الجماعات الترابية تنظيمات ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال الإداري و المالي، يتكلف فيها المنتخبون بتنفيذ مقررات مجالسها تحت وصاية وزارة الداخلية. و قد تم تغيير مصطلح الجماعات المحلية بمصطلح الجماعات الترابية، و لم يعد يتم التفريق بين الجماعات الحضرية و القروية بموجب مقتضيات دستور 2011. كما أصبح التنظيم الترابي المغربي يتألف من 12 جهة عوض 16 التي كان معمولا بها في السابق. منح دستور 2011، الذي كان ثمرة من ثمار الربيع العربي، مكانة متميزة للجماعات الترابية، ففي إطار التدبير الحر أعطاها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، مع صلاحيات جديدة تمكنها من التعاون فيما بينها لإنجاز مشاريع مشتركة، لتجاوز مشكل ضعف مصادر التمويل و مساعدة الغنية منها للفقيرة. كما مكنها من التنسيق مع المجالس الإقليمية و الجهوية قصد التمويل المشترك لبعض المشاريع في حدود نسبة معينة تأخذ بعين الاعتبار إكراهات ميزانياتها. بالإضافة، إلى البحث عن الموارد المالية بعقد شركات مع مختلف الشركاء الخارجيين، و إعداد دراسات مشاريع للاستفادة من خدمات صندوقي التضامن الجهوي و التأهيل الاجتماعي اللذان سيحدثان في إطار تفعيل مقتضيات الجهوية الموسعة في الجانب المتعلق بتعزيز التضامن و تحقيق العدالة المجالية بين الجهات. هذا، دون نسيان برامج التنمية البشرية، صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية و تجربةصندوق التجهيز الجماعي للمساعدة و البحث عن الحلول الممكنة و الملائمة لتجاوز المعيقات المالية. رغم الانتقادات التي وجهت لهذا الأخير في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 و في العديد من التقارير لصحف و منابر إعلامية مختلفة بكونه مجرد بنك للقروض الموجهة للجماعات ذات الوضع المالي المريح. لا جدال في كون الاستثمار ضرورة ملحة للاستجابة لمتطلبات و حاجيات الساكنة المحلية من تجهيزات و بنية تحتية لتسهيل حياتها اليومية. فالأدوار الطلائعية الجديدة للجماعات الترابية، في ظل الجهوية الموسعة، تحتم عليها التدخل في مجموعة من المجالات الحيوية و حل المشاكل التي تعيق تطورها محليا، في إطار ما يسمى "بمبدأ التفريع". لكن تطبيق هذا المبدأ في حل المشاكل التي تحتاج إلى اعتمادات مالية مهمة، يجعل الجماعات الترابية عاجزة عن المبادرة. رغم تأكيد الداخلية في شخص وزيرها في إحدى الجلسات البرلمانية على أن الاعتمادات المالية المحولة للجماعات المحلية من الضريبة على القيمة المضافة و غيرها، في الوقت الراهن تكفي لضمان حاجياتها التمويلية. مشكل الموارد يعتبر كذلك من بين المشاكل التي تؤثر على ميزانيات الجماعات الترابية و تحد من قدرتها على التمويل الذاتي للمشاريع الخاصة بها. فالنصيب الأكبر من ميزانياتها يذهب إلى مصاريف التسيير و أداء رواتب موظفين فائضين عن الحاجة في بعض الجماعات الترابية الكبرى، رغم وجود جماعات في مناطق أخرى في حاجة إلى تلك الطاقات لضمان جودة التدبير اليومي لخدماتها المقدمة للمرتفقين، و قد أشار المجلس الأعلى للحسابات لهذا المشكل الذي يؤثر على جودة أداء جل المؤسسات العمومية. إن استنزاف مصاريف التسيير للميزانية لا يحد من القدرة الاستثمارية للجماعات الترابية فقط، بل، يتعداها إلى قدرتها على تلبية انتظارات الساكنة المحلية. هذا الوضع الشاد يضعها بين خيارين: إما البحث عن الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين، أو الاقتراض. في حالة تعدر ذلك، تكون مضطرة للتخلي عنها و الرضوخ للأمر الواقع، مما يؤدي إلى خلق تفاوتات تختلف حدتها من منطقة إلى أخرى على جميع المستويات. إذ أن، مداخيل الضرائب المحلية بالنسبة لبعض الجماعات ضعيفة جدا و بعضها معقد و صعب الاستخلاص. في حين، أن هناك جماعات ترابية أخرى تعاني من الخصاص في الموارد البشرية في هذا المجال، ما يحول بينها وبين الاستغلال الأمثل لوعائها الضريبي. مما يحتم إلزامية، عقلنة تدبير الموارد البشرية، مع ضرورة العمل على استخلاص كافة الموارد الضريبية الممكنة مهما كانت الصعوبات التي تحول دون ذلك. تنويرا للرأي العام و لوضعه أمام الأمر الواقع. فإن نهج المقاربة التشاركية في تدبير الشأن المحلي من ضروريات المرحلة، ليدلي كل مواطن بما لديه و إطلاع الجميع بالقدرات التمويلية المتوفرة، لبناء أرضية تمكن من الاستغلال الأمثل للمتوفر من الموارد. و ذلك بالإعلان عن الدورة المزمع تنظيمها مع دعوة الساكنة للحضور لها و إدراج نقطة مداخلات العموم في جدول الأعمال لمناقشة اقتراحاتها. كما أن انخراط الجماعات المحلية في مبادرات التشغيل في ظل الأزمة الراهنة التي يتخبط فيها القطاع، يطرح نفسه بإلحاح. على اعتبار أن المنتخبين هم الموجودون في احتكاك يومي مع الأطر العليا و المجازين. لهذا وجب التفكير في أنشطة اقتصادية حتى و إن كانت مؤقتة،يمكن للجماعة أن تساهم فيها كشريك فاعل ، تتسم بالنجاعة المالية، تستجيب للحاجيات المحلية و الوطنية، و تمكن من تشغيل اليد العاملة الحاصلة على مختلف الشواهد و الديبلومات. ختاما، لابد من الإشارة إلى أهمية إنجاح هذا الورش المصيري الكبير الذي يلزم الجميع بالعمل يدا واحدة لمواجهة العراقيل المحتملة و البحث المشترك عن الحلول الممكنة القابلة للتطبيق، و إعطائها بعدا محليا، يشعر فيه الجميع، بتحمل جزء من مسؤولية نجاح هذا المشروع السياسي و المجتمعي الطموح من عدمه، و الهادف لربح رهانا الدمقرطة و التنمية اللذان يعتبران صمم الأمان لمستقبل البلد. إذ يستحيل التكهن بأي مسارات أخرى، ستحظى بثقة المواطن في حالة فرملة و إفراغ المسار الحالي من محتواه، محاولة من البعض للجري عكس التيار و الرجوع بالأوضاع إلى ما قبل الحراك.