لأسباب عديدة؛ يمكن القول أن مصر ستشهد خلال الفترة القادمة أوضاعا إعلامية جديدة ومغايرة لما هو سائد حاليا؛ بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الصحافة والاعلام الموحد، تمهيدا لرفعه الى مجلس النواب لاقراره، وهو قانون طرحت فكرته متذ سنوات وعملت لجنة مستقلة على إعداده تنفيذا لنصوص دستور 2014؛ والمتضمن موادا تنص على ضمانات لحرية الرأي والتعبير واستقلالية المؤسسات الصحفية والاعلامية. أول هذه الاسباب؛ أن القانون عكس إرادة وطموحات الجماعة الصحفية والاعلامية في مصر لمستقبل الاعلام وحدود علاقته بالدولة والمجتمع؛ وجاء حصيلة مناقشات حرة ومتأنية على مدى عامين؛ أجرتها تلك اللجنة مع خبراء القانون والاعلام والادارة؛ وممثلين عن مختلف المؤسسات الصحفية والاعلامية، وبعد إطلاع على تقييم جاد للتجارب الدولية الرائدة في مجال الاعلام، لاعداد قانون متوازن ينظم عمل وسائل الاعلام ويكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية في المجتمع، ويسهم في إعادة تنظيم قطاع الاعلام وفق قواعد الادارة الحديثة والمحاسبة. ثاني هذه الاسباب؛ أن القانون إستمد مواده من نصوص دستورية صريحة إعتبرها الكثيرين غير مسبوقة في أي وثيقة دستورية مصرية سابقة وتقدم رؤية شاملة تحافظ على ريادة الاعلام المصري؛ وأكدت على حرية الرأي والتعبير؛ وإنشاء مؤسسات مستقلة لادارة شئون الاعلام؛ وضمان إستقلالية التنظيمات النقابية، ومنها النقابات الصحفية والاعلامية، وهي "نقابة الصحفيين" و"نقابة الاعلاميين" التي وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تأسيسها، ومن المتوقع ان يتم عرض هذا المشروع على مجلس النواب قريبا لاقراره؛ إضافة الى ما قد يستجد من نقابات اعلامية أخرى. ففي مادته "72"، نص على "إلتزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها"؛ وهى المرة الأولى التى يلزم فيها الدستور الدولة بضمان إستقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها وحيادها وتعبيرها عن كل المصريين. وفي المادتين "212" و"213"، ينص الدستور على إنشاء هيئات إعلامية مستقلة لادارة شئون الاعلام والصحافة بعيدا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعن جميع الأحزاب، بما يتيح للاعلام القيام بدوره المنوط به، كمنبر للحوار الوطني الحر بين كل الآراء والاتجاهات. وفي المادة "77"، حرص الدستور على ضمان استقلالية التنظيمات النقابية ومنها نقابة الصحفيين؛ واختصاصها بطريقة قيد أعضائها ومساءلتهم فى ممارسة نشاطهم المهنى، وفقاً لمواثيق الشرف، وعدم جواز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهة الإدارية فى شؤونها، أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، وأخذ رأي التنظيم النقابي فى مشروعات القوانين المتعلقة به. ثالث هذه الاسباب؛ أن القانون تضمن مزايا وضمانات عديدة لحماية حرية الاعلام واستقلاليته؛ وإعادة تنظيم المهنة وتقنيين اوضاع الاعلام الرقمي...الخ؛ وضمانات مماثلة لإحترام مواثيق الشرف وتحقيق التوازن بين الحق في الرأي والتعبير وحق المجتمع في إعلام مهني ومحايد؛ وهو ما يتضح في الاتي: اولا: الغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر؛ بإستثناء جرائم السب والقذف وإزدراء الاديان؛ والغاء 11 مادة في قوانيين أخرى تخص حرية النشر والتعبير؛ لعدم وضوحها وتعارضها مع حق النقد الموضوعي؛ وحظر فصل الصحفيين، وحل النزاعات الصحفية عبر النقابة، واعتبار أي إجراء ضد الصحفي والاعلامي بالمخالفة لهذا القانون باطلة، اضافة الى ضمان الرعاية الصحية والاجتماعية للصحفيين والاعلاميين، وتجريم الاعتداء عليهم أثناء ممارسة عملهم، وضمان حريتهم الكاملة أثناء أداء مهامهم. ثانيا: الحرص على ضمان استقلالية المؤسسات الصحفية والاعلامية عبر تشكيل عدد من الهيئات المستقلة تتولى ادارة شئونها، وهي "المجلس الوطنى للاعلام"؛ ويختص بإدارة المنظومة الاعلامية الوطنية؛ و"الهيئة الوطنية للاعلام"؛ وتختص بإدارة الاعلام المرئي والمسموع؛ و"الهيئة الوطنية للصحافة"، وتختص بإدارة الاعلام المقروء والرقمي؛ إضافة الى إنشاء مجلس إدارة منتخب لكل مؤسسة مملوكة للدولة، وهو ما يعني رفع يد الدولة عن المؤسسات الاعلامية والصحفية العامة، وإدارتها ذاتيا تحت رقابة مؤسسات منتخبة. وحرص القانون كذلك على التجديد المستمر لمجالس ادارة تلك المؤسسات؛ بإشتراطه ألا تزيد مدة المجلس عن ثلاثة سنوات، وعدم جواز اعادة الانتخاب والتعيين للعضو الا لمرة واحد، كما الغى الديون المستحقة للحكومة على المؤسسات الصحفية، والتي كانت تمثل عبئا ماليا كبيرا عليها. وللهدف ذاته؛ راعى القانون ان يكون تشكيل المؤسسات الاعلامية الوطنية الثلاث متوازنا ويحقق تمثيلا لكافة أطراف العملية الاعلامية والمجتمع. وفي هذا الاطار نص القانون على تشكيل "المجلس الوطني للإعلام"، من خمسة عشر عضوا، منهم عضوين يختارهما رئيس الجمهورية؛ وعضوين يختارهما مجلس النواب من غير اعضائه، وثلاثة أعضاء من الصحفيين ذوي الخبرة يختارهم مجلس "نقابة الصحفيين" من غير أعضائه، وثلاثة أعضاء من الإعلاميين يختارهم مجلس "نقابة الاعلاميين"، ومستشار عن "مجلس الدولة" يختاره المجلس؛ وعضو عن "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"، وممثل للرأي العام يختاره مجلس إدارة "اتحاد كتاب مصر" من غير أعضائه، وأستاذ للصحافة وآخر من أساتذة الإذاعة والتليفزيون يختارهما "المجلس الأعلي للجامعات". وبالنسبة ل "الهيئة الوطنية للإعلام"، نص القانون على تشكيلها من خمسة عشر عضوا أيضا؛ منهم عضو عن "مجلس الدولة"، وأخر عن "وزارة المالية"، وعضو عن "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"، واستاذ للاعلام يختاره "المجلس الاعلى للجامعات"، وعضو يختاره "الاتحاد العام للنقابات الفنية" من غير اعضائه، وعضو يختاره مجلس "نقابة الصحفيين" من غير اعضائه، واربعة اعضاء يرشحهم مجلس "نقابة الاعلاميين"، اثنان منهم على الاقل من الاعلاميين في وسائل الاعلام المملوكة للدولة، وثلاثة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية، وثلاثة أعضاء يختارهم "مجلس النواب" من غير أعضائه. ونص القانون على ان يكون لكل مؤسسة إعلامية عامة مجلس ادارة يكون هو السلطة المهيمنة علي شئونها، ويصدر قرار بتشكيله من "الهيئة الوطنية للإعلام"، ويتشكل هذا المجلس من ستة أعضاء منتخبين، وأربعة أعضاء تختارهم الهيئة؛ إثنان منهم من الاعلاميين العاملين بالمؤسسة. وبشأن "الهيئة الوطنية للصحافة"؛ نص القانون على عدم جواز عزل أعضاء الهيئة من عضويتها طوال مدة عضويتهم؛ وهي ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحد فقط؛ لضمان الاستقلالية التامة للهيئة، على أن تتشكل من ثلاثة عشر عضوًا، منهم عضوين يختارهما رئيس الجمهورية، وعضوين يختارهما "مجلس النواب" من غير أعضائه، وأربعة أعضاء من الصحفيين ذوي الخبرة ممثلين للصحف، وعضوين من العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية؛ واثنان من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يختارهمها "المجلس الاعلى للجامعات"، وممثل لمنظمات المجتمع المدني المهتمة بشئون الصحافة، يختاره "المجلس القومي لحقوق الانسان" من غير أعضائه. ثالثا: وضع ضوابط وشروط موضوعية لمنح تراخيص القناة التليفزيونية والاذاعية وشروط الإخطار لإصدار الصحيفة، وتنظيم عمل المواقع الإلكترونية، باشتراطه لحصولها على الترخيص، صدورها عن مؤسسة إعلامية برأسمال لا يقل عن نصف مليون جنيه؛ "نحو 56 الف دولار". رابعا: وضع ضوابط لتنظيم المهنة واحترام مواثيق الشرف، وتجريم بث او نشر الدعوات العنصرية وامتهان الاديان والتعرض للحياة الخاصة للمواطنين، وحظر قبول الصحفي والإعلامي تبرعات او إعانات أو مزايا خاصة بسبب عمله، وعدم جواز عمله في جلب الاعلانات، وفي حالة المخالفة تختص النقابات الصحفية والإعلامية بمحاسبة أعضائها. *رئيس المكتب الاعلامي المصري بالرباط