يعيش الجسم القضائي المغربي هذه الأيام على إيقاع أجواء انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية لاختيار 10 قضاة منتخبين ضمن تشكيلة المجلس المكون من 20 عضوا، حسب ما ينص عليه الفصل 115 من الدستور. وينتخب قضاة المملكة عشرة أعضاء، ضمنهم أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء من بينهم، وستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة؛ فيما يلاحظ غياب لتمثيلية محكمة النقض. كما ينص الدستور على ضرورة "ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي". ويعول القضاة المغاربة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتنزيل المقتضيات الدستورية، وخصوصا السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة لهم، ولاسيما ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، يرى في تصريح لهسبريس أن الانتخابات التي يشرف عليها المجلس الأعلى للقضاء، والتي حدّد تاريخها في 23 يوليوز المقبل، تأتي في ظل المتغيرات التي عرفها الدستور المغربي لسنة 2011 على عدة مستويات، ومنها القضاء الذي ارتقى لأول مرة في تاريخ المغرب إلى مستوى السلطة. وأضاف الشنتوف أن استقلالية المجلس عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أخرجت وزير العدل والحريات من تركته، مؤكدا أن هذا "مطلب طالما نادت به الحركة الحقوقية بالمغرب". الشنتوف، وهو يشيد بالصلاحيات التي منحها الدستور للمجلس، سجل أن للأخير أدوارا مهمة في نظر القضاة، منها "حماية استقلال القاضي، إذ ألزمه الفصل 113 من الدستور الجديد بتبليغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، وهي ضمانة جديدة لم تكن موجودة في ما مضى"، حسب تعببره. من جهة ثانية، يرى الدكتور في القانون أن للمجلس دور رئيس في التواصل مع الرأي العام، من خلال قيامه بإعداد تقارير حول القضاء ومنظومة العدالة، مضيفا إلى ذلك الدور الاقتراحي، بإصدار توصيات في كل ما يهم مجال العدالة والقانون، والدور الاستشاري الذي يأتي بطلب من الملك أو البرلمان أو الحكومة لتقديم آراء مفصلة حول أي قضية تهم مجال العدالة. وبخصوص طريقة اشتغال المجلس، لفت الشنتوف الانتباه إلى أن الدستور لأول مرة يستعمل مصطلح الرئيس المنتدب، عوض تسمية نائب الرئيس، التي كانت في الدستور الملغى، مشيرا إلى أن "الرئيس المنتدب الجديد هو شخصية قضائية، وهو الرئيس الأول لمحكمة النقض، والذي يعتبر أعلى الهرم القضائي الموجود في البلد". وبعدما أكد أن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصبح مسؤولا عن أعماله، التي أصبحت خاضعة للطعن أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة"، أبرز القاضي بالمحكمة التجارية أن توفره "على الاستقلال المالي والإدراي يعد أمرا جديدا يحدث لأول مرة، لأن المجلس الحالي لم يكن يتوفر على مقر خاص به، بل كان جزءا من بناية وزارة العدل". "المجلس أضحى خاضعا للرقابة المجتمعية غير المباشرة، من خلال انفتاحه على أعضاء خارج القضاء، إذ لم يعد مجلسا للقضاة فقط"، يقول الشنتوف، الذي أضاف أن الدستور منح "عضوية المجلس للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والوسيط، وممثل عن المجلس العلمي الأعلى، فضلا عن أربعة أشخاص يعينهم الملك، وتتوفر فيهم، كما جاء في الفصل 115، شروط الكفاءة والنزاهة والعطاء والتميز في مجال استقلال القضاء". وخلص رئيس نادي قضاة المغرب، في حديثه لهسبريس، إلى التأكيد أن "هذه الصلاحيات الدستورية تبقى مهمة، وتحتاج إلى مجلس قوي لتنزيل هذه المبادئ على أرض الواقع"، مشيرا إلى "أن المجلس الذي نحن بصدده مجلس تأسيسي سوف يرسم من دون شك خارطة الطريق للمجالس المقبلة، ولذلك فإن هذا الانتخابات التي نعيش على إيقاعها تعتبر مهمة كثيرا".