بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . وبعد : فقد جاءني أحد الإخوة من جماعة العدل والإحسان ليناقشني ويحاورني في العديد من المسائل التي وردت في مقالي الأخيرين بخصوص جماعة العدل والإحسان ، فوافقت على ذلك وقلت : مرحبا بك في أي وقت ، ووجدته في الحقيقة نير الفكر كثير الإطلاع حسن الأسلوب والفهم ، واتفق معي في العديد من المسائل وكان حوارا مثمرا وناجحا بحيث استفدت منه واستفاد مني ، وطال الحوار بيني وبينه إلى أن وصل إلى قضية الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة ، وقلت له : ما يروج في كتب الجماعة هو كثرة الاحتجاج بالحديث الضعيف ، بل بالموضوع في بعض الأحيان ، فعارضني في ذلك وقال لي : يستحيل أن تجد في كتب الجماعة حديثا ضعيفا على أن تجده موضوعا ، فقلت له : هذا دلالة منك على أنك لا تقرأ كتب عبد السلام ياسين فإنه يكثر من ذكر الضعيف دون الإشارة إلى ضعفه أو التنبيه إليه ، وإن كنت تقرأ كتبه فربما تضع على عينيك عصابة حتى لا تقع على ما لا يفهم أو لا يصح ، وكذلك يفعل العديد من الإخوة أثناء قراءة كتب مرشدهم ، فإنهم يقرؤون كتبه على أساس أنه لا يخطئ أو لا يقول إلا حقا وإذا نبهتهم إلى مصيبة في الكتاب ( إما حديثية أو فقهية أو تاريخية أو تدليس ) يرجعون الخطأ إليك باعتبارك أنك لم تفهم المقصود ، أو أنك لست أهلا لقراءة الكتاب ، المهم أن الخطأ فيك وليس في الكتاب . لكن صديقي هذا لم يوافقني ولم يصدق بوجود الحديث الضعيف في كتب الأستاذ ياسين ، فوعدته أن أنشر في الموقع مقالا يحتوي على بعض الأحاديث الضعيفة التي ذكرها الأستاذ عبد السلام ياسين في كتبه ولم يشر على ضعفها كما جرت العادة عن العلماء . وأريد أولا أن أنبه إلى حقيقة لطالما نبه عليها علماؤنا الكرام ، وهي أن المحتجون بالضعيف والموضوع لا يخرجون من ثلاثة أقسام : القسم الأول : قسم يعلم أن الحديث المحتج به إما ضعيف أو موضوع ولم يحذر منه ولم يبين ضعفه أو وضعه ، وإنما تركه على حالته التي تلفظه بها حتى يظن الناس أن الحديث صحيح ، فإن هذا يأثم في ذلك ويدخل في وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" قال الإمام النووي [ تحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه ، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حالة ورايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " فرسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المحدث بذلك مشاركا لكاذبه في وضعه ، وقال ابن الصلاح [ اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه ] وقال الدارمي [ إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلا فحدث فأخاف أن يكون دخل في هذا الحديث ] وقال الدكتور عجاج الخطيب [ وكما أجمع العلماء على حرمة وضع الحديث أجمعوا على حرمة رواية الموضوعات من غير بيان وضعها وكذبها ولم يجوزوا رواية شيء منها سواء أكان في القصص والترغيب والترهيب والأحكام أم لم يكن لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" . القسم الثاني : قسم يعلم وضع الحديث فقام ببيانه وتوضيحه للناس والتنبيه عليه حتى يحذروا من روايته والأخذ به ، وهو مأجور من عند الله سبحانه ، إذ هو يدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب ، بل ما كان تميز الموضوع والضعيف من الحديث النبوي من أجل الفنون وأعظم العلوم إلا لأنه يدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب وينبه المقصرين في علم السنة على ما هو مكذوب ليجتنبوه ويحذروا من العمل به واعتقاد ما فيه ، ولا يكفي في ذلك عزو الحديث أو بيان مخرجه ومدرجه ، وإنما لابد من بيان درجته لكثرة المحتجين به . القسم الثالث : قسم لا يعلم بأن الحديث المذكور موضوع ونخاف أن يأثم في ذلك إذ هذا راجع إلى تقصيره في التمحيص عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للاحتجاج به وهو في مرتبة قد حاز من خلالها على ثقة الناس فكيف به يقول بحديث دون بدل أي جهد منه في معرفة رواته أو درجته أو تخريجه ، لأن في ذلك إساءة لجميع رواة الحديث واستهزاء بما عانوه من اجل التثبت في الحديث النبوي وما لاقوه من أهوال السفر والرحلة والصعاب من أجل التيقن من حديث واحد سمعوه فخافوا من نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون التأكد منه ، وما كانوا يبذلونه من جهد في سبيل صيانة هذه السنة المطهرة من كيد الكائدين وافتراء الكاذبين ، بل ما كانوا يحفظونه من الأحاديث الموضوعة حتى لا يأتي إنسان ويحتج بها من دون أدنى جهد في سبيل معرفتها ، روي أن الإمام أحمد رأى الإمام يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر بن ابان عن أنس ، فقال له : تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة ؟ فقال : رحمك الله يا ابا عبد الله أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها واعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتا ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك فأقول له : كذبت إنما هي عن معمر عن أبان عن ثابت . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي – قال همام أحسبه قال متعمدا – فليتبوأ مقعده من النار" (مسلم 7545 ) قال ابن قتيبة [ وهكذا روي عن الزبير أنه رواه وقال أراهم يزيدون فيه "متعمدا" والله ما سمعته قال "متعمدا[ وأقول : لا أفلح ذا يد خطت على رسول الله ما لم يقله يجتري ويفتري عليه حسبك فيه مقعدا من النار يقعده تساوى فيه مع قائل بوضع علمه وللناس لم يذكره حتى اجتلى للأفهام أنه صح ورسول الله بريء منه وقائل به لم يرد له بالا فأباحه للناس ولم يعلمه آثم فيه بلا أدنى ريب لإعلانه على المنابر ولم يسأل عنه وهذه بعض من الأحاديث الضعيفة التي جاء ذكرها في كتاب الإحسان الجزء الأول للأستاذ عبد السلام ياسين دون الإشارة إلى ضعفها : الحديث الأول : ( الإسلام علانية والإيمان في القلب ) 1/112-119 . حديث منكر : رواه البزار في الأحكام الشرعية الكبرى ( 1/76 ) عن أنس وتفرد به علي بن مسعدة ، ورواه ابن حبان في المجروحين ( 2/87 ) وفي إسناده علي بن مسعدة [ يخطئ على قلة روايته ويتفرد بما لا يتابع عليه فاستحق ترك الاحتجاج به لما لا يوافق الثقات من الأخيار ] ورواه ابن عدي في الكامل ( 6/353 ) وابن القيسراني في تذكرة الحفاظ ( 158 ) وفي الذخيرة ( 2/1079 ) وفي إسناده علي الباهلي [ قال فيه البخاري : في علي نظر ] ورواه ابن أبي شيبة في الإيمان [ وقال فيه الألباني : إسناده ضعيف ] وقال في السلسلة الضعيفة ( 6906 ) [ منكر [. الحديث الثاني : ( العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم ) 1/145 . حديث ضعيف ( موضوع ) : رواه أبو حاتم في العلل ( 3/151 ) وابن الجوزي في الموضوعات ( 1/430 ) والذهبي في ترتيب الموضوعات ( 70 ) وفي إسناده [ عمر بن حفص العبدي وهو متهم ] ورواه العراقي في ذيل الميزان ( 1/198 ) وفي إسناده حفص الأبري الكوفي [ قال فيه العراقي : حديثه غير محفوظ ] ورواه السخاوي في تخريج فضيلة العادلين ( 186 ) وإسناده لا يصح ، ورواه السيوطي في اللألئ ( 1/219 ) والشوكاني في الفوائد ( 288 ) قيل [ هو موضوع وفي إسناده مجهول ومتروك ] والألباني في ضعيف الجامع ( 3883 ) وهو ضعيف . الحديث الثالث : ( إن أغبط الناس عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة ) 1/145 . حديث ضعيف : رواه ابن عدي في الكامل ( 6/383 ) وفيه العلاء بن هلال وهو متهم ، ورواه ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ ( 1/530 ) وفيه العلاء قال فيه النسائي [ هذا منكر ولا أدري منه ولا من أبيه ] والذهبي في الميزان ( 3/106 ) وفي العلاء ، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه ( 4953 ) وفي ضعيف الجامع ( 1397 ) وقال السندي [ إسناده ضعيف لضعف أيوب بن سليمان قال فيه أبو حاتم : مجهول ، وفيه صدقة بن عبد الله متفق على تضعيفه [. الحديث الرابع : ( تكون الفتنة تستنطف العرب قتلاها في النار اللسان فيها أشد من السيف ) 1/151 . حديث ضعيف : رواه أبو داود في السنن ( 4265 ) وسكت عنه ، ورواه الترمذي في السنن ( 2178 وقال [ غريب ] وابن كثير في البداية ( 1/63 ) وأحمد في المسند ( 11/170 ) والألباني في ضعيف ابن ماجه ( 792 ) وقال [ ضعيف [. الحديث الخامس : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ) 1/152 . حديث ضعيف : رواه الرازي في العلل ( 3/429 ) وفي إسناده [ يعيش عن الزبير وبينهما مجهول ] ، ورواه الترمذي في السنن ( 2510 ) والبزار في البحر الزخار ( 6/192 ) وخالف موسى بم خلف في إسناده هشام الدستوائي وهشام أحفظ منه ، ورواه ابن عدي في الكامل ( 5/331 ) وفيه عبد الله بن عرادة [ عامة ما يرويه لا يتابع عليه ] وقال البخاري [ ابن عرادة منكر الحديث ] وأحمد في المسند ( 3/20 ) وضعفه أحمد شاكر . الحديث السادس : ( أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ) 1/177 . حديث ضعيف : رواه أبو نعيم في الحلية ( 3/245 ) وهو غريب لا يعرف متصلا ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد ( 4/381 ) وفيه أحمد بن رزقويه [ وهو غير معروف ] ورواه الذهبي في السير ( 9/582 ) وهو غريب ، ورواه في ميزان الاعتدال ( 2/432 ) وفيه عبد الله بن سليمان النوفلي [ فيه جهالة [. الحديث السابع : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) 1/191 . حديث ضعيف : رواه أبو داود في السنن ( 4599 ) وسكت عنه ورواه البزار في البحر الزخار ( 9/461 ) وفيه مجاهد [ ولم يسمع من أبي ذر ] والمنذري في الترغيب ( 4/85 ) وفي غسناده راو لم يسلم ، ورواه الذهبي في تلخيص العلل ( 259 ) وفيه يزيد بن أبي زياد [ وهو ضعيف ] والألباني في ضعيف أبي داود ( 4599 ) وقال فيه [ ضعيف ] ورواه ابن أبي شيبة في الإيمان ( 110 ) وفيه ليث بن أبي سليم ب وهو ضعيف . الحديث الثامن : ( قال الله عز وجل : إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم ) 1/265-266 . حديث ضعيف : رواه الذهبي في السير ( 1/252 ) تفرد به رشدين وهو ضعيف والهيثمي في الزوائد ( 1/63 ) وفيه رشدين بن سعد [ والأكثر على تضعيفه ] والألباني في السلسلة الضعيفة ( 5621 ) وهو ضعيف . الحديث التاسع : ( أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ) 1/277 . حديث منكر : رواه المنذري في الترغيب ( 2/329 ) والهيثمي في المجمع ( 10/78 ) وفيه دراج [ وقد ضعفه غير واحد ] والشوكاني في الفتح ( 12/5950 ) والألباني في السلسلة الضعيفة ( 7042 ) وقال [ منكر .[ وغير هذه الأحاديث الضعيفة كثيرة في الكتاب ولكن لم يسعفني الوقت لتخريجها كلها ، هذا واعلم أني قد رفعت عين التدقيق والتمحيص في العديد من الأسانيد المذكورة في الكتاب ، وإلا لكان كلها بين المنكر وشديد الضعف ، ولكن قلت أحفظ لصاحبي ماء وجهه فقد جزم بعدم وجود الضعيف في كتب الأستاذ عبد السلام ياسين ، ونحن بهذا لا نجزم بعدم العمل بها ففي الضعيف ما ضعف إسناده وصح متنه ، ولكن ننكر على الأستاذ غفر الله له عدم الإشارة بضعفها واكتفائه بعزوها لمصدرها فقط ، وهذا ليس من صنيع العلماء المحققين فقد كان صنيعهم رحمهم الله عزو الحديث والحكم على سنده . [email protected] http://[email protected]