الكتابة حالة نعيشها. إدمان نقلع عنه لنعود إليه ... إليكم كلماتي : استيقظ يومي ذات صباح خريفي على معاكسات خيوط شمسية تسللت عبر نافذتي. أزحت عني رفات حلم حديث الوفاة، عانقت النافذة و دخنت سيجارة نسيان. احتسيت قهوتي مع قطعتي اللامبالاة كعادتي، أخذت معطف الذكريات إذا ما أمطرت سماء الماضي وهرولت إلى الباب منتعلة حذاء الحنين عسى أن تقودني خطواته إلى عزيز قد أضله النسيان عن طريقنا. الشارع خال إلا من أوراق أشجار اكتسبت لون الخريف الذهبي وتمايلت فوق الرصيف متراقصة على أنغام الرياح التشرينية. ركبت "الميترو" دون وجهة أرجوها، نظرت صوب مستقليه، لم أعثر سوى على نظرات تائهة خالية من الإحساس و بعض الابتسامات البريئة التي كست وجوه من استقل "الميترو" من أطفال. وكأن البهجة والابتسامة أصبحتا حكرا على فترة الطفولة فقط ... عم المكان صمت قاتل لم يزعجه سوى ضجيج خافت لصعود البعض و نزول آخرين عند المحطات. ترجلت عند ثالث محطة، أشعلت سيجارة صبر تسلل - نيكوتينها - شيئا فشيئا إلى دماغي عله ينسيني برودة واقع أصبح ساكنوه لا يعرفون للإحساس طريقا. تجولت حتى تعب حذائي من البحث عن العزيز و تعبت أنا من البحث عن أرواح تكسوها البهجة فقررنا أنا و حذائي عودة أدراجنا خاويي الوفاض. جلست إلى طاولتي مساء أسامر فنجان قهوتي؛ أشكو إليه حال الأحباب وما آلت إليه من قسوة وأسرد على مسمع منه حكاية ذلك الغائب، الحاضر في الذاكرة إلى الأبد. أعاتب قسوة غيابه وأمسح بذكراه دموع الشوق والحنين. وفي محاولة يائسة لاعتزالي الكتابة يأبى قلمي إلا أن يعانق الورقة القابعة أمامي ويسدل على أسطرها المهجورة كلمات أتعبت الفؤاد منذ زمن. كلمات خرساء ظل صداها حبيس جدران كياني قرونا من الصمت … يأبى إلا أن يتخذ من الليل ملاذا له ويستمد حبره من سواده الحالك. حين ينطق الليل صمتا و تتأهب السماء لبعثرة نجومها فوق بساط يشع سوادا، آنذاك تعانق عيناي وجه القمر و تراقص مسمعي أنغام معزوفة بلحن غجري عنوانه السكون...يستفيق كياني ليلملم شتات أفكار بعثرها زيف واقع متمرد و تستجمع روحي قواها لتعيد ترتيب صفحات كتاب خطت سطوره بحبر ضخه نبض فؤادي. هي سطور تحكي عن محاولة عيش متعبة... تحكي عن حياة تنتحر عبثا بحثا عن إنسانية مفقودة منذ اﻷزل و عن مشاعر ضلت طريقها إلينا منذ زمن... اعترافات ما بعد منتصف النوم : قالوا لي يوما اكتبي لكي تنسي الأحزان ... ادفنيها بين الكلمات. فالقلم سلاح يحيي ويميت : يحيي الأحلام ويميت الآلام . تسلحت بقلمي وشرعت أقتل الحزن تلو الآخر .. ثم بعد ذلك هممت برسم أحلام لازالت قيد الانتظار. أفرغت ما كان بجعبتي من كلمات وعدلت عن قرار الإقلاع عن الكلمات. ولنا في الكتابة حياة ...