مع حالة الاستنفار الأمني غير المسبوقة التي تشهدها المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، من كلا الطرفين، تتفاقم معاناة سكان الحدود، في حين تسارع سلطات جهة الشرق الخطوات لتنفيذ "البرنامج الاستعجالي لتنمية مناطق الحدود". تشديد الإجراءات الأمنية على ضفتي الحدود لا يمس فقط أسعار المواد المهربة التي يوجد على رأسها الوقود، بل يمس بشكل واضح الوضعية الاجتماعية للسكان المغاربة القاطنين بالشريط الحدودي المغربي الجزائري، الذين يتخوفون من قطع أرزاقهم التي يعد التهريب على ضفتي الحدود مصدرها الأساسي. وتضررت عائلات كثيرة تقطن بجماعة بني ادرار الحدودية، التابعة لعمالة وجدة أنجاد، من جراء الإجراءات الأمنية التي فرضت على الشريط الحدودي. وفي هذا الإطار، عبّر "يحيى"، شاب يبلغ من العمر 23 سنة، عن تذمره من الصعوبات التي تواجه العاملين في تجارة التهريب، وقال: "نحن سكان المناطق الحدودية نعاني تهميشا كبيرا وحصارا أمنيا غير مسبوق على المواد المهربة التي تشكل مورد عيشنا الأساسي، إلى جانب اعتماد بعض أهالينا على بعض الأنشطة الفلاحية التي لا تكفي لتلبية الحاجيات المعيشية للأسر القاطنة على الشريط الحدودي". الشاب نفسه تحدث بمرارة عن صعوبة الحياة في المناطق الحدودية قائلا: "المنطقة لا تتوفر على مصانع أو شركات يمكن العمل بها، الأمر الذي دفعني إلى امتهان تهريب الوقود والمواد الغذائية من الجزائر". وكانت الإجراءات الأمنية المشددة على الشريط الحدودي سببا في تنفيذ السكان مجموعة من الأشكال الاحتجاجية ضد الركود الذي يعرفه مجال التهريب بعد انجاز السلطات المغربية للسياج الحديدي، مؤكدين أن معاناتهم تفاقمت من جراء ذلك السياج، ما حال دون مزاولتهم لنشاط التهريب الذي كان يشكل مصدر رزقهم اليومي. وطالب المحتجون بإزالة السياج أو توفير بدائل لمحاربة البطالة التي تزايدت في صفوف ساكنة المنطقة التي كانت تعتمد على أنشطة التهريب لتوفير القوت اليومي لأبنائها في ظل غياب فرص العمل، وناشدوا الدولة إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية لمعاناتهم. اقتصاد حدودي يؤكد العديد من الفاعلين الاقتصاديين بجهة الشرق أنه "لا يمكن الاعتماد على الاقتصاد غير المهيكل في توفير مصدر عيش سكان الجهة"، ويطالبون ب"ضرورة بلورة بديل يفتح الأمل لأبناء المنطقة للانخراط في الأنشطة الاقتصادية والتجارية المنظمة، وتكثيف وتيرة جلب الاستثمارات الكفيلة بخلق فرص الشغل وامتصاص بطالة الشباب". وتطالب العديد من الفعاليات الاقتصادية والسياسية المحلية باعتماد مخطط لتنمية الجهة، حتى لا تبقى رهينة الاقتصاد الحدودي، وذلك بتوسيع وتنويع الأنشطة الاقتصادية وخلق بدائل عبر تحفيز الاستثمارات بالمنطقة بفضل امتيازات ضريبية وغيرها، وتبسيط شروط خلق المقاولات وإقامة المشاريع. برنامج استعجالي في هذا السياق، أكد مسؤول رفيع المستوى بجهة الشرق أنه "تم تسطير برنامج استعجالي لتنمية المناطق الحدودية، من خلال تقوية وتطوير بنياتها التحتية وفق سياسة مجالية مندمجة تهدف إلى فك العزلة عنها والرفع من المستوى الاقتصادي لسكانها". وبخصوص "البرنامج الاستعجالي لتنمية المناطق الحدودية"، فهو موزع على مشاريع مبرمجة باتفاقية يخص مجال تدخلها قطاع الماء الصالح للشرب، وكذا قطاع الكهربة القروية، ويهم ربط منازل الدواوير الحدودية بالشبكة الكهربائية. وأشار المصدر ذاته إلى أن المشاريع المتعلقة بالرؤية التنموية الجديدةلوجدة الكبرى في أفق 2020، سترتكز على خمسة محاور استراتيجية، من بينها تأهيل المجالات الترابية الحدودية، من خلال تأهيل الطرق والمسالك بالعالم القروي والمناطق الحدودية، وتعزيز الولوجية إلى الماء والكهربة القروية، والتنمية الفلاحية القروية، وتعزيز البنيات التعليمية والصحية. استنفار أمني باشرت السلطات الجزائرية، منذ أزيد من أسبوعين، عملية تشييد الجدار العازل الذي ستقيمه على الحدود البرية مع المغرب، المغلقة بشكل رسمي منذ عام 1994، سيعتبر الأطول من نوعه، وذلك بعد السياج الحديدي الذي شيدته السلطات المغربية على مسافة تزيد عن 140 كيلومترا. وانطلقت عملية التشييد بمنطقة "الشراكة"، ضواحي مدينة بني أدرار بعمالة وجدة انجاد، وسيمتد على مسافة تزيد عن 150 كيلومترا، كما سيتم تدعيمه بكاميرات ونظام مراقبة متطورة، بدعوى تجفيف منابع التهريب على ضفتي الحدود. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن علو هذه الجدار العازل يزيد عن 7 أمتار، في حين إن السياج الحدودي الذي أقامته السلطات المغربية يتكون من جزأين؛ جزء من الاسمنت وهو بمثابة قاعدة ارتفاعها 50 سنتمترا، والجزء المتبقي عبارة عن سياج حديدي علوه مترين ونصف؛ أي إن الارتفاع الإجمالي لهذا السياج هو ثلاثة أمتار. وكانت السلطات الأمنية الجزائرية قد شرعت، منذ يونيو 2012، في حفر الخنادق بعمق تجاوز 5 أمتار وعرض يزيد عن 4 أمتار، على حدودها مع المغرب بغرض مكافحة تهريب الوقود الجزائري نحو المغرب. ويعرف الشريط الحدودي المغربي الجزائري، في الآونة الأخيرة، حالة استنفار أمني غير مسبوقة، من كلا الطرفين؛ حيث عززت القوات العمومية المغربية من تواجدها على الحدود في إطار خطة أمنية جديدة لتأمين الحدود الشرقية في إطار اليقظة الأمنية لاستباق خطر التنظيمات "الإرهابية" التي ما تزال تشكل تهديدا للمغرب. وتسعى السلطات المغربية من وراء تشييد السياج، الذي سيضع المنطقة الحدودية تحت المراقبة الدائمة على مدار 24 ساعة طيلة الأسبوع، إلى التصدي للتهديدات الإرهابية ضد المغرب، إضافة إلى محاربة الجريمة المنظمة أو العابرة للحدود. تراجع التهريب عرفت السنوات الماضية تراجعا ملموسا في نشاط التهريب بأسواق مدن جهة الشرق، خاصة منها وجدة وبلدة بني ادرار، مقارنة مع السنوات التي قبلها. وإن وجدت بعض الأنشطة، فهي موسمية تارة، وتخص بعض المواد تارة أخرى. كما أن العديد من المتاجرين في المواد المهربة ب "سوق الفلاح " بوجدة أو بني ادرار استبدلوا تجارتهم بالبضائع والسلع والمنتجات المغربية، أو اختاروا أنشطة تجارية أخرى. ويرجع العديد من المتتبعين هذا التراجع إلى أسباب عدة؛ أهمها إحداث فضاءات تجارية كبرى بمدن الجهة ساهمت في القضاء على أغلب أنشطة التهريب الخاصة بالعديد من المواد الاستهلاكية والإلكترو منزلية، مع التسهيلات الممنوحة للزبائن. كما ساهمت إجراءات أخرى في تقليص حجم التهريب، ومنها الصرامة في الحراسة والمراقبة، سواء في المنافذ أو النقط الحدودية أو الطرق المؤدية إليها، والاستعانة بأجهزة الرادار والكاميرات المثبتة في بعض النقط الحدودية المعروفة بعبور المهربين على طول الشريط الحدودي، وهي الإجراءات الأمنية التي سبقت عملية تشييد السياج الحديدي، وكانت بدورها أثارت في حينها مجموعة من ردود الفعل لدى سكان الحدود، وصلت إلى حد تنظيم العديد منهم وقفات احتجاجية، دفاعا منهم على ما يعتبرونه مصدر رزقهم الذي يأتي من أنشطتهم في مجال التهريب.