انتقد القاص والشاعر المغربي حميد الراتي ما أسماه النقد المجاملاتي أو مدفوع الأجر أو النقد الوردي للأعمال الأدبية السردية، وهو، بتعبيره، "نقدٌ يقترب من التحرش بالمبدعات المبتدئات والتغزل بهن، ما يؤدي بنا إلى قراءة نصوص سطحية ضحلة ومتهافتة". جاء ذلك خلال ندوة نظمها الراصد الوطني للنشر والقراءة، مساء أمس الجمعة، بقاعة الندوات بنادي ابن بطوطة الثقافي، حول موضوع: "السرد العربي وسؤال المواكبة النقدية". الراتي اعتبر في مداخلته أن مسألة النقد ذات حساسية بالغة وبعد عملي إجرائي، قائلا: "هي العلاقة التي أتصورها، باعتباري مبدعا، على شكل مجموعة وظائف ينبغي للنقد أن يتصدى لها؛ إذ تشكل في الحقيقة هواجس كل مبدع ومجمل انتظاراته من تعاطي النقد مع الإبداع". وأضاف الراتي أن أولى هذه الوظائف تتمثل في التأهيل من خلال اكتشاف الطاقات الإبداعية وغَشَيان المنتديات الشبابية، ثم تأطيرها، قبل خروجها إلى دائرة النشر حيث تكون قد استوفت الحد الأدنى من النضج والعمق، وإلا فسيظل النقد عملية فوقية تمارس من خلال الأبراج العاجية. ثاني هذه الوظائف، يضيف المتحدّث، هي الرصد والغربلة "وتقتضي متابعة ما ينشر والتعاطي معه بنية البحث عن عنصر الجدة والإبداع بقصد رصد الأنفاس الجمالية الجديدة، إضافة إلى تقديم النصوص إلى القارئ عبر فك شيفرتها الدلالية وآلية بنائها وفلسفتها الجمالية". أما وظيفة الارتكاز على النص، بحسب المتدخّل دائما، فهي التي تطرح سؤال تجاوز تقديس المنهج، وتقتضي نقد النص لذاته لسبر أغواره والغوص في مناطقه المعتمة، والاعتماد على المناهج كمفاتيح ضوئية لهذا النص فقط. من جانبه اعتبر مسيّر الجلسة، القاص محمد سدحي، أن السرد العربي يتقدم بمشاريع متجددة بلغ صداها إلى العالمية في الرواية والقصة، مرفوقة بعوامل التغطية النقدية، ما زاد من إثارة الانتباه إليها وإضاءة جوانبها المعتمة؛ حيث حظيت بمقاربة منهجية على اختلاف مدارسها رغم الصعوبات التي تعترض الناقد العربي. "لكن المفارقة التي تنتصب أمامنا"، بحسب سدحي، "بكثير من الغرابة، تتمثل في اختلال معادلة النص والنقد؛ إذ بقدر تراكم الإبداعات بقدر العجز الملحوظ للنقد عن المواكبة". هذا الرأي وافقت عليه القاصّة العراقية صبيحة شبر التي اعتبرت أن السرد في العالم العربي كثيرٌ والنقاد قليلون، مُوضّحةً أن هناك فرقا بين نقد الأعمال القصصية والشعرية والقراءات التي تنتشر في المجلات والملاحق حولها، "فالقراءة تختار ما يعجب القارئ، أما النقد فيبين نقاط الضعف والقوة فيفيد الأديب الذي يستطيع تجنب مناطق الإخفاق في العمل الإبداعي القادم". وأضافت المتحدثة: "أرى أن العالم العربي كان يقول بأنه أمّةُ شعر فاحتفى بالشعر وترك السرد، لكن السرد تطور وأصبح يعبر عن الحياة العربية بمجمل تفاصيلها وأحداثها، لكن النقد لم يستطع أن يواكب هذه الأعمال السردية الكثيرة". كما انتقدت القاصة العراقية جانب التسرع في إصدار الأحكام على الأعمال السردية، سواءٌ مجاملةً أو هجوماً، فإن قيل عن العمل إنه فاشل يتم القضاء على المبدع في بداية مسيرته، وإن قيل إنه ناجح جدا يصدّق الكاتب ذلك فلا يستطيع بعدها أن يكتب ويبدع، معتبرة أنه لا بد من مناطق إخفاق في أي عمل إبداعي سردي. الروائية المغربية زوليخا موساوي الأخضري رأت أن الحديث عن النقد والمواكبة هو حديث ذو شجون، مشرّحة في مداخلتها معنى كلمة "مواكبة"، التي تفيد مجاراة الشيء ومتابعته خطوة خطوة، مستدركة أن "واقع النقد حاليا متشرذم ومتشتت وليست له قنوات رسمية مؤسساتية، وهذا ما ينقصنا في الوطن العربي، فمشكلة النقد حسب وجهة نظري البسيطة يجب أن نربطها بعوامل أخرى، فمثلث النقد- النشر- المواكبة الإعلامية، لابد أن يكون متكاملا؛ فإذا فقد هذا المثلث إحدى زواياه لن تقوم للثقافة قائمة؛ إذ هي ركائز أساسية للنمو في هذا المجال"، بتعبير المتحدثة. وأضافت الأخضري أن النقد الأدبي حلقة وصل بين النص والقارئ، فهو الذي يسلط الضوء على النص ويكشف محاسنه أو مساوئه، وهو وسيلة لترقية الذوق الجمالي للقارئ، كما أنه، بشكل أو بآخر، "وسيلة لتقريب النص من كاتبه؛ ذلك أن الكاتب يكتب نصه انطلاقا من خلفية معينة، وحينما يتناوله النقد فإنه يظهر أشياء لم يقصدها الكاتب أو أنه قصدها بشكل غير واعٍ أو مباشر، وهنا يأتي دور الناقد في أن يكشف للقارئ وللكاتب أيضا جوانب أخرى من العمل".