالأمعاء الدقيقة كخيوط رابطة وجامعة لكل هذه المكونات على شكل طولي غالبا، وتعلق في حبل بأعالي السطوح لتجف لمدة أسبوع أو تزيد حسب حرارة الشمس. وأبرز الباحث أن "الكرداس" يتم جمعه في"زير" خاص قديما، ويغلق بقطعة ثوب ويسد "فمه" بالطين تجنبا للتلف، أو في أكياس بلاستيكية أو الثلاجات حاليا وتخزنه الأم في مكان خاص ليوم يحل فيه الضيف بغتة لإنقاذ الموقف، وقد لا يفتح ولا يجب مسه أو الاقتراب منه لأنه من خصوصية "تمغارت" أو "تفقيرت" أو "الأم"، ولو حل من حل بالبيت، وهو خاص أيضا بعاشوراء المناسبة الدينية العظيمة. في منطقة درعة تافيلالت، يقول زايد جرو، تختلف عادات الاحتفال بعاشوراء بين المناطق التي يختلط فيها الأمازيغ بالعرب وبين المناطق الخاصة بالأمازيغ؛ لكن يشترك الجميع تقريبا في وجبة الكسكس التي يجب أن يكون "الكرداس" سيدها في هذه المناسبة. ففي الصباح الباكر من يوم عاشوراء، تعد الأم "الكرداس" للأطفال الذين قضوا الليلة السابقة في اللعب، وناموا مبكرا قبل وجبة العشاء، وكل طفل يحمل معه ما يسمى ب" ل ك لوتا" أو "ت ك ل وت" ؛ وهي عبارة عن سلة صغيرة تحتوي على كرداسة وقطعة من القديد أو اللحم والكسكس وبيضة وبعض التمر والحلويات والحمص، وكل ما هو مفرح ويلبس الطفل جلبابه أو عباءته وبلغته ويخرج للقاء أصدقائه الذين يأتون بسلالهم ليجتمعوا بمدخل القصر أو بجوانبه، وكل واحد يتباهى ب"كرداسته" ويعطي كل واحد منها للآخر ما يسمى ب"دواقة" ويقضون نصف اليوم أو اليوم كله حتى وقت متأخر منه في اللعب ليعودوا فرحين بهذا اليوم. ويؤكد الباحث أن تقديم الكرداس للأطفال يحمل بعدا ثقافيا مفاده أن الأم تعد الابن للانخراط في العالم الخارجي، حيث تعطيه زاده ليخرج للقاء أصدقائه بعيدا عن البيت، ليصنع من نفسه شخصية مجتمعية بعيدا عن توجيه الأسرة استعدادا للانخراط في المجتمع الكبير. وحسب الثقافة الشعبية بتافيلالت وحسب رواية الجدات، عندما يعود الابن تزغرد الأم وباقي نساء البيت؛ فرحا بعودة الذكر الخصب للبيت، وبعودة الطمأنينة والحماية للأسرة. أما إذا عاد مجروحا بسبب شجار مع أصدقائه، فذاك فأل نحس على الأسرة التي يظل الحدث فيها عالقا بالأذهان مدة طويلة من الزمن وقد لا ينسى أبدا. واعتبر الباحث أن "الكرداس" أكلة مغربية امتدت لسنوات، وما زالت إلى حد الآن؛ لكن الطقوس الاحتفالية، "التي يمتزج فيها التاريخ بالأسطورة والدين بالشعوذة صارت تعبيرا عن الخصوصية المغربية بشكل عام والتي تشكلت على مدى التاريخ لتعطيه مميزات خاصة. وقد قلت هذه العادات حاليا للتحولات المجتمعية الحديثة، حيث تحولت طريقة اللعب وتحول تخزين اللحم وانتشرت وسائل التخزين بالبيوت بشكل كبير". من جهته، قال لحسن أوطالب، فاعل جمعوي، إن حياة الترحال التي كانت عليها بعض القبائل، خاصة قبائل أيت عطا، وانعدام الوسائل الحديثة التي تمكن من الحفاظ على جودة أحشاء أضحية العيد لمدة أطول، خاصة أن المجال الجغرافي الذي ظلت تستوطنه إلى أجل قريب يتميز بارتفاع كبير في درجة الحرارة، كلها عوامل جعلت من صناعة "تيكورداسين" أمرا ضروريا؛ لتفادي تلف جزء مهم من الأضحية من جهة، ثم اعتماده كوجبة أساسية في عاشوراء مكن جهة ثانية. ويضيف الفاعل الجمعوي أن مجموعة من التوابل تستعمل لإعداد "تيكورداسين"؛ منها ورقة سيدنا موسى، والحبق، وبذور البقدونس، والزنجبيل، ومسحوق الفلفل الحار، والإبزار، والكمون، والكركم، إضافة إلى الثوم الذي يتم دقه ممزوجا بالملح وتركه يجف وأوراق البصل المجففة التي يتم دقها. يمزج هذا الخليط بعناية في إناء، ويترك جانبا لتبدأ المرحلة الأخيرة من إعداد "تيكورداسين"، حيث يتم إخراج أحشاء أضحية العيد وتنظيفها جيدا؛ باستثناء الكبد. وتمرر لهذه الغاية فصة من الثوم عبر الأمعاء، ثم تقطع معدة الخروف شرائح متوسطة الحجم تستعمل للف شرائح الرئة والطحال وتخلط الشرائح بخليط التوابل السالف الذكر، ثم تبدأ عملية لفها بواسطة الأمعاء، لتتخذ في الأخير شكل موزة ليتم نشرها في الهواء الطلق وعلى ارتفاع من سطح الأرض عرضة لحرارة الشمس لتجف ولمنع البكتيريا من إتلافها ويسهل استعمالها لاحقا. تعدّ "تيكورداسين" عند هذه القبائل مادة أساسية لتحضير وجبة الكسكس ليوم عاشوراء؛ نظرا لذوقها اللذيذ، ولدسمها، ولغناها بالتوابل. وهناك من يحتفظ بها لإعداد وجبة الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية. و.م.ع