فجأة، ودون سبق إصرار أو ترصد، أو بعضا من المقدمات البديهية اللازمة لمثل هذه الأحداث، تصاعد الصوت "الملائكي" لجهاز المخابرات والحكومة وخلفه سرب مساعدي المغنيين (البرلمانيين)، ليعتبروا أن معتقل تمارة السري لا يوجد إلا في مخيلة "الإرهابيين" و"المتطرفين" وأمثال "الشارف"، وفي عقول "الشعبويين" و"الإسلامويين" وما تبقى من "اليسار". وفجأة تحول ما صور على أنه غرف مظلمة للتعذيب إلى مقر ل"حفظ" أمن المغاربة، يقطنها "خدام" الوطن، فلماذا لم تشكلوا لجنة لتقصي الحقائق بشأن الموضوع؟، ولماذا لم تتبعوا خطوات "الكذاب" إلى باب الدار وتستمعوا لمن عانوا من التعذيب؟ ولماذا لم تأخذوا بآراء المعذبين للوصول إلى المكان الفعلي للمعتقل؟ أم هي الهيبة الواهية للدولة ؟ أيها السادة : عندما كنتم تخطبون، وتلوون ألسنتكم بذكر الموجب في وجهكم المشرق، وتعلموننا كيف نقرأ تعاليم الساسة والسادة، وكيف نفهم سياستكم في تدبير شؤوننا، وأن الصواب ما ترونه لا ما تراه ستون مليون عين، استوقفتنا عباراتكم وهي ترن للمدينة الفاضلة، وتدق مسارا مغايرا لرواية " الأمير" ولشعارها "الغاية تبرر الوسيلة"، أصغينا لكم وأوقفنا عقارب الساعة وأعددنا أنفسنا لننطلق معكم من جديد، مزقنا دفاتر "الوسخ"، واشترينا دفاتر جديدة...لقد كتبنا العناوين ورفعنا أقلامنا في انتظار ما ستمليه أوامركم. فلماذا رسبتم في أولى الاختبارات، وأنتم من علمنا الصبر طيلة ستين عاما من الزمن وهي تعني ما تعنيه في أعمار الشعوب والأمم؟ علمتمونا كيف نصبر على سير السلحفاة إن هي سارت، وكيف نقف طوابير على أبواب المحلات والمستشفيات والوزارات والمحاكم والإدارات ... ننتظر لحظة استيقاظكم واستجمامكم وعودتكم من المنتجعات والحانات والحفلات...لقضاء حوائجنا وتحصيل حقوقنا، وعلمتمونا كيف نصبر إذا دستم علينا أو بصقتم في وجوهنا أو حتى انتهكتم أعراضنا...، وأنتم لم تمتلكوا الجرأة والصبر على إبقاء أقنعتكم لمجرد شهور أو حتى أياما معدودات... لقد عدتم إلى جحوركم القديمة وعوائدكم السالفة قبل أن يجف الحبر الذي كتبتم به وعودكم المألوفة وعزمكم على السير قدما، فلا سرتم ولا تركتم قطار الركب يسير، ولا تقدمتم عن مواقعكم، وأنتم الحانّون إلى الزمن القديم، قيد أنملة... تحنون إلى العيش في الماضي البعيد حيث المواجهات الصاخبة وشد الحبال وضرب النبال... وهي التي تترك لكم فسحة النهب والنصب، عدتم إلى تكسير العظام بدعوى حفظ النظام، وأمعنتم في كسرها وجر أصحابها ودهس متعاطفيها... فكانت لكم الأولى والثانية والثالثة، تحركون جيوش أجهزتكم الأمنية يمينا وشمالا، فلا تركتم الأطر العليا، ولا استثنيتم الأساتذة والمعلمين، ولا وقَّرتم السجناء ولا أبقيتم أصحاب الأصوات العالية المطالبة بالتغيير... أيها السادة. إن الناظر من فوق إلى وطن تحكمونه يحسبها بؤرة حرب اشتد خناقها على أصحاب الأرض، يشتعل فتيلها في كل أطراف البلد، بين ما يصل إلى الإعلام وما يكون حظه السقوط من كثرة الازدحام... لقد جعلتم جيوشكم تنقض علينا في كل مكان، فلا تركوا مدينة ولا أبقوا على قرية إلا وأفسدوا فيها وجعلوا أعزة قومها أذلة... فلا دليل على حسن نواياكم ... إنما تقدمون الأدلة نفسها في الكشف الدؤوب على الاستمرار في إنتاج التخلف والنفاق بشتى أنواعه، حريصين على صورتكم بين الأمم، مدمنون على أسطوانة القهر والتنكيل بكل من تسول له نفسه معارضتكم، مستمرون في مسلسل الكذب والضحك على الذقون، فكم ظلمتم ؟ وكم قهرتم ؟ وكم من أسرة حكمتم عليها بالعيش تحت رحمة الفقر ؟ وكم من شاب دفعتموه ليلقي بنفسه في البحر؟ لقد أمعنتم في تعذيبنا، وسخرتم لذلك كل ما في جعبكم الطويلة والسميكة من آليات التعذيب النفسي والبدني، وحولتم البشر إلى قلوب من حجر لم يعد، بعد صبرها، إحساس بالمصائب والنوائب، وامتلكت مناعة استقبال كافة أمراضكم دون أن يسمع لها أنين...لقد نجحتم فعلا...نجحتم في أن تحولوا الناس إلى جبناء، يخشون من التغيير على رواتبهم الصغيرة، وعلى رغيف اليوم، وكتبتم لنا مسيرة المائة عام فوق "الصّبّار" نسير فوقه حفاة عراة...رفعت الأقلام وجفت الصحف. [email protected]