اقتربت سفينة الائتلاف الحكومي من مرفأ نهاية ولايتها، بعد انقضاء خمس سنوات إلا أياما قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات المقبلة، ما سيحتم على الأحزاب الثلاثة مغادرة سفينة "البيجيدي" نحو آفاق جديدة، اختلفت بين من اختار البقاء بجانب "الربان بنكيران"، كما هو الشأن بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، وآخر قرر خوض تجربة مغايرة لتجربة الإسلاميين، كما عبر عن ذلك "زعيم الأحرار". خلال أول تجربة للإسلاميين في الحكم، في أول حكومة بعد دستور 2011، واجهت قيادة "البيجيدي" صعوبات في الحفاظ على التماسك الحكومي، خاصة في النسخة الثانية بعد انسحاب حزب الاستقلال وانضمام حزب التجمع الوطني للأحرار لإنقاذ حكومة بنكيران من شبح انتخابات سابقة لأوانها. حبال الود بين مكونات الائتلاف الرباعي لم تكن متساوية، ففي الوقت الذي طالت بين قيادة "البيجيدي" ورفاق نبيل بن عبد الله، بدليل المواقف الإيجابية للطرفين معا، فإن ما يجمع بين حزب الأحرار والحزب القائد للائتلاف هي حبال الاحتياط فقط، بعد أن انقطعت حبال الود في أعقاب تصريحات مزوار النارية بشأن الحزب الإسلامي. "زعيم الأحرار" وجه انتقادات ضمنية ل"إخوان بنكيران"، في كلمته خلال انعقاد المجلس الوطني لحزبه، مفادها محاولة جهات لم يسمها الهيمنة على المشهد السياسي، ومحاولة التحكم في القرار الحزبي المستقل، ما اعتبر إشارة قوية إلى تحليق "الحمامة" خارج سرب التحالف الحكومي. هذا في الوقت الذي عبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بن عبد الله، عن ارتياح مكونات حزبه من التحالف مع "إخوان بنكيران"، معتبرا أن "أسباب اصطفاف حزبه إلى جانب حزب العدالة والتنمية لازالت قائمة". وأضاف زعيم "حزب الكتاب"، خلال اللقاء التشاوري الذي جمعه بقيادات حزب العدالة والتنمية، أن "ما يجمع الحزبين هو الصدق في التعاون والتشبث بالقيم الأصلية، ما يؤشر بما لا يدع مجالا للشك على موصلة الإخوان والرفاق الطريق معا"، حسب تعبيره. وفي لقاء تشاوري آخر، هبت فيه رياح نهاية الفصل الحكومي لتميل معها "السنبلة" في اتجاه معسكر "البيجيدي"، إذ خرج حزب الحركة الشعبية، رابع أضلاع الائتلاف الحكومي، عن صمته معلنا "مواصلته التحالف مع الحزب الذي يقود الحكومة إلى مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة". مؤشرات بقاء "الحركيين" على متن "سفينة بنكيران" باتت واضحة في كلام امحند العنصر، الأمين العام للحزب، الذي صرح في لقاء تشاوري مع نظيره الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بأن "الأسباب التي جعلت الحزب يدخل إلى الأغلبية لازالت قائمة"، مضيفا أنه "لا يوجد هناك سبب يدفع الحركة الشعبية إلى تغيير موقفه الرامي إلى ضرورة المشاركة في الإصلاح الذي يخدم المملكة". الخاسرون والرابحون تقييم تجارب الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحكومي يمر حتما عبر المرور من بوابة النسخة الأولى لحكومة بنكيران، حسب بن يونس المرزوقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة، الذي أوضح أن مشاركة حزب التجمع الوطني للأحرار في الحكومة "لم تكن ثمرة قناعة حزبية داخلية، بل جاءت ل"اقتناص" لحظة من لحظات الأزمة الحكومية وملء الفراغ" . "بالنسبة للأحرار، فهم الحلقة الأضعف ضمن رباعي الأغلبية، وطموحهم كان أكثر من إمكانياتهم، فلم يدعموا التجربة ولم يكونوا ضدها"، يقول المرزوقي، الذي أكد في تصريح لهسبريس أن "التجمعيين أقرب إلى مغادرة السفينة الحكومية". وبخصوص تجربة "الإسلاميين" في إدارة دفة الحكومة، قال المرزوقي إن "حزب رئيس الحكومة ذا المرجعية الإسلامية نجح في كسب الرهان من خلال التعايش مع حزب ذي مرجعية اشتراكية، وأعطى رسائل قوية للجميع بأنه حزب منفتح، ما يمثل تجربة فريدة لن نجد لها مثيل في الدول العربية والإسلامية"، حسب تعبيره. وحول موقع الحزبين الآخرين، أوضح المرزوقي أن "التقدم والاشتراكية كسب بدوره الرهان، انطلاقا من تحسن نتائجه في الانتخابات، ما سيجعله أقرب إلى مواصلة الرحلة مع حزب العدالة والتنمية"، فيما أشار إلى أن حزب الحركة الشعبية "فقد كثيرا من قيمته، إضافة إلى المشاكل الداخلية التي يتخبط فيها، ما سيدفعه أكثر إلى البحث عن تجربة جديدة". نجاح العدالة والتنمية تقييم التجربة التي بصمت عليها الأحزاب الأربعة داخل الائتلاف الحكومي يبدو إيجابيا في وجهة نظر عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية، الذي أوضح أن التجربة "مكسب لكافة الفاعلين السياسيين الحزبيين، بعد ما دُفعوا إلى بناء خطاب نسبي وتعويض ما هو إيديولوجي ببناء أرضية مشتركة تكون هي الحد الأدنى الذي يجمع الفاعلين الحكوميين". وتابع قراقي، في تصريح لهسبريس، بأن "ما يمكن إدخاله أيضا في خانة الخلاصات الإيجابية لهذه الحكومة هو حدوث نوع من التآلف والتقارب على مستوى وجهات النظر، ما دفع عددا من الأحزاب داخل الائتلاف إلى التعبير عن مواصلتها في هذا التحالف حتى بعد الانتخابات"، في إشارة إلى رغبة قيادات حزبي "PPS" و"PJD" في الحفاظ على تحالفهما. ورغم خروج حزب الاستقلال في النسخة الأولى من الحكومة، إلا أن حزب العدالة والتنمية تمكن، حسب المحلل السياسي ذاته، "من تدبير الائتلاف الحكومي وتجنب سيناريو انتخابات سابقة لأوانها، كان من شأنها أن تؤشر على فشل "إخوان بنكيران" في أول تجربة لهم في السلطة"، مضيفا أن حزب رئيس الحكومة "اكتسب تجربة وطور مهارات جعلته يسير بهذا الائتلاف إلى بر الأمان". "الأحزاب السياسية التي اشتغلت إلى جانب العدالة والتنمية تدرك أهمية هذا الحزب في المعادلة الحزبية والسياسية"، يقول قراقي، الذي أوضح أنه "في ظل نظام سياسي لا يتيح الهيمنة لحزب وحيد فإن الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي تفضل الاستمرار مع "البيجيدي"، خاصة في ظل تطوير نخبها السياسية لأرضية مشتركة يمكن العمل على تطويرها مستقبلا". * صحافي متدرب