كان لافتا أن تحصل الإناث على أعلى المعدلات في نتائج شهادة الباكالوريا لهذا العام، حيث سيطرت التلميذات على قائمة أفضل النقط، سواء في القطاع الخاص أو العام، وسواء على الصعيد الوطني أو على صعيد الجهات، بل انتقلت "عدوى" التفوق إلى المغربيات خارج البلاد أيضا. وبلغت المعدلات المحصل عليها من طرف تلميذات مغربيات مستويات عالية في باكالوريا هذه السنة دون أن يتركن أية فرصة للذكور في اعتلاء قائمة المتألقين، فأميمة قصاب من مدينة بوجنيبة، حققت أعلى معدل بكالوريا في التعليم العمومي ب19.21، ونهال شهبر، التي تتابع دراستها بالقطاع الخاص بمراكش، حصلت على 19.32. ونفس التألق سجلته تلميذات على مستوى أكثر من جهة من جهات المملكة، ففي جهة الشرق حققت تلميذة أعلى معدل في نتائج "الباك" في المنطقة، وأيضا في جهة سوس ماسة درعة جاءت تلميذة الأولى في نتائج السنة الختامية للثانوي، وهو الأمر ذاته في جهة الدارالبيضاء، وغيرها من الجهات. ولتفسير أسباب تألق التلاميذ الإناث في بكالوريا هذه السنة، يتطلب الأمر القيام ببحث علمي رصين، بيْدَ أن ذلك لا يمنع من الاستئناس ببعض الفرضيات التي أوردها الباحث المتخصص في علوم التربية، محمد الصدوقي، في تصريحات لهسبريس، من خلال ممارسته المهنية وتجربته الميدانية. وأوضح الصدوقي أن ظاهرة تفوق الإناث على الذكور في التعليم، بدأت تعرف منحى تصاعديا منذ سنوات، وهي ظاهرة دولية وإقليمية مؤكدة في جميع الأسلاك الدراسية، مشيرا إلى أن أسباب تفوق الإناث في الدراسة بالمغرب تكتسي طابعا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وقيميا ونفسيا وتربويا. وتابع الباحث بأن هناك عوامل اجتماعية وثقافية خصوصا لدى المنتميات اجتماعيا للطبقات الفقيرة في مجتمع ذكوري، ومن ذلك مكانة الأنثى في الأسرة والمجتمع، حيث غالبا ما تسمها الدونية وتفضيل الذكور على الإناث، مما يجعل الأنثى تنشأ على الرغبة في تأكيد الذات والاعتماد على النفس. وسجل الصدوقي أن طبيعة التنشئة التي تخضع لها الأنثى داخل الأسرة بتكليفها مبكرا مثلا بالأعمال المنزلية، وبعض المسؤوليات الأسرية تنمي لديها قيمة وحب العمل، والنزوع نحو التنظيم، وتكيف الأنثى مع مختلف أشكال الضغوطات الأسرية والمجتمعية ينمي لديها القدرة على الصبر وتحمل المشاق". واسترسل المتحدث بأن "التلميذات في مختلف الأسلاك الدراسية مقارنة بالتلاميذ الذكور، هن الأكثر انضباطا وجدية داخل الأقسام والمدارس، والأكثر انتباها وحبا للدراسة والعمل، والأكثر إنجازا لواجباتهم المدرسية، والأكثر تنافسية فيما بينهن، والأكثر صبرا وتحملا لمشاق الدراسة". واستطرد الأخصائي التربوي بأن التربية التمييزية بين الذكور والإناث داخل جل الأسر المغربية، والتي تتجلى في إعطاء الذكر مساحات حرية أكثر في اللعب وممارسة الهوايات والخروج من البيت، تجعل الإناث يقضين وقتا أكبر في المنزل وتخصيص معظمه للدراسة كمتنفس لهن". ومن الأسباب المجتمعية والمدرسية لتفوق الإناث في البكالوريا، يضيف الصدوقي، تكريس قيم المساواة والتمييز الإيجابي للنوع داخل المجتمع المغربي، ووجود القدوة من الإناث في مختلف مناحي الحياة المجتمعية والمدرسية، وتشجيع تمدرس الفتاة، حيث أصبح عدد الإناث يقارب الذكور، وأحيانا يتفوقن عليهم عدديا.