الساعة السابعة والنصف صباحا، ساعة خروج الموظفين إلى العمل . يدق الباب : _ خالتي السعدية . النتيجة ديال الباك اتعلقات !! تتناول أم حفيظة " جلابتها " وتوقظ حفيظة : _ فيقي النتيجة اتعلقات . وتكمل ارتداء " جلابتها " وربط منذيل رأسها في " الدرب " وتتجه مهرولة إلى الثانوية . تلمحها جارتها وهي تشتري النعناع وخبز " المحراش " : _ مالك كتجري ؟؟ آش كاين ؟! تجيبها دون أن تلتفت إليها : _ النتيجة ديال الباك اتعلقات !! تتبعها الجارة وحزمة النعناع وخبز " المحراش" في يدها ، وتلحق بهما حفيظة وخالتها . تقف أم حفيظة أمام لوحة النتائج ... نعم هي تحفظ الرقم جيدا ... وابنتها ناجحة . تتعانق النساء الثلاثة بدموع فرح وشعور انتصار لأم حفيظة ، ويعلق أحد المارة : آبشوية عليكم آلالا ! حتى هاذي بكالوريا يبكي عليها الواحد ؟؟!!! وا منهار عربوا التعليم والتعليم اللور اللور . ومع ذلك آ لالا مبارك مسعود ، والله يفرح جميع الوليدات !!! بينما تبحث حفيظة بدقات قلب متسارعة عن رقم زميلتها نرجس . لا يساورها شك حول نجاحها ، لكن ما يهمها جدا أن تعرفه هو ميزة هذا النجاح . وتصل نرجس مع صديقة لها من أصحاب الوزن الثقيل تركب خلفها على" موطور سوليكس " . تقف نرجس أمام اللوحة وتبحث عن نتيجة حفيظة . لا يساورها شك هي الأخرى حول نجاحها ، لكن ما يهمها جدا أن تعرفه هو ميزة هذا النجاح . تترك حفيظة والدتها ومن معها ، وتترك نرجس الشلة ، وتبحثان عن بعضهما بين جموع الناس المتجمهرة حول النتيجة . تتعانقان عناقا قويا بضحك ممزوج بالبكاء ؛ فرحة شابتين مغربيتين من الشريحتين الفقيرة والمتوسطة بأكبر نجاح في أهم مرحلة من مراحل العمر . وقد كان بين هاتين الفتاتين منافسة شديدة استمرت أيام الابتدائية والاعدادية والثانوية مما جعل عناقهما باعثا لاستغراب كل من شهده ممن يعرفون جيدا حجم تلك المنافسة التي كانت بينهما ، والتي كادت في أحيان كثيرة أن تتحول إلى حرب وعداء . ****** تعرج حفيظة والنساء الثلاثة إلى محلبة " راس الدرب "، وتحلف الجارة أن تكون كل الطلبات على حسابها ، وتهمس لصاحب المحل أن يسجلها في الدفتر ، ويبارك لأم حفيظة كل من يمربها من " ولاد الدرب " مع تعبير" خاصنا شي زردة ". وتمر نرجس على والدها في العمل لتخبره بنجاحها ، ويبدو عليه أنه قد عرف النتيجة قبلها ، بل وعرف أيضا نتيجة حفيظة !!! _وادور معايا آ الواليد فيجيب معاكسا : _حنت ناجحة زعما ؟! وا إلى ناجحة ناجحة لراسك ! وأنا مالي نخلص ؟! يناولها بكرم زائد عن المعهود ورقتين من فئة المائة درهم , تمنحه قبلة سريعة ، وتلتحق بالشلة في مقهى من مقاهي الكورنيش الذي اعتاد أن يجمع تلاميذ الثانوية . الشلة كلها كانت ناجحة . اختلفت الميزة ، واختلفت أيضا الوسيلة عند كل واحد منهم لكنهم بالتأكيد قد نجحوا جميعا ... وتصبح الثانوية مجرد مرحلة يسترجعون طرائفها : مدرس التاريخ والجغرافيا الذي كان كلما استشاط غيظا منهم وا سكتونا آ هاذ ولاد نستلي . الزميلتان التوأم التي كانت تدخل إحداهما لتمتحن بدل الثانية في امتحانات التقويم . زميلتهم آلاء التي ضبط معها كتاب لتعلم السحر . زميلتهم عفاف التي ضبطت في قبلة ساخنة مع زميل لها في قاعة جانبية كانت مستودعا للطاولات المكسرة ، ولم تنتبه إلا ويد الحارس العام تنتشلها هي و son petit copain من قفاهما سيروا الله يمسخكم ! ما بقيتوا كاع تحشموا ! وا الدوجال هاذا ! وأخيرا حفيظة ونرفزتها عندما كان يفقدمدرس التربية الإسلامية سيطرته على الفصل : وا سكتونا آ بنادم باغين نقراوا لم تكن حفيظة تفرق بين مادة رئيسية أو ثانوية كما كان الشأن عند باقي زملائها ، والتربية الإسلامية أو حتى التربية البدنية عندها لم تكن تقل شأنا عن الفيزياء أو الرياضيات أو العلوم . وكانت لاتجد حرجا في الخروج عن الجماعة عندما يتفق الفصل على غياب جماعي فتحضر الحصة رغم ما كان يتوعدها به عمداء الشغب في الفصل !! ورغم أن مدرس المادة نفسه كان يستاء من حضورها : غير سيري ما غاديش نسجلك غياب تشارك نرجس أفراد الشلة الضحك والتعليق على تلك المواقف لكنها تلتزم الصمت عندما يدور الحديث عن حفيظة . ويعلق أحد أفراد الشلة ساخرا : _ وا مالك اسكتي ؟! آناري ، غير كتسمعي سميتها وكتكوانساي !!! كتسالي معاك !!وا عاودي لينا شنو جرى ؟! شفتكم تعانقتوا اليوم !!! تحابيتو ؟! صافي وليتوا صحابات ؟! _وا ديها غير في راسك . وسير قلب لك على شي كلية في روسيا ولا أوكرانيا باش تولي صحة طبيب ، ولا باش تحل لك شي حانوت ديال الدوا تبيع وتشري فيه !!!! راه سمعت كيقبلوا غير بمستوى باك !! بلا باك كااع !! تنادي " الكارصون "، تدفع المشاريب ، تتناول حقيبة يدها الأشبه بجراب الحاوي التي لم تفارقها طيلة فترة الثانوية ، وتغادر الشلة . وقبل أن يصحو صاحبنا من وقع جواب نرجس ، تستلمه الشلة : _وا حرقااااااااااة آصا حبي !!!!!!!واااااااعرة عليك !!!! _ تمشي تعاود لراسها ... قالاك واعرة !!هاذيك راها مسمومة ماشي واعرة . باغية تقرى غير بوحدها !!!ما كنحملهاش لاهي ولا هاذيك حفيظة . ويضيف " petite idiote" بلكنة فرنسية سليمة توحي لمن يسمعه دون أن يطلع على غرائبه في القواعد والاملاء في امتحان اللغة الفرنسية أنه ضليع في هذه اللغة ! ولكم تمنت حفيظة أن تتجرأ على المحادثة بهذه اللغة ، لكنها لم تكن لتفعل لأنها كانت تعلم أنها ستضع نفسها إن فعلت أمام انتقادات هي في غنى عنها . كانت تعي جيدا أن الفرنسية في مجتمعنا هي ليست مجرد لغة ألفتها الأذن ومعها اللسان ، ولكنها علامة مميزة لطبقة هي لا تنتمي إليها لا من بعيد ولا من قريب ، ومجرد محاولة الحديث بها سيجعلها نكتة الفصل والدرب . لذا اكتفت بأن تكون قارئة جيدة ومستمعة جيدة ، ولم تدخر جهدا في تعلم الإنجليزية التي لم تكن في نظرها حكرا على أحد ! ****** تعود نرجس إلى البيت ، تدخل غرفتها ، تفتح درج مكتبها ، تخرج أظرف الجامعات الفرنسية ، تقرأها وتعيد قراءتها ،وتنظر إلى التخصصات وتقارن بين الرسوم وأسماء الجامعات وتكاليف المعيشة ... وتظل على ذلك الحال إلى أن يدخل والداها من العمل . موضوع السفر مرفوض من الأساس . لكن لابأس أن تحاول !!! وتدخل عليها والدتها : _ثاني كندا وفرنسا ؟!! وا بقاي غير تحلمي ... ما كاينة لا كندا لافرانسا . ما كاين غير المغريب آ بنيتي !انت بنت وما نخليكش تسافري بوحدك . ثم مالها جامعات المغريب ؟؟!! احنا فاين قرينا ؟؟؟ أنا براسي خريجة كلية الحقوق في الرباط .. مالها والله حتى عامرة غير بالأذمغة ...شوفي آنرجس إلي باغي يقرى كيقرى هنا ولا لهيه . تقول ذلك وهي تعلم جيدا أنها تغالط ابنتها ، لكن قلب الأم هو أقوى من طموحات الابنة طبعا ... ومن الحب فعلا ما قتل ... ما قتل الطموح والأحلام !! وبعد أن تلقي بقنبلتها : _ وا آري ليا بعدا واحد التعنيقة بمناسبة هذا النجاح ! ويتبخر كل ما كانت قد جهزته نرجس للدفاع عن قضيتها أمام والدتها ...وتخسر قضيتها أمام امرأة تعودت أن تربح جميع القضايا ، فما يكون منها إلا أن تلملم جميع الأوراق وتلقي بها في سلة القمامة . كانت والدة نرجس محامية اختارت أن لاتترافع إلا في قضايا الأسرة ... لم تكن من فئة المحامين الذين يملكون رصيدا دسما في البنك ... كانت صاحبة مبدأ و ما أكثرهن النساء اللواتي كانت تترافع عنهن مجانا . أما والد حفيظة فكان خريج اقتصاد وموظفا بالمالية ، وقديما قالوا وافق شن طبقة !! وبالنسبة لأسرة يقودها رجل وامرأة من الطبقة المثقفة كان الكثير مما اعتبرته الكثير من الأسر كماليات هو عند تلك الأسرة من الحاجيات . ومن أجل تلبية تلك الحاجيات استعملت تلك الأسرة كل سياسات الترقيع التي من الممكن أن تلجأ إليها أسرة مغربية متوسطة ...بما فيها دوامات الأقساط اللا منتهية . وكان والد نرجس على استعداد تام لأن يدخل دوامة أقساط أخرى في سبيل تحقيق حلم ابنته، لكن الأم كانت قد حسمت الأمر . تجلس نرجس حول مائدة الغذاء وأحلام السفر كلها محطمة ، ولا يخفف عنها سوى رفيسة امي طامو ، المرأة التي كانت من أولى موكلات والدتها ، وقد ترددت على مكتب أم نرجس من مثلها الكثيرات . لم تكن نرجس تحب الرفيسة بالحلبة ، لكنها اليوم وإن كانت بالحلبة فهي لها طعم آخر ! إنها رفيسة النجاح أولا ! ورفيسة مي طامو التي لايعلى عليها أبدا !! يدور الحديث حول مائدة الغذاء عن المستقبل ... ميزة نرجس تؤهلها للتقدم لأي مباراة من مباريات كليات ومعاهد القمة ... مباريات الصراع حول مقاعد من أجل ألقاب الدكتور البشري والمهندس والصيدلي و...و... لكن أحلام نرجس وحفيظة هي أكبر وأرقى من أن تكون مجرد ألقاب ... أكبر وأرقى من ذلك بكثير !! ****** يعود الوالدان إلى العمل بعد استراحة الغذاء ، وتتناول نرجس حصيرة البحر والشمسية وتقصد الشاطىء. كل الوجوه حاضرة ... التلاميذ والمدرسون والإداريون ... الراسبون والناجحون ... الكل هاهنا يتنفس الصعداء ... انطلاق ولعب بعد هم انتظار النتيجة ... مكان يسع الجميع ما دامت الشمس والرمال والهواء ملكا للجميع وبالمجان !!! الشلة كلها على الشاطئ لكن نرجس تفضل هذه المرة أن تجلس وحدها تحت شمسيتها تدفن قدميها في الرمال... وتنكب على قراءة رواية من سلسلة " عبير "... رومانسية تجد فيها فسحة تشبع الأحلام الوردية لفتاة في سن الزهور بفتى الأحلام . وترفع نرجس بين الفينة والأخرى عينيها عن سطور الرواية لتنظر من خلف نظارتها الشمسية إلى ديفيليهات البنات اللائي يلذ لهن أن يأخذن الشاطىء ذهابا وإيابا في استعراض غير بريء لأجسام جميلة تضج بالأنوثة والشباب تدير أعناق رجال من مختلف المستويات والأعمار ... وتثير الغيرة عند نساء بات شبح الكبر ينغص عليهن حياتهن . أما ما يشد انتباهها أكثر ، فهو ذاك الشباب الذي يتسابق لتجاوز الكرات التي تضعها الوقاية المدنية لحماية المصطافين من الغرق ، غير آبه بصفارات الإنذار، بروح مليئة بالشجاعة والتحدي والمغامرة وحده الزمن كفيل بأن يخبرنا إن كانت ستظل صامدة أمام ما تخبؤه لها الحياة من تحديات . أما حفيظة فجو الشاطىء لم يكن قط ليعني لها شيئا ، لذا تختار أن تذهب إلى حمام الدرب إعلانا منها عن فك حالة الطوارىء التي كانت تعيشها وهي تنتظر النتيجة ... وفي مياه الحمام الساخنة كما في مياه المحيط الباردة يوجد أيضا انتعاش وحيوية ونشاط !!!! ****** أما أم حفيظة فتقرر أن تحتفل ... فهي محتاجة لمثل هذه الفرحة... ولأول مرة تغيب العقل وتفك كل ما لديها من مدخرات قليلة لكي تحتفل !!( الله يلعن إلي بغى يخزن شي فرانك ... خلينا نفرحوا والرحيم الله ... شحال هاذي ما فرحنا ) تدعو أم حفيظة معارفها بدون استثناء... وأهم شيء يشغلها هو أن يكون الأكل كافيا لكل تلك الأعداد التي دعت والتي لم تدع !! تستأجر أم حفيظة " اللعابات "... وترقص أم حفيظة كما لم ترقص من قبل ... وكل شيء فيها يشهد على أنها امرأة تتمتع بروح جميلة قد وأدتها بالرغم عنها السنين !!! تتفاجأ حفيظة بوالدتها راقصة شعبية من الدرجة الاولى : _ وراكي ما ساهلاش آ الواليدة !!! تضحك أم حفيظة : _ واااااااايلي ! واش احنا جيش ولا خيش ؟؟!! بقاموس لغة شبابية شبيهة بتلك التي كانت حفيظة قد اختارت أن تعبر بها دائما . تسحب حفيظة من يدها وترقص الإثنتان معا وسط زغاريد مشجعة من المدعوات ... والصلاة والسلام عليك يا رسول الله ... وتغني اللعابات : وا حفيظة وا المرضية وا هاكذا يكونوا بنات الرجال المحضية ... حفيظة هي نجمة الحفل بدون منازع ، لكن في حياة أم حفيظة كانت هنالك نجمتان تضيئان ظلمة طريق شاءت الأقدار أن تكملها بدون رجل ... فما أن تلمح ابنها يدخل الصالة حتى تحوله إلى نجم آخر للحفل ... فتشير إليه بيدها وتغمز ل " اللعابات " وتبدأ هي بالغناء ممازحة ابنها : _ لالا لالا على بو كمية هااااااا وليدي لالا لالا على زين السمية هااااااااااا وليدي هااااااااااااااااااه ها مول العاود هااااااااااااااه فيهرب الولد خجلا من نظرات نساء اتجهت كلها إليه ، ومن مكان بات كله إناثا ولا مكان فيه لذكر!!!!