قال المفكر المغربي مصطفى المرابط إنه "لأول مرة في التاريخ، أصبح العقل متأخرا عن وعي الإشكاليات المفروضة في العالم"، وهو الوضع الذي انطلق، بحسبه، منذ النصف الثاني من القرن الماضي؛ "حيث بدأت الفجوة تتسع بين تطورات العالم والإنسان كذات عاقلة". رئيس مركز مغارب للدراسات، خلال ندوة نظمها مركز "إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية" حول "منهجية تكامل العلوم"، بالرباط، أضاف أن الجامعة كانت تجيب في السابق عن المعضلات التي تواجه الإنسان، أما اليوم فقد انفصلت عن التحولات التي يعرفها العالم، حتى إن عقل الإنسان بات مدركا أن هناك مسافة بينه وبين التطور المعرفي، و"بات العقل يعترف بعجزه عن فهم هذه الإشكاليات". وزاد الأكاديمي المغربي أن تطور العالم قد انفصل عن تطور الإنسان؛ ذلك أن هذا الأخير لم يعد قادرا على ضبط حركة التاريخ، "وبات التاريخ يصاغ خارج إرادة الإنسان"، قبل أن يتساءل ما إن كنا في حاجة فقط إلى إصلاح قطاع واحد من العلوم دون غيره، أم بحاجة إلى تغييرات يعرفها قطاع دون غيره، "والجواب هو أننا في حاجة إلى ثورة تعليمية ومعرفية، وليس فقط إصلاح ما هو موجود أصلا، وإن كان الإصلاح أمرا مستحبا"، بتعبيره. وشدد المرابط على الحاجة إلى إعادة فهم الكون، معبّرا عن عدم رضاه لكون العلوم لجأت إلى التخصصات الدقيقة والشديدة إلى درجة لم يعد هناك تواصل بينها، "وهو ما أدى إلى تشتيت وتجزيء المعرفة العلمية، وبدأ كل تخصص علمي يدّعي أنه صاحب الحقيقية"، وهو ما أفضى، بحسب المرابط، إلى نوع من التفاضل بين العلوم الإنسانية والعلوم الحقة. واعتبر المرابط أن العلوم الإنسانية "كانت لها نبتة فاسدة؛ حيث أصيبت بعقدة تجاه العلوم الدقيقة، وأرادت هي الأخرى أن تجعل من موضوع دراستها حقيقة علمية، دون أن تعلم بأنها وقعت في الفخ الذي وقعت فيه العلوم الحقة"، مشيرا إلى أن العالم، حاليا، يعيش حالة من القطيعة بين العلم وبين المعنى والحكمة، وأن السائد هو العقل الصناعي الذي يجيب عن كل ما هو متعلق بسؤال "كيف؟". ولم يستسغ المرابط كيف أن العلوم الاجتماعية أصبحت تتحدث عن الظواهر الاجتماعية كحقائق موضوعية، الأمر الذي "أضاع على البشرية طفرات حقيقية". من جهته اعتبر الباحث المغربي محمد همام أن القرآن "هو كتاب رؤية وتوجيه وهدى"، مشيرا إلى أن التاريخ الإسلامي شهد تحولا نحو العقيدة على حساب الإيمان، و"العقيدة بكل ما تحمله من حمولة دالة على الشرائع والطقوس". واعتبر المتحدث نفسه أن "التحولات التي عرفتها القارة الأوروبية أثبتت أن التقدم الإنساني رهين بالحسم في الخيار في اتجاه سيادة العقل وإبعاد الدين، وهو ما يسميه طه عبد الرحمن تسيّب العقل"، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أن الدين والفلسفة لم يعودا يؤطران العلوم، وإنما الفيزياء، إلى درجة بات الحديث يتم عن: الفيزياء الاجتماعية".