3/4 سنقارب في هذه الورقة القسم الأول والثاني والثالث من تقرير الخارجية الأمريكية من الزوايا التالية: *** التقرير واحترام كرامة الشخص وحالات التعذيب والإفلات من العقاب وفساد جهازي الأمن والقضاء. أقر التقرير في هذا المحور بأن المغرب لم يعرف حرمانا من الحياة على نحو تعسفي أو غير مشروع، ولم يعرف- أيضا- أي اختفاء لأشخاص لدوافع سياسية. لكن ما يعاب على التقرير في هذا الباب هو اعتماده على تقارير لم يحدد لا هويتها ولا تاريخها ولا أسماءها. وباستثناء ذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتقريره في المجال، فإن ما يؤخذ على التقرير هو تركيزه بشكل مثير على ما يسميه "ضحايا وجمعيات ومنظمات الصحراء الغربية"، في كل أقسامه السبعة وصفحاته ال32، وكأنه يتحدث بالوكالة عنهم، إضافة إلى أنه يتحدث عن الصحراء الغربية وكأنها جزء غير موجود على التراب المغربي، وغير خاضع لسيادة المملكة؛ وهنا ينكشق انحيازه وخدمة أجندة خصوم المغرب. أما عن مسألة التعذيب والعقوبات القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة الممارسة بالمغرب، فأكد التقرير أنه رغم قيام السلطات المغربية المختصة بعدة تحقيقات في حالات التعذيب التي أعلنتها عدة جمعيات ومنظمات ومنابر إعلامية – لم يحددها- لكنها لم تؤد إلى أي نتيجة زجرية في حق المتهمين؛ بل إنه اتهم السلطات المغربية بأنها تحاكم أشخاصا بمدة حسبية وبغرامات مالية على عدة قضايا مرتبطة بالادعاءات الكاذبة بالتعذيب والإبلاغ عن جريمة يعرف المتهم أنها لم ترتكب، مقابل ترك المتهمين بالتعذيب وبالتعسف بدون عقاب. وأكد التقرير أنه رغم إبرام المغرب البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأممالمتحدة المناهضة للتعذيب، فإن رجال الأمن والدرك والشرطة مازالوا يمارسون التعذيب لإسكات المعارضة وانتزاع الاعترافات بالقوة والضرب والخنق والعنف السيكولوجي والجنسي. والغريب في الأمر أنه لم يذكر المصادر والمراجع التي اعتمد عليها، ولا كيف حصل هذه الحقائق والمعطيات، وإن كان تقرير المندوبة السامية المسؤولة عن اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعترف سنة 2015 بالتقدم الملموس للمغرب في مجال مناهضة كل أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وأثناء حديث التقرير عن التعذيب والتعسف والاعتقال، نالت مديرية مراقبة التراب الوطني نصيب الأسد في النقد والاتهامات المجانية، استنادا إلى تقارير منظمة العفو الدولية. وركز التقرير على حالتين لناشطين حوكما بالسجن لادعائهما التعرض للتعذيب، إضافة إلى حالة صحافي ثالث حكم بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة التشهير بمدير المخابرات الداخلية. وانتقد تقرير الخارجية الأمريكية استخدام مجموعة من أساليب التعذيب على يد قوات الأمن لنزع الاعترافات بالجرائم، إضافة إلى عدم وجود تحقيقات ومحاكمات للأفراد المتهمين بالتعذيب. لكن قمة التحامل على المغرب، وفق هذا التقرير ووقاحته، هو اعتبار ما تردد في بعض وسائل الإعلام حول اعتداءات جنسية أثناء انتخابات جمهورية إفريقيا الوسطى من طرف جنود مغاربة جزءا من ثقافة الإفلات من العقاب، رغم أن هذه الأحداث تمت خارج تراب المملكة. وفي علاقة بالاعتقال التعسفي وبالشرطة وبالفساد أقر التقرير بأن الفساد المتفشي في الجهاز الأمني والقضائي عمل على تقويض سلطة القانون وفعالية النظام القضائي، وكأن أصحاب التقرير أصبحوا ضحايا التعسف والاعتقال أكثر من المغاربة أنفسهم؛ بل إنهم قدموا أجهزة الأمن المغربية ككائنات لم تخلق إلا لممارسة القمع والتعسف على المغاربة خارج سلطة دولة الحق والقانون، وكأن المغرب بلد يهيمن فيه قانون الغاب..وهذه قمة الوقاحة. والطامة الكبرى في التقرير هو شغفه بالبحث عن كل الوسائل لتوريط المغرب وتقديمه أجهزته الأمنية والقضائية على أنها قمعية وتعسفية، مبرهنا ذلك بما سماه "الاعتقال التعسفي لمهاجرين غير شرعيين واحتجازهم ومرافقتهم إلى الحدود وإبعادهم دون منحهم فرصة ممارسة حقوقهم"، وكأن الولاياتالمتحدةالأمريكية جنة للمهاجرين غير الشرعيين. ولم يسمع من صاغوا التقرير ما قاله المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حملاته الانتخابية، حول أنه في حالة فوزه سيطرد حتى المهاجرين الشرعيين القاطنين بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وخصوصا العرب والمسلمون منهم، فما بالك بمصير المهاجرين غير الشرعيين؟؟. وبالمناسبة أتمنى من أصحاب تقرير الخارجية الأمريكية أن يدافعوا عن المهاجرين الأمريكيين الشرعيين من عرب ومسلمين وسود، قبل الدفاع عن المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب. *** التقرير وأوضاع السجون ومراكز الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي ركز التقدير الأمريكي على الأوضاع السيئة للسجون بالمغرب وعدم استيفائها المعايير الدولية، من حيث الاكتظاظ وغياب المرافق الصحية ونوعية الطعام والتعامل القاسي مع المعتقلين الإسلاميين وسجناء اكديم ايزيك، ووضع سجناء قاصرين مع بالغين. واستنادا إلى تقارير جمعيات حقوقية مجهولة، أفاد التقرير بأن السجون المغربية فيها اعتداءات متعددة على القاصرين، بما فيها الاعتداء الجنسي. ويتبين من التقرير أن هدفه ليس هو تقديم أوضاع السجون ومراكز الاعتقال أو الاحتجاز بكيفية واقعية، والتي نعترف بأن ما قاله عنها فيه نسب من الحقائق لا ينكرها أي مغربي، لكن هدفه هو الإساءة إلى المغرب عبر تقديم صورة قاتمة عن سجونه، وذلك بكيفية ممنهجة، والتغاضي عن المجهودات التي تبذلها وزارة العدل والحريات والمندوبية السامية للسجون وجمعيات حقوق الإنسان للبحث عن آليات العقوبات البديلة عن سلب الحريات. وللحقيقة أعجبت برد المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على تقرير كتابة الدولة الأمريكية عن وضعية حقوق الإنسان، الذي من حق كل مؤسسة مغربية ذكر اسمها إصدار بيان توضيحي في القضايا التي تخصها بكل جرأة وبكل موضوعية وبكل واقعية. في الشق الخاص بإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمملكة المغربية أوضحت المندوبية العامة تحايل التقرير وصمته عن الاعتراف بالمجهودات التي تبذلها، والتزامها بتحسين ظروف الاعتقال بالسجون بالمملكة باعتراف خبراء ومسؤولين أمريكيين قاموا بزيارات عدة لبعض السجون المغربية في السنوات الأخيرة، وعبروا عن استحسانهم لظروف الاعتقال، وأثنوا على الجهود التي تبذلها المندوبية لتحسين ظروف إيواء السجناء، مشيدين بالتجربة المغربية في إدارة السجون، واعتبروها نموذجا يمكن الاقتداء به على المستوى الإقليمي. أما عن ظاهرة الاكتظاظ التي تعرفها سجون المملكة، فلم يقدم التقرير حججا وأدلة كافية حول حقيقة هذه الظاهرة، التي لا تهم سوى عدد محدود من السجون. وعن غياب المعايير الدولية لإيواء السجناء، أجابت المندوبية بأن لكل بلد معاييره في ما يخص معالجة مشكل الاكتظاظ. أما في ما أورده التقرير بشأن الاعتداءات الجنسية المرتكبة في حق السجناء الأحداث، فأكدت المندوبية انه لم يتم إلى حد الآن تسجيل أي حالة من هذا النوع، مضيفة أن التقرير تضمن العديد من المغالطات المتعلقة بظروف اعتقال الأحداث، وموضحة أن "هناك فصلا تام بين ثلاث فئات: السجناء البالغون أكثر من 20 سنة، السجناء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و20 سنة، والسجناء الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة. وبخصوص بعض الفئات من السجناء، أوضحت المندوبية العامة أن بعض السجناء على خلفية أحداث اكديم إيزيك معتقلون من أجل تهم متعلقة بتكوين عصابة إجرامية، والعنف في حق رجال القوة العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه. *** التقرير واحترام الحريات المدنية: بما فيها حرية التعبير والصحافة وحرية الرأي والتعبير وحرية المشاركة في العملية السياسية اعتمد التقرير بخصوص انتهاك حرية الصحافة على بعض الحالات دون التيقن منها، كإقحام المدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، في محاكمة مدير موقع إلكتروني بعقوبة الحبس أربع شهور مع وقف التنفيذ، في حين أنه لم يكن مسؤولا عن المديرية العامة للأمن الوطني في الفترة التي تمت فيها هذه المحاكمة، لأن مدير العام للأمن الوطني كان آنذاك هو بوشعيب ارميل. وأورد التقرير أيضا حالات أخرى لم يبذل أي مجهود للتحقق منها، معتمدا في ذلك على الخيال والتضليل.. لكن أخطر ما في التقرير هو اتهامه الدولة المغربية بالمس بمبادئ حرية الصحافة وحرية التعبير، خاصة عندما تمس ثوابت ومقدسات البلاد، خصوصا شعار المملكة الله الوطن الملك. وهنا يكشف تقرير الخارجية الأمريكية عن وجهه الحقيقي في الإساءة لثوابت البلاد، تحت أسماء وشعارات خادعة ومضللة وفضفاضة، منها حرية الصحافة وحرية التعبير، ومنها أيضا حرية تجمع المثليين واحترام الحريات الفردية؛ وكأن المغرب بلا هوية وبلا ثقافة وبلا مبادئ وقيم وعادات وأخلاق، ومنها أيضا حرية تكوين الجمعيات والالتحاق بها، ولو كانت تتعارض والمقتضيات الدستورية والقوانين الجاري العمل بها بالمملكة. *** التقرير والملكية والانتخابات والمشاركة السياسية تعمد التقرير الخارجية الأمريكية الإساءة للملكية بكيفية ممنهجة لكنها مفضوحة، وكأن النظام المغربي نظام استبدادي وقمعي وجميع مؤسساته مناهضة لحقوق الإنسان، متجاهلا الشرعيات الدينية والتاريخية والسياسية التي تتمتع بها المؤسسة الملكية بالمغرب، والإصلاحات العميقة التي عرفتها الدولة وهياكلها في عهد الملك محمد السادس؛ إذ جاء دستور 2011 ليجدد بنيات النظام الملكي، بهندسة تحدد علاقات الملك بباقي المؤسسات، جسدتها أجواء تنظيم الانتخابات الأخيرة التي اعترف التقرير بمصداقيتها وبنزاهتها؛ مما يؤكد انخراط الملك ومؤسسات الدولة في الالتزام الفعلي بالمنهجية الديمقراطية التدريجية، وليس ادعاء الإنجاز الشامل والتحقيق المطلق للفعل الديمقراطي، الذي لم ولن يتحقق منذ جمهورية أفلاطون إلى اليوم، لأنه ليس هناك شعب أو دولة بلغت الديمقراطية المطلقة، بما فيها ديمقراطية الولاياتالمتحدةالأمريكية الظالمة. وبصفة عامة، يتبين من مقاربة الأقسام الثلاثة الأولى من تقرير الخارجية الأمريكية أنه يفتقر للدقة والضبط وأخذ المعلومة من المصادر الموثوق بها، وأن منهجية التقييم المعتمدة وجمع المعطيات فيه بعيدة عن الواقع وعامة، وفيها الكثير من الإسقاطات والمبالغات والأحكام الجاهزة على حالات معزولة، وهذا ما يفقده مصداقيته وموضوعيته. وعليه، فإذا كان من حق الخارجية الأمريكية صياغة تقريرها حول المغرب وفق أجندتها وأهدافها، فمن حق المغرب – أيضا- كدولة تعيش تمرينا ديمقراطيا بطيئا لكنه حقيقي، ألا يقبل "اختلاق" وقائع و"فبركة" حالات بالكامل، وإثارة مزاعم مغلوطة تحركها دوافع سياسية غامضة"، كما جاء في بلاغ وزارة الداخلية.. يتبع *أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط