"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد على تناقضات المحدِّثين المذهبية
نشر في هسبريس يوم 28 - 05 - 2016

قال الإمام الحاكم النيسابوري رحمه الله في المستدرك على الصحيحين (3/ 138) الحديث 4640 : حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقِتْبَانِيُّ، وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْخَضِرِ الشَّافِعِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ بِالسَّاقَةِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحُلْوَانِيُّ، قَالُوا: ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمُزَكِّي، عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الْآخِرَةِ، حَبِيبُكَ حَبِيبِي، وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَّهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوُّي عَدُوُّ اللَّهِ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي»
ثم قال الحاكم : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَأَبُو الْأَزْهَرِ بِإِجْمَاعِهِمْ ثِقَةٌ، وَإِذَا تَفَرَّدَ الثِّقَةُ بِحَدِيثٍ فَهُوَ عَلَى أَصِلِهِمْ صَحِيحٌ .
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى الْحُلْوَانِيَّ يَقُولُ: لَمَّا وَرَدَ أَبُو الْأَزْهَرِ مِنْ صَنْعَاءَ، وَذَاكَرَ أَهْلَ بَغْدَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ مَجْلِسِهِ، قَالَ فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ: " أَيْنَ هَذَا الْكَذَّابُ النَّيْسَابُورِيُّ الَّذِي يَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَامَ أَبُو الْأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا، فَضَحِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيَامِهِ فِي الْمَجْلِسِ فَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَيْفَ حَدَّثَكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرَكَ؟ فَقَالَ: أَعْلَمُ يَا أَبَا زَكَرِيَّا، إَنِّي قَدِمْتُ صَنْعَاءَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ غَائِبٌ فِي قَرْيَةٍ لَهُ بَعِيدَةٍ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَأَنَا عَلِيلٌ، فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَيْهِ سَأَلَنِي عَنْ أَمْرِ خُرَاسَانَ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَا وَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ إِلَى صَنْعَاءَ، فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ، قَالَ لِي: قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ حَقُّكَ، فَأَنَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِّي غَيْرُكَ، فَحَدَّثَنِي وَاللَّهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لَفْظًا فَصَدَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ".
وفي الكامل لابن عدي (1/ 317) عن أبي الأزهر قال : فلما قدمتُ بَغْدَاد ، وكنتُ في مجلس يَحْيَى بن مَعِين، فذاكرتُ رجلا بهذا الحديث ، فأنكر عَلي حتى بلغ يَحْيَى ، فصاح يَحْيَى فقال: من هذا الكَذَّاب الذي روى عن عَبْد الرَّزَّاق ؟ فقمتُ في وسط المجلس قائما ، فقلتُ: أنا رويتُ هذا الحديث ، وأخبرته حين خرجتُ معه إلى القرية ، فسكتَ يَحْيَى.
وفي تاريخ الإسلام ت تدمري (20/ 42) للذهبي : وعن أبي الأزهر قَالَ: لمّا أنكر عليَّ ابنُ معين هَذَا الحديث ، حلفت أن لا أحدث به حتى أتصدق بدرهم . ه
قلت : هذا إمعان منه رحمه في تأكيد صحة الحديث ونكاية بالمنكرين.
وفي تاريخ بغداد ت بشار (5/ 66) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الْحَافِظُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن زهير التستري، يَقُولُ: لما حدث أَبُو الأزهر النَّيْسَابُورِيّ بحديثه عَنْ عَبْد الرزاق فِي الفضائل، أخبر يَحْيَى بْن معين بذلك، فبينا هو عنده فِي جماعة أهل الحديث، إذ قَالَ يَحْيَى بْن معين: من هَذَا الكذاب النَّيْسَابُورِيّ الَّذِي حدث عَنْ عَبْد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أَبُو الأزهر، فَقَالَ: هو ذا أنا فتبسم يَحْيَى بْن معين، وَقَالَ أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته، وَقَالَ: الذنب لغيرك فِي هَذَا الحديث .
قلت : جملة : ( وَقَالَ: الذنب لغيرك فِي هَذَا الحديث ) ، زيادة شاذة ، وهي وهم من أوهام شيخ الخطيب البغدادي ، فإن محمد بن نعيم الضبي هو الإمام الحاكم النيسابوري ، وهذه الرواية ليست في مستدركه ولا في غيره ، وهي مخالفة لرواية المستدرك ( فَصَدَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ) ، ولرواية ابن عدي : ( فسكت يحيى ) ، فبرئ الإمام يحيى بن معين من تضعيف الحديث وإنكاره ، وأقرّ صحته لما بيّن له قرينه الحافظ أبو الأزهر مناسبة سماعه الحديث من الإمام عبد الرزاق.
والحديث مخرج عن الإمام الثقة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر في "فضائل الصحابة" لابن حنبل ، وكامل ابن عدي ، وشرح أصول الاعتقاد لللالكائي ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ، وتاريخ بغداد، وفوائد أبي عثمان البحيري ، وعلل ابن الجوزي ، وتاريخ دمشق وتهذيب الكمال .
أبو الأزهر متابع:
لم يخصّ عبد الرزاق تلميذه أبا الأزهر بالحديث : قال الخطيب في تاريخ بغداد ت بشار (5/ 66) : وقد رواه مُحَمَّد بْن حمدون النَّيْسَابُورِيّ، عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن سُفْيَان النجار، عَنْ عَبْد الرزاق، فبرئ أَبُو الأزهر من عهدته إذ قد توبع على روايته والله.
المصححون للحديث الجليل :
أولا : الإمام عبد الرزاق الصنعاني ، فإنه كان يعظمه ويخص به أوثق الناس عنده .
ثانيا : الإمام أبو الأزهر ، وقد تحدى ابن معين وكل الحاضرين ، ونذر أن يقرن التحديث بالصدقة .
ثالثا : الإمام ابن معين ، فإنه صدق أبا الأزهر واعتذر إليه ، وإنما أنكره بداية لأنه استغرب عدم سماعه من شيخه عبد الرزاق ، فلما أخبره قرينه الثقة بقصته ، أدرك أن عبد الرزاق خصه به على عادة كبار المحدثين .
وتبين أن عبد الرزاق خص به تلميذا آخر ، فلم يبق أبو الأزهر منفردا به .
رابعا : الإمام الحاكم النيسابوري ، وتصحيحه صريح فصيح .
مع ابن عدي رحمه الله :
قال : هذا الحديث عن عَبد الرَّزَّاق، فعَبد الرَّزَّاق من أهل الصدق، وَهو ينسب إلى التشيع، فلعله شبه عليه لأنه شيعي. ه
قلت : دع لعلّ عندك يا إمام رحمك الله ، وإلا فطبّقها على كل الأحاديث.
ثم لماذا لم تبيّن سبب تشكيكك في الحديث ؟
إن كان استنكار ابن معين هو حجتك ، فالرجل صدق واعتذر وسكت بعد ذلك .
مع ابن الجوزي رحمه الله :
قال في العلل المتناهية (1/ 219) : هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ . قَالَ : فَالْوَيْلُ لِمَنْ تَكَلَّفَ فِي وَضْعِهِ إِذْ لا فَائِدَةُ فِي ذَلِكَ. أَنَا الْقَزَّازُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ الْحَافِظَ سَمِعْتُ أَبَا حامد بن شرقي سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الأَزْهَرِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ مَعْمَرًا كَانَ لَهُ ابْنَ أَخٍ رَافِضِيًّا يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، وَكَانَ مَعْمَرُ رَجُلا مَهِيبًا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي السُّؤَالِ وَالْمُرَاجَعَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قُلْتُ وَأَحْمَدُ بْنُ الأَزْهَرِ قَدْ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.
قلت : غفر الله لابن الجوزي تقصيره وتدليسه ، وشكر الله له إقراره بصحة معناه ، وهذه مآخذنا عليه:
أولا : زعم أن ابن معين كذّب أبا الأزهر ، وهو يعلم أنه كذب راوي الحديث قبل أن يعرف أنه الحافظ الثقة أبو الأزهر ، ويعلم أنه صدقه بعد ذلك واعتذر ، فلم تستر على ذلك كله ؟
ثانيا : اعتمد في تضعيف الحديث على خرافة تفرد أبو حامد بن الشرقي بذكرها ، وهو متأخر لم يدرك عبد الرزاق فضلا عن معمر بن راشد ، فقوله كلام مرسل خيال ، ولم يسمّ ابن أخي معمر الذي لا ذكر له في ترجمته ، فليتحمل مسئوليته هو ومن صدقه ، فإنها تهمة مكذوبة تقضي بالشك في حديث الإمام الحجة معمر بن راشد كله.
وقد ردّ الذهبي هذه الفرية ، فقال في "سير أعلام النبلاء" ط الرسالة (9/576) : هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَمَا كَانَ مَعْمَرٌ شَيْخاً مُغَفَّلاً يَرُوجُ هَذَا عَلَيْهِ، كَانَ حَافِظاً، بَصِيْراً بِحَدِيْثِ الزُّهْرِيِّ. ه
وفي "سلسلة الأحاديث الضعيفة (10/ 524) للألباني : فهذا - إن صح - علة واضحة في أحاديث معمر في فضائل أهل البيت، ولكني في شك من صحة ذلك؛ لأنني لم أر من ذكره في ترجمة معمر؛ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما. والله أعلم.
مع الذهبي رحمه الله :
اعترف بصحة معنى الحديث ، أي بعدم نكارة مضمونه ، فقال في ميزان الاعتدال (2/ 613) : مع كونه ليس بصحيح فمعناه صحيح سوى آخره، ففي النفس منها شيء، وما اكتفى بها حتى زاد: وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك.
فالويل لمن أبغضه. هذا لا ريب فيه، بل الويل لمن يغض منه أو غض من رتبته ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين .
لكنه قال في تعليقه على المستدرك: منكر ليس ببعيد من الوضع .
وفي مختصر تلخيص الذهبي (3/ 1414) لابن الملقن : هذا وإن كان رواته ثقات، فهو منكر ليس ببعيد من الوضع، وإلا لأي شيء حدَّث به عبد الرزاق سراً، ولم يجسر أن يتفوَّه به لأحمد، وابن معين، والخلق الذين رحلوا إليه؟!
وقال في "سير أعلام النبلاء" ط الرسالة (12/ 367): وَلِتَشَيُّعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سُرَّ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَهُ، وَمَا رَاجَعَ مَعْمَراً فِيْهِ، وَلَكِنَّهُ مَا جَسَرَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ لِمِثْلِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِيْنٍ وَعلِيٍّ، بَلْ وَلاَ خَرَّجَهُ فِي تَصَانِيْفِهِ، وَحدَّثَ بِهِ وَهُوَ خَائِفٌ يترقَّبُ.
قلت : غفر الله لك يا إمام .
أولا : اعترفت بثقة رجاله وصحة معناه ثم تستنكره وتحتمل أنه موضوع ، لكنك يرحمك الله صححت الأساطير والخرافات المستنكرة قرآنا وسنة وعقلا ، كأسطورة الوزغ ولطم ملك الموت ... فبأي منطق تتصرف في سنة المصطفى ؟
ثانيا : زعمت أن عبد الرزاق سرّ بالحديث لتشيعه ، فكان عليك أن تتهمه بذلك في كل الأحاديث التي رواها في فضل آل بيت رسول الله ، وأن تتهم الحفاظ النواصب بنفس التهمة عندما يروون الروايات الموضوعة حقا في فضائل معاوية رحمه الله ، لكنك لم تفعل إلا نادرا وحيث يكون في السند وضاع مشهور .
ثالثا : ادعيت أن عبد الرزاق لم يجسر أن يحدث تلامذته المذكورين بهذا الحديث بناء على الظن والخيال والاحتمال ، وهو ظن سيء لأن الرجل خرّج في مصنفه ما هو أعظم من هذا الحديث وأخطر ، وروى فيه أخبارا في ذم شخصيات أموية مقدسة عند النواصب ، بل روى فيه أخبارا في أخطاء صحابة فضلاء رضي الله عنهم ، أي أنه لم يكن من الخائفين المترقبين كما تدعي .
ثم ما الفارق بين أبي الأزهر وأحمد ومعه ابن معين وعلي بن المديني حتى يطمئن إليه ويخشاهم ؟
ما كانوا رحمهم الله إلا تلامذة صغارا بين يديه ، فلِمَ تتهمه بالخوف منهم ؟
إنك يا إمام تعرف أن كبار الحفاظ يخُصّون بعض تلامذتهم بالأحاديث النفيسة على سبيل الهدية والجائزة ، وذكرت كثيرا من ذلك في تواريخك وتراجمك الحافلة الجليلة .
وهب أن عبد الرزاق خشي تحديث هؤلاء الفضلاء.
فهل هذا معيار النكارة والضعف ؟ ألم يخص عمران بن حصين رجلا بحديث متعة الحج خشية من معاوية، والخبر في الصحيح ، فهلا رددته ؟
إنك تسيء بهذا الظن إلى هؤلاء الأئمة ، فخشية عبد الرزاق منهم تعني أنهم نواصب يمقتون فضائل مولانا علي، وهم برءاء من ذلك رحمهم الله ، فقد رووا في فضائله وفضائل ذريته وفي مثالب خصومه الشاميين الكثير الكثير .
وبالجملة ، فالحافظ المؤرخ الذهبي يعترف ضمنا بأن الإرهاب الفقهي ظهر زمن السلف ، فكان بعضهم يتخوفون على أنفسهم من رواية الأحاديث في فضائل مولانا علي وذريته الطاهرة ، أو ذمّ أعدائهم الأمويين .
مع الألباني رحمه الله :
تناول هذا الحديث العظيم في موسوعته "سلسلة الأحاديث الضعيفة" تحت رقم 4894 ، وزعم أنه "موضوع".
وقال : فانحصرت العلة في عبد الرزاق نفسه، أو في معمر، وكلاهما ثقة محتج بهما في "الصحيحين"، لكن هذا لا ينفي العلة مطلقاً.
ثم قال بعدما شكك في خرافة ابن أخ معمر بن راشد : ( وأما بالنسبة لعبد الرزاق؛ فإعلاله به أقرب؛ لأنه وإن كان ثقة؛ فقد تكلموا في تحديثه من حفظه دون كتابه؛ فقال البخاري: "ما حدث به من كتابه فهو أصح". وقال الدارقطني: "ثقة، لكنه يخطىء على معمر في أحاديث". وقال ابن حبان: "كان ممن يخطىء إذا حدث من حفظه؛ على تشيع فيه". وقال ابن عدي في آخر ترجمته: "ولم يروا بحديثه بأساً؛ إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به، وأما في باب الصدق؛ فإني أرجو أنه لا بأس به؛ إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين؛ مناكير ). ه
قلت : لا يتورّع علماؤنا عن الكيل بمكيالين ، فالألباني صحّح أحاديث بالجملة تفرّد بها عبد الرزاق ، لكنه هنا يضعف الحديث بالاحتمال .
إن عبد الرزاق يخطئ حقا وينسى ، وما يوجد في كتبه أصح مما رواه من حفظه ، لكن الألباني يعرف أن الحكم على راو ثقة بالوهم في حديث، يحتاج إلى دليل وحجة.
والدليل على الوهم أو الخطأ هو مخالفة الأوثق أو الاضطراب أو رواية متن منكر يناقض الكتاب أو السنة الصحيحة أو العلم والعقل .
وهذا الحديث تفرّد به عبد الرزاق ، أي أنه لم يخالف أحدا .
ولم يضطرب في سنده أو متنه.
وليس في المتن أي معنى مستقبح ، بل معناه صحيح كما قال ابن الجوزي والذهبي وغيرهما.
وليس فيه منافرة للعلم والعقل .
ولذلك لم يعلّه الحفاظ ذوو المعرفة والخبرة بكون عبد الرزاق يخطئ .
فمن أين عرف الألباني أنه لم يحفظ ؟
ثم إنني أشفق على الشيخ ، فهو يدري جيدا أن الحديث الموضوع هو ما كان في سنده كذاب ، أو كان مضمونه شديد النكارة .
فكيف تجرّأ ، غفر الله له ، على الزعم بأنه موضوع ؟
والغريب أنه لم يحكم بذلك على عشرات الأحاديث المنكرة حقا الساقطة سندا .
مع الحويني :
قال في "نثل النبال بمعجم الرجال" (1/ 144) : أما الحاكم رحمه الله ، فلعله جرى على ظاهر الإسناد. ويقولُ النقاد: إنَّ صحة السند قد لا تستلزم صحة المتن المروي به، وهذا الحديث من ذاك القبيل وآخره في غاية النكارة، وإن كان أوله محتملًا.
وقد استنكره جماعةٌ من الحفاظ، مثل يحيى بن معين، وأبو حامد بن الشرقي، وابن عديّ، وابن الجوزيّ، وغيرهم. . .
أما أحمد بن الأزهر، فلم يتفرد به. قال الخطيب: "وقد رواه محمَّد بن حمدون النيسابوري، عن محمَّد بن عليّ بن سفيان النجار، عن عبد الرزاق. فبريء أبو الأزهر من عهدته، إذ قد توبع على روايته". اه.
أقول :
أولا : زعم الشيخ أن الحاكم نظر إلى السند ولم يتأمل المتن ، وهذا ظن هراء .
ثانيا : أقرّ بصحة السند ، وبذلك يكون غير معتدّ بالعلة التي اعتمدها شيخه الألباني .
ثالثا : ذكر أن عدم التلازم بين صحة السند وثبوت المتن ، لكنه دافع باستماتة عن الأحاديث الموضوعة حقا ، كأسطورة سحر الرسول أو خرافة الوزغ ، بالنظر لصحة الأسانيد ، وهذا تناقض صارخ .
رابعا : زعم أن آخر الحديث في غاية النكارة ، ولعله يقصد هذا المقطع : ( وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوُّي عَدُوُّ اللَّهِ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي ) .
ونحن نقسم بالله أن هذا الجزء موافق للقرآن والسنة والإجماع السني ، فمن يعادي صحابيا من السابقين هو عدو لله ورسوله والمؤمنين ، والويل له ثم الويل له .
والحفاظ الكبار كالذهبي لم يروا في ذلك أي نكارة ، لأنهم يعلمون ، والحويني يعلم أن هذا المعنى صحيح متواتر ، وفيه أحاديث مخرجة في الصحيحين وغيرهما .
وأقسم بالله ، لو أن القوم وجدوا هذا الحديث في مثل معاوية رحمه الله ، لطاروا به فرحا وصححوه وكتبوه بماء الذهب وعلقوه في الشوارع والمساجد ، فإنهم صححوا موضوعات ومكذوبات في فضائله ، ثم يستكثرون على مولى المؤمنين هذا الحديث الذي تنضح منه أنوار النبوة .
شواهد صحيحة يتناساها المضعفون :
يعرف القوم أن الحكم النهائي على حديث يتطلب البحث عن الشواهد واستحضارها ، لكنهم لم يحترموا ما يؤمنون به ، فلم يذكر أحدهم هذه الدعامات الصحيحة الشاهدة بسلامة متن حديث مولانا ابن عباس :
أولا : حديث : «اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ , اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»
وهو صحيح شبه متواتر.
وقد دعا فيه رسول الله ربّه سبحانه أن يوالي محبي مولاي علي وأن يعادي مبغضيه ، ودعاؤه مستجاب .
ثانيا : في صحيح مسلم وغيره عن مولانا علي قال : "وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النبي الأُمِّيّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَي : أَنْ لاَ يُحِبَّنِي إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضَنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ".
أي أن الله استجاب دعاء نبيه في الحديث الأول ، فأخبر عليا به ، وما دام محبه مؤمنا فهو حبيب الله ورسوله حتما، وما دام مبغضه منافقا ، فهو عدو الله الهالك لا محالة .
ثالثا : قال رجل لسلمان الفارسي عليه الرضوان: ما أشد حبك لعلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني.
أخرجه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
قلت : نكتفي بهذا القدر ، وليس بعد الحق إلا الضلال .
إلزامات لا مفرّ منها :
أولا : تفرد عبد الرزاق ومعمر برواية هذا الحديث ، فعدّه القوم منكرا أو موضوعا رغم صحة معناه وعدم اضطرابه .
لكنهم يصححون أسطورة لطم سيدنا موسى ملك الموت التي تفرد بها عبد الرزاق ومعمر أيضا ، وهي منكرة مناقضة للقرآن والسنة والعقل الديني ، ثم إنها مضطربة من جهة السند .
فهل هذا هو التحقيق والإنصاف ؟ أم الحيف والاعتساف ؟
ثانيا : زعموا أن إخفاء عبد الرزاق الحديث عن جمهرة تلامذته علامة على ضعفه ، لكنهم صححوا أكذوبة الربيع بن سبرة في تحريم المتعة عام الفتح ، وهي قصة أخفاها سبرة بن معبد عن الأمة كلها ، فخصّ بها ابنه الربيع حتى مات قبل سنة 60 للهجرة ، وأبقاها الربيع الكذاب في نفسه إلى أن أظهرها بعد سنة 99 للهجرة.
فأي الخبرين أولى بالتكذيب ؟
مع العلم بأن مضمون حديث ابن عباس مقرّر ، وراويه ابن عباس حبر الأمة ، والراوي عنه تابعي ثقة حجة مشهور ، خلافا لأكذوبة الربيع المضطربة سندا ومتنا ، المنكرة مضمونا ، المناقضة للوحي سنة وكتابا ، المجهولة عند الصحابة والتابعين كافة ، المروية من قبَل سبرة المجهول المشكوك في صحبته على الأقل ، المتفرد بها الربيع بن سبرة المجهول المغمور حاله حتى اشتهر بالأكذوبة .
والأمثلة على الأحاديث المنكرة حقا ، المصححة عند حفاظنا ومحدثينا بالمئات .
فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وفي الختام ، مولانا علي سيد في الدنيا والآخرة ، ومن والاه وأحبه دون أن يعادي إخوانه الصحابة المهاجرين والأنصار والاه الله ورسوله والمؤمنون ، ومن عاداه وأبغضه أبغضه وعاداه الله والرسول والمؤمنون ولو أحب الصحابة أجمعين ، فإنه بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.