رغم تحذيرات وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، من تسريب امتحانات نيل شهادة الباكلوريا، إلا أن العكس قد وقع خلال الاختبارات الجهوية، بعد ما انتشرت، كالنار في الهشيم، على مواقع التواصل الاجتماعي، تسريبات أوراق الاختبارات دقائق معدودات بعد تسليمها للتلاميذ. السيناريو كان متوقعا بالنظر إلى "الوعود" التي قدمها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ب"تسريب أوراق الاختبارات بعد طرحها مرفقة بالأجوبة"، في تحدّ صريح لمجهودات وعمل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني. ومع اقتراب موعد الامتحان الوطني لهذه السنة، يحوم شبح تسريبات ضخمة حول رأس الوزارة الوصية على القطاع، كما حصل في دول مجاورة كالجزائر التي عرفت "أسوأ دورة باكالوريا منذ الاستقلال"، بحسب صحافتها المحلية. امتحانات نيل شهادة الباكلوريا أصبحت، منذ مدة، ساحة مواجهة مفتوحة بين "وزارة بلمختار" وشبكات متخصصة في التسريبات وتسهيل عملية الغش، مسلحة بأحدث التقنيات المتوفرة وبأفراد متخصصين في النظم المعلوماتية. ويطرح تطور تقنيات الغش في أوساط التلاميذ أسئلة عدة حول مدى نجاعة الأساليب المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في التصدي لهذه الظاهرة، كما يعيد النقاش حول المقاربة الأمنية التي طرحتها الحكومة في صيغة مشروع قانون ينص على عقوبات سجنية للغشاشين من التلاميذ. لا إجراءات جديدة التصدي لظاهرة الغش والتسريبات لا يحتاج إلى إجراءات جديدة، ذلك ما أوضحه مصدر من داخل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني الذي "نفى اعتماد الوزارة إجراءات جديدة" في تدبير الامتحان الوطني الذي سيجري خلال أيام 7 و8 و9 من الشهر الجاري. ورغم إقراره بتحمل الوزارة الوصية لمسؤولية تسريب أوراق الاختبار الجهوي خلال دقائق من توزيعه على التلاميذ في الأقسام، إلا أن المصدر ذاته أكد أن عمليات الغش التي تم تسجيلها، والبالغ عددها حوالي ثلاثة آلاف حالة، تبقى "حالات محدودة" مقارنة مع نسبة المترشحين الذين اجتازوا الامتحانات الجهوية البالغ عددهم 306 آلاف. وحول إمكانية إرساء آليات جديدة لمواكبة تطور طرق الغش، أكد المصدر ذاته أن الوزارة ما زالت، منذ سنوات، تطالب بوضع آلات للتشويش على الهواتف الذكية للمترشحين خلال فترة الامتحانات، إلا أن الأمر تعترضه مجموعة من الإكراهات لم يتم الكشف عنها. المقاربة الأمنية رشيد الجرموني، خبير في التربية، أقر بتطور أساليب الغش التي يعتمدها التلاميذ مع ما تتيحه وسائل التواصل الحديثة من إمكانيات لم تكن متوفرة في السابق، مقابل عجز الوزارة عن اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية نزاهة الامتحانات وضمان مبدأ تكافئ الفرص. وحمل الجرموني المسؤولية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في التسريبات التي تعرفها الامتحانات، مؤكدا أن عملية التسريب "تحدث من داخل مؤسسات الوزارة والمركز الوطني للامتحانات واللجان التي تشرف على العملية برمتها، رغم السرية التي تحيط بها". ووصف الخبير في شؤون التربية والتعليم تعامل الوزارة مع امتحان الباكالوريا ب"الارتجالي والمتخبط"، بعد ما لم تتمكن، حتى الآن، من إيجاد صيغة ناجعة لإيقاف ظاهرة الغش في عموميتها، محذرا، في الوقت ذاته، من تأثير هذه التسريبات على "مصداقية الباكالوريا بشكل خاص ومصداقية النظام التعليمي عموما". وحول أهم الأساليب التي يراها قادرة على الحد من الظاهرة، أشار الجرموني إلى "ضرورة التفكير في آليات جديدة تأخذ بعين الاعتبار تطور طرق الغش"، مثل "التشويش على جميع أجهزة الاتصالات طيلة فترة الاختبار عن طريق تنسيق بين الوزارة وشركات الاتصالات". أما بخصوص المقاربة الأمنية التي تم الحديث عنها مؤخرا بعد مشروع قانون تقدمت به الأغلبية البرلمانية لزجر "الغشاشين"، أكد المتحدث ذاته أن الأمر بات "ضرورة ملحة في ظل الحديث عن شبكات متخصصة في التسريبات وعملية غير قانونية تدر أموالا كبيرة".