على غرار السنوات الماضية، عادَ موضوعُ معاقبة "مفطري رمضان" علانية في الفضاءات العامّة إلى الواجهة، بعد توقيفِ شابين في مدينة زاكورة، قيل إنّهما تناولا طعاما في نهار رمضان، والتحقيق مع شاب في الرباط دخن سيجارة، ومع شابة وشاب آخرين في مدينة مراكش ضُبطا يقبّلان بعضهما. هذه الوقائع الثلاث جعلتْ مطلبَ المدافعين عن حقّ الأفراد في الإفطار في رمضان، بإسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، يعود إلى الواجهة، لكنْ يظهر أنّ الاستجابة لهذا المطلب ما زالت بعيد المنال، بعد إعلان وزير العدل والحريات مصطفى الرميد تمسّكه بتجريم الإفطار العلني في رمضان، في مشروع القانون الجنائي الذي أعدّته وزارته. وكانَ الرميد حاسما في هذا الأمر بقوله، في الندوة الوطنية التي أعقبت المشاورات التي أجرتها وزارته مع مختلف الفاعلين حولَ مشروع القانون الجنائي، "لا يمكن أن نرفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان بدون عذر شرعي"، وعزا ذلك إلى أنَّ الإفطار العلني في رمضان "يمثّل ضربا لإسلام الدولة". الرياضي: ممارسة مناقضة لالتزامات المغرب في المقابل، ترى الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي أنَّ استمرار معاقبة "مفطري رمضان" يمثّل "سلوكا وممارسة متناقضة تماما مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب، والذي ينصّ على احترام حرية عقيدة الأفراد والضمير والوجدان". وأضافت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنّ المغرب صادق، أيضا، على توصية لمجلس حقوق الإنسان، قبل سنتين، تؤكد على وجوب احترام الحكومات لحرية العقيدة، وتعتبر الرياضي أنَّ معاقبة "مفطري رمضان"، يشكّل "الوجه الصارخ لانتهاك حرية المعتقد في المغرب". وعزت الرياضي سبب عدم تفعيل مضامين التزامات المغرب الدولية إلى "غياب إرادة سياسية"، واصفة معاقبة مفطري رمضان ب"الممارسة القمعية المغلّفة بغلاف ديني". وجوابا على سؤال حول ما إذا كان المجتمع المغربي سيتقبّل السماح لمفطري رمضان بالإفطار العلني، قالت المتحدّثة إنّ المجتمع المغربي "ما كانش هاكّا هادي عشرين ولا ثلاثين عام". وأوضحت: "المجتمع المغربي كان منفتحا ومتسامحا ويقبل جميع الأفكار السائدة في المجال الديني، ولم يكن المغاربة يرتكبون هذه الاعتداءات على المخالفين التي نراها اليوم"، محمّلة المسؤولية للدولة، "لأنها هي التي دفعت بالمجتمع إلى هذا المستوى من التزمت والتطرف الديني، وهي التي شجعته بسياستها وبإطلاق المجال للفكر الوهابي الذي تغلغل وانتشر وسط المجتمع المغربي بتشجيع منها". القباج: تدخل الدولة ضروري لحماية المقدّس في المقابل، أيّدَ الداعية حماد القباج تدخّل الدولة لزجْر "مفطري رمضان" بدون عذر شرعي، وقال موضحا: "إنَّ العبادة في أصلها شأن بين الإنسان وربه سبحانه، ولا تُعتبر شرعا مقبولة من العبد إلا إذا فعلها مختارا حرا غير مكره ولا مجبر من سلطة معينة، سواء كانت سلطة الدولة أو غيرها.. لكن حين يريد البعض أن يتهجم على مقدس عند الأغلبية الساحقة في دولة مَا، فهنا يصير تدخل الدولة منطقيا ومطلوبا". واستند القباج إلى الدستور المغربي الذي ينصّ على أنّ دين الدولة هو الإسلام، ليقول: "هذا اختيار المغاربة الذي هو حقهم الذي يجب احترامه، فالتهجم عليه والاستخفاف بكونه مقدسا سلوك يُعتبر عدوانا على حق الأغلبية الساحقة، وبالتالي يلزم الدولةَ التدخل لمنع هذا العدوان وحفظ حق مواطنيها الذي هي مؤتمنة عليه ومسؤولة أمام الدستور والقانون برعايته وحفظه". وبينما قال القباج إنّ تنصيص الدستور على أن رئيس الدولة هو أمير المؤمنين وأنه حامي الملة والدين، "يجعل تدخل الدولة واجبا قانونيا لحماية شعائر الدين مما يهددها ويعرّضها لعملية عدوان تستهدف وجودها"، قالت خديجة الرياضي إنّ على الدولة "أن تحمي جميع العقائد، بمن في ذلك من لا عقيدة له"، وتابعت: "ليس بالقانون يمكن فرض العقيدة على الناس". الريسوني: نعم لإسقاط الفصل 222 وفيما لا تزالُ الهوّة شاسعة بين معارضي منْع "مفطري رمضان" من "ممارسة حريتهم الشخصية"، وبين مؤيّدي تدخّل الدولة لزجرهم، انضمّ، في رمضان الحالي، واحد من رموز "التيار المحافظ" في المغرب إلى دعاة رفْع الدولة يدها عنْ كلّ ما يتعلّق بالمعتقد، ويتعلق الأمر بفقيه علم المقاصد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني. الفقيه المقاصدي قالَ، في محاضرة قبل أيام في قطر، إنه معَ المُطالبين بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، الذي يجرّم الإفطار العلني في رمضان، "ولو أن نيّتهم غيْرُ نيتي، وقصْدهم غير قصدي". وأضاف الريسوني: "القانون الجنائي لا يتدخل في الصوم، فحتى الذي يفطر وهو في الشارع أفترض أنه مريض أو أنه مسافر، فلماذا أتدخل فيه وأبحث فيه وآخذه إلى مخفر الشرطة، وأحقق معه وأرسله إلى النيابة العامة.. لماذا كل هذا العناء غير المجدي"، معتبرا أن "الأشخاص يحالون على بواطنهم، وحوافزهم الداخلية ثم بعد ذلك يأتي المجتمع"، واسترسل: "الذي يمنع بعض الناس من الإفطار العلني هو المجتمع وليس القانون". لماذا لا يعاقب القانون "تاركو الصلاة"؟ وفي ظلّ إغلاق الباب أمام أيّ احتمالٍ لإسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، في مسوّدة مشروعه الحالية، ثمّة من يتساءل لماذا لا يتدخّل القانون المغربي لمعاقبة غير المصلّين، أسوة ب"مفطري رمضان"، خاصّة وأنَّ الصلاة تأتي على رأس أركان الإسلام؛ حيث لا يجدُ الناس حرجا في الجلوس في المقاهي يوم الجمعة، تزامنا مع صلاة الجمعة، دون أنْ يحتجّ أحد على ذلك، كما يحصل إذا أقدمَ شخص ما على الإفطار في رمضان؟ وردّا على هذا السؤال، يقول الداعية حماد القباج إنَّ الدولة لا تتدخل لفرض الصيام بصفته سلوكا بين العبد وربه، بل تتدخل للمحافظة على الأمن الروحي لمواطنيها وأداء مستلزمات التعاقد بينها وبينهم، والذي يمثله الدستور، معتبرا أنّ تدخّل الدولة لضبط هذا المجال "هو تدخل ضد سلوك عدواني يستهدف حق الأغلبية من طرف أقلية كان يجب عليها أن تحترم اختيار الأغلبية". ويضيف المتحدث أنّ ما يوضّح هذا الطرح هو "أنّ من يريد الإفطار في رمضان فليفعل ذلك بينه وبين ربه، وهنا لا يحق للدولة أن تتدخل. أما حين ينقل ذلك إلى الفضاء العام ويروِّج له ويحاول أن يقنع به ضعيفي الثقافة الدينية، فهنا يكون قد سيّس الموضوع وخرج به من نطاق العلاقة بين العبد وربه إلى نطاق الشأن العام الذي يحكمه دستور وتنظمه القوانين المنبثقة عن ذلك الدستور". واعتبر القباج أنّ احترام مقوّمات الأمن الروحي للمجتمع واحترام اختيار الأغلبية "سلوك ديمقراطي حضاري نشاهده من كثير من المثقفين الغربيين الذين نراهم يحترمون صيام المسلمين فيمتنعون عن الأكل والشرب أمامهم في بلدهم الإسلامي، ونرى هذا أيضا من جيراننا اليهود"، وخلُص إلى أنّ "الذين يسيّسون سلوك إفطارهم وقعوا في خطأين فادحين: الأول بينهم وبين ربهم، والثاني أنهم خالفوا السلوك الحضاري والأعراف الديمقراطية التي يدَّعون الإيمان بها".