يؤكد العالمون بخبايا الفن المغربي الأصيل أن عبد القادر علوش ، البالغ من العمر 82 سنة، يعد منهلا لا يفتر للموسيقى الأندلسية وخزانة متنقلة تحفظ الصنائع النادرة الشفشاونية خاصة والشمالية بشكل عام . وعبد القادر علوش (يسار الصورة)، أحد الشخصيات الفنية البارزة التي كرمت خلال فعاليات الدورة 31 لملتقى الأندلسيات بشفشاون، معروف في وسط المولعين بالموسيقى الأندلسية بشغفه الكبير بهذا النوع الفني الأصيل وتكوينه الذاتي وعصاميته في الكشف عن مكنونات الموسيقى الأندلسية على مستوى الكلمة واللحن على حد سواء، ومجاورته لكبار شيوخ الموسيقى الأندلسية بشمال المغرب خاصة. وتمكن عبد القادر علوش على مدى سبعة عقود من الزمن من تقديم عطاء فني بارز، من خلال تعزيز خزانة الموسيقى الأندلسية المغربية، كمؤلف وملحن لعدة أغاني استقاها من التراث الأندلسي الغني ومن الروافد الفنية المغربية الأصيلة، ومنها ما يتغنى بجمال وطبيعة شفشاون، من بينها "الشاون يا البيضة"، و"الشاون فيوم الربيع"، و"عندي بنت غزالة" وغيرها كثير. ورغم ميله للبساطة في حياته الاجتماعية الشخصية والأسرية إلا أن عبد القادر علوش، الذي تربى في وسط أسري مولع بفن الموسيقى الأندلسية، تميز طيلة مشواره الفني بسعيه نحو تطوير تجربته الفنية والبحث عن نفائس القطع الموسيقية والكلمات الأندلسية الشجية، التي توارثتها الأجيال منذ أزيد من خمسة قرون، كما يتميز بعطائه الوفير في تدريس الموسيقى حيث تخرجت على يده نخبة من العازفين الذين تفتخر بهم مدينة شفشاون. ورغم أنه جاور كبار نجوم الموسيقى الأندلسية، كالمرحوم عبد الصادق اشقارة والمرحوم العياشي الوراكلي والمختار المفرج وعبد السلام الغازي كفنانين بصموا تاريخ الموسيقى الأندلسية وساهموا في إشعاع الموسيقى والطرب الأندلسيين، إلا أنه لا يعترف بالنجومية والتميز والتفرد، مؤكدا أن النهل من المعرفة والعلوم يلازم الإنسان إلى غاية انتقاله إلى دار البقاء، كما أن الموسيقى بحر لا شاطئ له وتتجدد كل يوم. وفي هذا السياق، يرى عبد القادر علوش أنه لا يمكن حصر التميز في جيل من أجيال الموسيقى الأندلسية المعروفة، على اعتبار أن لكل جيل قوته الإبداعية وعطاءاته وتعامله مع الإرث الأندلسي الغني، مبرزا أن الجيل الموسيقي الجديد، الذي يحمل لواء الموسيقى الأندلسية، له حضور وازن ويحمل مشعل هذا التراث العالمي بكل جدارة بمقاربات علمية لم تكن تتوفر عليها الأجيال السابقة. وعكس ما يعتقده الكثير، يرى عبد القادر علوش، العازف الماهر على آلة "الكمالة" وآلة "الدربوكة"، أن الموسيقى الأندلسية ليست حبيسة كلمات وألحان الماضي، بل هي موسيقى متحركة تتطلب الاجتهاد والبحث والتنقيب والتطوير دون المس بجوهر هذا الفن المتجذر في التاريخ المغربي الأندلسي. واعتبر أن الحفاظ على أصالة الموسيقى الأندلسية مع المواكبة العلمية الفنية هو ما مكن الموسيقى الأندلسية من مواجهة تحديات الزمن والتحولات التاريخية والمجتمعية، وتجاذب المدارس الموسيقية بأنماطها المختلفة. ولأن الصنعات الأندلسية ليست مجرد ترديد لأشعار معينة بل هي، كما يقول عبد القادر علوش، "انفعال وتفاعل روحي"، فقد كان للزوايا الصوفية دور في المحافظة على إبداعات الموسيقى الأندلسية وتطوير الموسيقى الأندلسية بشفشاون كما في غيرها من المدن المغربية الرائدة في هذا الفن. وكشف عبد القادر علوش في هذا الاتجاه أن الزاوية الشقورية، شأنها في ذلك شأن باقي الزوايا المغربية بعواصم الموسيقى الأندلسية المغربية، كان لها دور كبير في الحفاظ على الموروث الأندلسي الموسيقي بشفشاون حيث تألق بين مريديها عدد كبير من العازفين على الكمان، مشيرا إلى أن "الزوايا بشكل عام اضطلعت بدور هام، إن لم نقل رئيسي، في احتضان التراث الأندلسي حفظا وتوثيقا شفاهيا وكتابيا دون المساس بروح التراث أو بروح النوبة". ولضمان استمرار الطبعة الشفشاونية الأندلسية، يحرص عبد القادر علوش على تدوين الصنائع الشفشاونية التي توجد في الحجازي والبطيحي وجمعها وحفظها من التلف وتسجيل 48 صنعة شفشاونية وتجميعها في كتاب بمساعدة من الفنان محمد الأمين الأكرمي رئيس الجمعية التطوانية لهواة الموسيقى الأندلسية والصوفية، ورئيس جوق المعهد الموسيقي لتطوان . وليس من باب الصدفة أن يجمع رواد الموسيقى الأندلسية ومحبوها على أن تكريم عبد القادر علوش خلال فعاليات الدورة 31 لملتقى الأندلسيات بشفشاون قبل نحو أسبوع، هو تكريم لكل الفنانين المغاربة الذين أخلصوا لفنهم وأفنوا حياتهم في سبيله من أجل ضمان استمرارية وتألق الموسيقى الأندلسية المغربية الأصيلة. *و.م.ع