تقديم: كثرت المزايدات في الآونة الأخيرة من طرف ممثلي الأحزاب والهيئات السياسية المغربية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016 ، وتعددت مع ذلك الوعود والبرامج، فهذا الحزب يعد بتوفير مناصب لتشغيل المعطلين، وذاك يدعي بأنه قادر على توفير الرخاء الاقتصادي، وذلك يرفع شعارات تتعلق بتحسين الظروف الاجتماعية والثقافية للمواطنين. ومساهمة مني كفاعل جمعوي وحقوقي في بلورة تصور سلوكي للبرلمانيين يضع هذه المزايدات في محك حقيقي أوجه هذه الرسالة المفتوحة لممثلي الأحزاب السياسية المغربية وهي على أبواب الانتخابات التشريعية. في المنطلقات والأبعاد: 1 إن الشعب المغربي أصبح يدرك جيدا، وأكثر من أي وقت مضى، أنه من الوهم تصور بعض السياسيين بأنهم يمتلكون حلولا سحرية لمختلف المعضلات ببلادنا، فيسارعون إلى إطلاق مجموعة من الوعود والتصريحات النظرية من مختلف المنابر الإعلامية، وهي وعود وتصريحات تثير الضحك والسخرية في الأوساط الشعبية ، أكثرمما تحيلها على البرامج الانتخابية لهذا الفريق السياسي أو ذاك، بل إنها وعود وتصريحات قد تؤدي إلى الكآبة والحزن، تماما كما تروي الحكاية الشعبية المغربية (عن ذلك النمرالذي كان يعيش وسط الغابة ويهدد دائما قطيع الأغنام والماعز للفلاحين الذين يقومون بحراستها جيدا رفقة كلابهم الضارية، حتى جاء يوما، اتفق فيه الفلاحون وأعلنوا أنهم سيكلفون النمر نفسه بعملية حراسة القطيع، وعندما أخبروه بذلك كانت المفاجأة، فعوض أن ينشرح صدر النمر ويفرح بهذه الفرصة المواتية التي وضعت حدا لمعاناته اليومية للبحث عن فريسته، وجعلت جميع القطيع بين يديه وتحت إشرافه، أجهش بالبكاء، وعندما ألح الفلاحون على معرفة سر حزنه وبكائه بعد سماعه لهذا الخبر وتكليفه بهذه المهمة، أخبرهم بأن سبب بكائه يعود إلى كونه يدرك جيدا أنهم يكذبون عليه وأنه لا يمكن أن يثق في وعودهم مهما بدت في صالحه). 2 إن الشعب المغربي وبجميع فئاته الاجتماعية شعب يمارس السياسة، وإن كانت أغلب فئاته لا تمارس السياسة ضمن الإطارات الحزبية، لأسباب يضيق الحديث عنها في هذا المجال. 3 إن الجميع يدرك بأن معضلة العزوف السياسي هي معضلة بنيوية، يجب معالجتها في إطار مقاربة شمولية تتداخل فيها قضايا ثقافية واجتماعية وقضايا توزيع الثروة والسلطة، فهي مرتبطة بالواقع الثقافي وبالواقع الاقتصادي أيضا بما يتطلب ذلك من تشجيع للاستثمار وإعداد للبنية التحتية للعالمين القروي والحضري، ومرتبطة بالواقع السياسي بما يمليه ذلك من تحقيق للديمقراطية وتوفر للإرادة والجرأة في اتخاذ القرار الصحيح والمناسب ومحاربة للفساد الإداري وإصلاح للقضاء، ومرتبطة أيضا بالجانب الاجتماعي مما يستوجب معه من تأهيل للتعليم والقضاء على الأمية وضمان الصحة للجميع والرفع من الكفاءات المهنية. في المقترحات العملية: 1 إعتماد مبدأ التطوع لولوج البرلمان المغربي، وذلك بتخلي جميع البرلمانيين الفائزين في الانتخابات التشريعية المقبلة عن الأجور والتعويضات المخصصة لهم خلال الولاية التشريعية والإقتصار فقط على تعويضات رمزية قصد تغطية مصاريف التنقلات والإقامة التي تتطلبها عقد الإجتماعات واللقاءات التكوينية. 2 تخصيص الميزانية المتكونة من أجور البرلمانيين وتعويضاتهم لتمويل المشاريع الاقتصادية والتنموية لتشغيل الشباب العاطل ببلادنا في النتائج والآثار: 1 إعطاء درس عملي ونموذجي في التضحية والتفاني لخدمة الصالح العام، وذلك بالربط بين الأهداف النظرية للمؤسسة السياسية ومدى قدرتها على ترجمة تلك الأهداف إلى ممارسات عملية وواقعية، عبر نموذج حي وملموس، وهذا يمكن أن يؤدي في أقل تقدير إلى تغييرعميق في نظرة فئات عريضة من الشعب إلى العمل الحزبي والممارسة الحزبية فينخرط تلقائيا في العملية السياسية، وبهذا يكون المشهد السياسي قد خطى خطوات أساسية في طريقه الشاق نحو تخليق الحياة السياسية ببلادنا . 2 إن اختيار عملية تمثيل الشعب المغربي في البرلمان بشكل تطوعي من أجل خدمة البلاد والعباد، بكل ما يعنيه مفهوم العمل التطوعي من إرادة ومجانية، من شأنه الحد من تهافت المتهافتين وتسلط المتسلطين على العمل السياسي والذين ما فتئوا يعملون بكل الوسائل لولوج البرلمان بحثا عن مصالحهم الشخصية، بعيدا عن هموم ومشاكل الشعب المغربي وبعيدا عن ما تمليه الروح الوطنية وأخلاقيات العمل السياسي. 3 إن تخلي البرلمانيين عن الأجور المخصصة لهم، يجعل مسألة ولوج البرلمان، مسألة تكليفية وليست تشريفية، لا يقبل بها إلا المتشبعون بمفهوم الوطنية الحقة وبالقيم التطوعية العالية، تماما كما كان سلفنا الصالح بالأمس من الوطنيين الأحرار، حيث ضحوا بالغالي والنفيس من أجل استرجاع الأرض، وعجز ساستنا اليوم عن تعمير وتنمية هذه الأرض، لا بالنسبة للذين يستندون للقيم الإلهية، ولا بالنسية للذين يعتمدون المرجعية الإنسانية على السواء. 4 إن هذا الإجراء من شأنه أيضا التقليص من عملية استنزاف المال العام، ومن هدر لميزانية الدولة وتوفير لجزء كبير من ثروات الشعب المغربي، في وقت تعيش فيه شريحة اجتماعية كبيرة أوضاعا اقتصادية مزرية بفعل الفقر والجفاف والبطالة والأمية. 5 ربما أدى هذا الإجراء إلى تغيير في نظرة كثير من المسؤولين إلى المعايير المعتمدة لتقليص كتلة الأجور ببلادنا، وسيجد الذين يتقنون جيدا لغة الأرقام على سبيل المثال لا الحصر: أن مجرد طرح راتب برلماني واحد في الشهر الواحد يوازي طرح راتب ما يناهز 30 موظفا يتقاضون راتبا شهريا لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور، إذا اعتمدنا التكلفة المالية المخصصة للبرلمانيين نجد أن هذه الميزانية الضخمة يمكن أن تشكل رافدا مهما من روافد تمويل المئات من المشاريع التنموية وتشغيل الآلاف من الشباب المغربي العاطل. *رئيس المرصد المغربي للحق في التكوين