انتهى مهرجان "موازين إيقاعات العالم" بحفلاته الموسيقية الصاخبة، وغادر نجوم الغناء في المغرب والعالم منصات العروض في الرباطوسلا، بعد أن استطاعوا حشد زهاء 3 ملايين شخص طيلة أيام المهرجان، منهم من حققوا أرقاما قياسية في عدد الجماهير التي حضرت الحفلات. وتمكن المطرب الشعبي عبد العزيز الستاتي، بمعية "نجم العيطة" حجيب، أن يجلبا 250 ألف شخص في حفل غنائي بمنصة سلا في إحدى ليالي موازين، كما أن عبد الحفيظ الدوزي حشد 150 ألفا، وسعد المجرد أكثر من 140 ألفا، و"الديدجي" الهولندي هاردويل 180 ألف شخص، وبيتبول 130 ألفا..وهلم جرا. وبالمقابل يمكن الجزم بأنه لا أحد من الأحزاب السياسية، أو الزعماء والقادة السياسيين بالمغرب يمكنه حشد كل هذه الآلاف الكثيفة من الناس في تظاهرة واحدة، أو في مهرجان خطابي واحد، إذ بالكاد يحضر العشرات، وفي أحسن الأحوال بضع مئات أو بضع آلاف، إلى مثل تلك المناسبات السياسية. مطربون وأحزاب وفي تعليقه على المفارقة بين حشد مطرب واحد لكل تلك الحشود البشرية بالمغرب، مقابل عجز أحزاب سياسية عن تحقيق ذلك، قال الدكتور محمد الزهراوي، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن الإقبال الكبير للمغاربة على حضور السهرات الغنائية لنجوم الطرب يدخل في سياق صناعة الفرجة والترويح عن النفس. وأوضح الزهراوي أن هذا "الحضور الكثيف لمثل تلك المهرجانات أمر عاد، لكن الظاهرة تغدو غير عادية عندما تصل نسبة الحشد إلى أرقام قياسية تتجاوز مائة ألف في بلد تعجز فيه الأحزاب السياسية عن استقطاب، أو حتى إقناع، بضع مئات من المواطنين لحضور مؤتمراتها أو مهرجاناتها الخطابية". وتابع المتحدث، في تصريح لهسبريس، بأنه رغم الانتقادات التي توجه في كل سنة إلى مهرجان موازين، إلا أن الحضور الجماهيري المكثف للحفلات خلال هذا العام يؤكد نجاح هذا المهرجان على مستوى الحشد والتنظيم، وهو ما يعكس فشل المنتقدين، خاصة الأحزاب، على حشد واستقطاب المواطنين بتلك الكثافة. وبخصوص العوامل التي يمكن أن تفسر ظاهرة ضعف وعدم قدرة الأحزاب السياسية المغربية على "الحشد الجماهيري" في مؤتمراتها الخطابية، سواء على مستوى الأرقام أو التنظيم، على غرار مهرجان موازين، أكد الباحث المغربي أن الأمر يتعلق بعاملين رئيسيين اثنين. أسباب فشل الأحزاب في الحشد العامل الأول، وفق الزهراوي، يتمثل في الوسائل التواصلية التقليدية للأحزاب التي لا تواكب التحولات التي همت البنيتين الثقافية والسلوكية لشريحة عريضة من المجتمع، خاصة الفئات الشابة؛ حيث لا تزال الأحزاب تعتمد على القنوات التقليدية العتيقة في التواصل والاستقطاب خلال الحملات الانتخابية. وتظهر هذه القنوات التواصلية العتيقة لكثير من الأحزاب السياسية بالمغرب، بحسب المتحدث، في الاعتماد على الأسواق والعلاقات العائلية، والإطعام الجماعي مثل "الزرود" والولائم، لافتا أيضا إلى تكرار وتشابه مضمون الخطاب السياسي والانتخابي من طرف كافة الأحزاب. وأما العامل الثاني، يردف الزهراوي، فهو عجز الأحزاب عن القيام بأدوارها التأطيرية، وعدم قدرتها على تقديم وبلورة عرض سياسي يغري ويقنع ويعكس تطلعات المواطنين ويساعد على الاستقطاب، وسيادة ظاهرة عدم الثقة في الأحزاب نتيجة مجموعة من التراكمات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية. واعتبر المحلل أن هذا الوضع يؤشر على ترهل وهشاشة الحقل السياسي بالمغرب، بحكم أن الأحزاب السياسية تعتبر مكونا أساسيا من مكونات الديمقراطية من خلال حشد وتعبئة وتأطير المواطنين، لأنه عندما تتزعزع ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية تتأثر العملية الديمقراطية بكاملها. وخلص الزهراوي إلى أنه "بات من الضروري التعامل مع هذه الظاهرة السلبية بجدية من خلال فتح نقاش عمومي من طرف الدولة والأحزاب السياسية المغربية، قصد إيجاد حلول عملية، غايتها تخطي ومعالجة الواقع الحالي الذي قد يؤدي في حالة استمراره إلى المجهول"، وفق تعبيره.