كان لافتا رغبة الخطاب الملكي، بمناسبة ثورة الملك والشعب، في إعادة كتابة تاريخ ثورة 20 غشت، وإعادة الروح إلى علاقات المغرب بالجارة الشرقية، كما أعادت المقاومة المغربية الروح إلى الثورة الجزائرية في وقت مضى، وهو ما عكسته لهجة الملك بقوله: "ما أحوجنا اليوم، في ظل الظروف الراهنة، التي تمر بها الشعوب العربية، والمنطقة المغاربية، لتلك الروح التضامنية لرفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة". وفي الوقت الذي نسيت فيه الجزائر فضل المغرب عليها في محطات تاريخية كبرى، جاء خطاب الملك محمد السادس ليذكر، ما دام أن الذكرى قد تنفع الجنرالات في استحضار الماضي، ب"تقديم المقاومة المغربية الدعم المادي والمعنوي للثورة الجزائرية، في مواجهة الحملة العنيفة التي كانت تتعرض لها من طرف قوات الاستعمار التي كانت تريد القضاء عليها"، على حد تعبير الخطاب. مقاربة ذكية اللعب على وتر التاريخ المشترك بين البلدين الشقيقين في خطاب الملك محمد السادس، اعتبره المساوي العجلاوي، الخبير في الشؤون الافريقية "مقاربة ذكية تستهدف التأثير ومخاطبة الشعب الجزائري والمصالح المشتركة بين البلدين"، مضيفا أن "الملك عبر عن أريحية كبيرة لتغيير الاتجاه في العلاقات المغربية الجزائرية من خلال نهج سياسة اليد الممدودة". وقال العجلاوي، في تصريح لهسبريس ضمن تعليق على مضامين الخطاب الملكي، إن "موقف الملك ازاء الجارة الشرقية المعبر عنه في الخطاب الأخير، يشكل امتدادا لمواقف الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، والقائمة على مراعاة مصالح الشعب الجزائري أولا رغم مضايقات النظام العسكري". وأكد العجلاوي على وجود علاقة روحية بين الملوك المغاربة والشعب الجزائري، تمثلت في اتخاذهم لمواقف تاريخية تعطي الأولوية للشعوب على حساب النظام وفي ظروف دقيقة جدا، ضاربا المثال ب"موقف المغرب سنة 1961 عندما رفض التفاوض مع فرنسا بشأن الحدود إلى حين حصول الجزائر على الاستقلال". واستطرد المتحدث ذاته بأنه "في الوقت الذي تجتاز فيه الدولة الجزائرية مرحلة صعبة اقتصاديا واجتماعيا، اختار الملك عدم استغلال الأوضاع ومد يده للجزائر من أجل تجاوز التحديات الاقتصادية والأمنية"، مؤكدا أن "الكرة في ملعب الجزائر لتغير مسار العلاقات بين البلدين والتفاعل إيجابا مع اليد الممدودة للملك والرد بتحية مماثلة". ولم يستبعد الخبير في الشؤون الإفريقية أن يكون الخطاب الملكي بداية لمسار جديد في العلاقات على اعتبار أنه "على مر تاريخ العلاقات بين البلدين، تكون هناك دائما بعد مراحل من التوتر والانغلاق، وفترات أخرى قصيرة مشبعة بالانفتاح وقرارات جريئة في صالح الشعبين"، يورد المتحدث ذاته. التاريخ يعيد نفسه دعوة الملك محمد السادس إلى استحضار محطة 20 غشت التاريخية والدعم الذي قدمته المقاومة المغربية للثورة الجزائرية يرى فيه عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلوم السياسية، "تاريخا يعيد نفسه، مع اختلاف في السياقات والظروف، لكن بوجود تحديات كبرى شبيهة بتلك التي واجهت البلدين في فترة سابقة تحتاج إلى مواجهة مشتركة لخلق واقع جديد"، على حد تعبير المتحدث ذاته. وأوضح البلعمشي، في تصريح لهسبريس، أن "استحضار الملك لمحطات تاريخية مشتركة فيه دعوة صريحة إلى الجزائر من أجل الانخراط في التعاون والتضامن بين الشعبين من أجل رفع التحديات الحالية المرتبطة بالأمن والتنمية"، مضيفا أن "التعاون بين المغرب والجزائر قد يرفع التحديات الأمنية والتنموية ليس على البلدين فقط، وإنما على قارة برمتها". وحول لهجة الخطاب الودية تجاه الجارة الشرقية، أكد المحلل السياسي أن "الملك يخاطب دائما الجزائر بمنطقيين يختلف توظيفها حسب السياقات السياسية والاستراتيجية؛ حيث يكمن المنطق الأول في لهجة صارمة وحازمة تجاه النظام الجزائري في الوقت الذي يكون هناك تمادٍ من طرف الجزائر في التعاطي مع القضية، أما المنطق الثاني، فيكمن في التوجه بلغة ودية وسلمية إلى الشعب الجزائري تحمل رسائل من أجل الدفع بالتعاون بين الشعبين"، بتعبير البلعمشي. * صحافي متدرب