يوم 7 يناير 2004، وفي غمرة البحث عن مَخْرج لطيّ صفحة ما يُعرف ب"سنوات الرصاص"، أسّس المغربُ "هيئة الإنصاف والمصالحة"، للنبش بين صفحات ماضي المغرب "الأسود"، والبحث عن حقيقة ما جرى، في أفُقِ جبْر ضرر الضحايا، سواء الذين اختفوْا قسرا وعُثر على أماكن دفنهم، أوْ الذين قضّوا سنوات من أعمارهم في السجون، إبّان حُكْم الحسن الثاني. ورغم مرور ما يقارب 12 سنة على انتهاء مدّة انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة (أصدرتْ تقريرها الختامي يوم 30 نونبر 2005)، إلا أنَّ الفاعلين الحقوقيين المغاربة يرْون أنَّ على الدولة أن تبذل مزيدا من الجهود لإغلاق ملفّ الاختفاء القَسري بصفة نهائية، خاصّة وأنَّ هناك حالاتٍ لمْ يتمّ، إلى حدّ الآن، الكشف عن مصيرها، أبرزها حالتا المهدي بنبركة والحسين المانوزي. المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أصدر بيانا بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري، الذي يصادف 30 غشت من كلّ سنة، أكّد فيه أنَّه رغم التقدم النسبي الحاصل في مجال تسوية إرث سنوات الجمر والرصاص في المغرب، "لا تزال العشرات من العائلات، ومنذ مدة طويلة، تنتظر الكشف عن مصير ذويها، كما سجلت حالات جديدة للاختفاء". وقال رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، مصطفى المانوزي، إنَّ النتائج التي حقّقها المغربُ في مجال تسوية ملفّ الاختفاء القسري "لم تكن مرضية مائة بالمائة"، مشيرا إلى أنّ عددا من الالتزامات التي من المفروض أنْ يلتزم بها المغرب لم تتمّ، ومنها وضع استراتيجية واضحة لضمان عدم الإفلات من العقاب، حتّى لا يتكرّر الاختفاء القسْري. وفي الوقت الذي يُرتقب فيه أن يرفع المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا إلى الملك حوْلَ حالات الاختفاء القسري التي لم يتمّ التوصّل إلى الحقيقة بشأنها، على رأسها حالتا المهدي بنبركة والحسين المانوزي، قالَ مصطفى المانوزي: "من حقّ المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنْ يضمّن تقريره ما يشاء من معلومات، إلا المطالبة بإغلاق هذا الملفّ، لأنّه بالنسبة لنا سيظلّ مفتوحا إلى أن نعرف الحقيقة كاملة". وجدّد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، في البيان الذي توصلت هسبريس بنسخة منه، مطالبته السلطات المغربية بمواصلة الكشف عن كلّ ضحايا الاختفاء القسري ونشر اللوائح الكاملة وتضمينها كل المعلومات الأساسية (هوية المختفي – تاريخ ومكان اختطافه – أماكن احتجازه – تاريخ ومكان الوفاة عند حدوثها – تحديد المؤسسات والأجهزة المسؤولة عن الاختطاف والاحتجاز). ودعا المنتدى إلى حمْل الحكومة على إرفاق قرار التصديق على الاتفاقية الدولية بشأن التصريح باعتراف الدولة المغربية باختصاص اللجنة الأممية المعنية بالاختفاء القسري "بتلقي وبحث بلاغات الأفراد أو بالنيابة عن أفراد يخضعون لولايتها"، وفق المادة 31 من الاتفاقية المذكورة، ضمانا لحق الانتصاف أمام اللجنة الأممية ومن أجل منح هذه المصادقة جميع الضمانات لتفعيلها داخليا. مصطفى المانوزي اعتبر أنَّ القطْع مع ممارسات انتهاك حقوق الإنسان يتطلّب وضع استراتيجية حمائية، معبّرا عن خيبة أمله في مضامين مشروع القانون الجنائي الذي أعدّتْه وزارة العدل والحريات. وفي هذا السياق، دعا المنتدى إلى تضمين المدونة الجنائية مقتضيات تتعلق بتوصيف جريمة الاختفاء القسري وجرائم الاعتقال التعسفي والتعذيب وتحديد العقوبات المترتبة على ارتكابها. كما دعا إلى "ملاءمة التشريع الجنائي الوطني مع مقتضيات الآليات الدولية المجَرِّمة للاختفاء القسري بإدماج تعريفها وعناصر المسؤولية المتعلقة بها والعقوبات المحددة لمرتكبيها والمشاركين فيها والمتسترين عنها وإحالتهم على العدالة مهما تنوعت درجة مسؤولياتهم، وضمان الحماية للضحايا وأفراد عائلاتهم والشهود… وغيرها من القواعد التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية". وأعلنت لجنة التنسيق لعائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري عن تنظيم وقفة رمزية أمام السجن المركزي بالقنيطرة مساء يوم غد الثلاثاء. ويأتي اختيار السجن المركزي بالقنيطرة، بحسب ما أوضح المانوزي، لكون أغلب ضحايا سنوات الرصاص، من عسكريين ومدنيين وإسلاميين...، سُجنوا هناك، مضيفا: "هذا الملف ليس فئويا، بل هو ملف مجتمعي يهمّ الجميع".