وأخيرا تم الإفراج الفعلي والفوري والحقيقي هذه المرة عن المعتقلين السياسيين الستة المعروفين إعلاميا في إطار ما يسمى بقضية "بلعيرج" الموقوفين بنص مقتضيات قانون الإرهاب المشؤوم. المعتقلون المسالمون الذين تكاد تشهد الأمة المغربية برمتها عن وداعتهم وعن أفكارهم الحداثية المعلومة والمعلنة وعن قناعاتهم المنفتحة على كل التيارات حتى مع من يختلفون جذريا مع قناعتهم من السياسيين اليساريين بما فيهم الراديكاليين. ما علينا، فاليوم هناك إفراج مفاجئ على هؤلاء بعد ثلاث سنوات من الظلم الفادح على أبرياء رغم مختلف التحركات الحقوقية للدفاع عن قضيتهم العادلة داخليا وخارجيا، وبعد مختلف الخروقات التي تعرضوا لها، وغياب أبسط شروط المحاكمة العادلة وعلى رأسها اطلاع الدفاع على نسخ من محضر المتابعة الذي ظل حكرا وصكا سريا لاتهام هؤلاء، وبالتالي الحكم عليهم بعشرات السنين بأحكام شكلت العار في زمن الحديث عن المفهوم الجديد للسلطة وعن مدونة الأسرة التقدمية وعن انخراط المغرب في نادي الدول الديمقراطية وفي زمن المصالحة وهلم جرا من الشعارات البراقة لمغرب جميل مرسوم مثل لوحة "الموناليزا"، المزورة في درب غلف طبعا. فاليوم وإذ يسجل العديد من الحقوقيين والمهتمين بشكل إيجابي خطوة الإفراج هاته عن العديد من المعتقلين ودورها السليم في إمكانية الحديث عن المستقبل الزاهر في فصل الربيع هذا وعن دستور ديمقراطي حداثي وتقدمي، فإنه في المقابل لازالت جملة أسئلة مظنية تفرض شقاوتها وبؤسها حد الألم في وجه كل من يزال يملك حسا ونصف عقل في هذا البلد الأمين من قبيل: أيعقل أن يحكم قضاؤنا على مواطنين تكاد تشهد بحسن سيرتهم الأجنة في بطون المغربيات بالسجن بعشرات السنين توازي الأحكام التي نطقت بها في حق "مجينينة" و "حنفوزة" وسفاح تارودانت و نينجا مراكش وسفاح الفتيات بالبيضاء، وبما نطق به على أشهر المجرمين وبعد ثلاث سنوات يطلق سراحهم هكذا دون مقدمات؟ ثم كيف يعقل أن يخسر المغرب الملايير من الدراهم من أموال الشعب الكادح والفقير في إطار المصالحة الأولى التي قامت بها اللجنة الوطنية المستقلة لتعويض ضحايا الاختطاف والاعتقال التعسفي بأزيد من تسعين مليار سنتيم، قبل أن تعاد التجربة للمرة الثانية وبعشرات الملايير في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة بقيادة الحقوقي المرحوم ادريس بنزكري الذي أسر لحظات احتضاره لأقرب أصدقائه أن مغرب احترام حقوق الإنسان لايزال بعيد المدى ويحتاج معارك طويلة، وتستمر ذات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والغريب أنها تتم في أجواء المصالحة التي تخوضها البلاد بكل شجاعة؟. بعد هذا الإفراج الجزئي وفي انتظار معالجة ملف المظلومين من سجناء السلفية "الجهادية"، على المغرب أن يفتح هذا الملف الجديد، بلجنة من الحاضر لملف خروقات الحاضر التي طرأت بعد سنة 2003 سنة تفجيرات البيضاء، و ليس بهيئة الإنصاف والمصالحة هذه المرة ولكن بهيئة الحقيقة والاقتصاص، بهيئة الحقيقة الكاملة والاقتصاص العادل من كل المسؤولين عن هذه الانتهاكت الجسيمة الجديدة، عن طريق جر كل المتورطين إلى العقاب الذي سيكون بالنسبة للضحايا وللدولة وللأمة المغربية عامة، خير جبر للضرر الذي قد يحصن البلاد من هذا التلاعب الخطير بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا. المغاربة ليسوا دميات تلعبون بهم داخل أقفاص السجون، فتتسلون بالحكم عليهم بعقود من السجن، و بعد سنوات من التنكيل والتعذيب يرمى بهم خارج أسوار السجن وأمام عدسات الكاميرات لتسجل على حساب كرامتهم، الذكرى الجديدة والمرحلة الجديدة والمصالحة الجديدة والعهد الجديد لكن دائما في دولة قديمة، فإما أن نقطع مع ممارسات الماضي بالمحاسبة الحقيقية وعدم الإفلات من العقاب أو نستمر في هذا الاستثناء المغربي، حيث تعايش المصالحة والمسالخة جنبا إلى جنب. *صحافي بالشروق