"الربعين دخلات"..لازمة تتكرر بشكل سنوي مع اقتراب شهر رمضان من كل عام، والمقصود بها ضرورة اجتناب المشروبات الكحولية لمدة أربعين يوما قبل الشهر الكريم، بمبرر مجهول السند، يقول إن الكحول تظل في جسم الإنسان لمدة أربعين يوما؛ وبالتالي لكي يكون الصوم صحيحا، يجب أن يكون الجسم خاليا من أي شيء يبطل الصيام. النقاش في هذا الموضوع تكرر إلى أن أفضى إلى قاعدة مسلمة لا تحتمل الجدال، بل إن البعض يربطونها بالإيمان والكفر، مع استحالة النقاش في مدى صحة البراهين والأدلة التي يقدمونها، أو التشكيك فيها. موقف الإسلام من "الربعين" "الفكرة موروث شعبي أكثر منها حكم شرعي أو ديني"، هذا ما أكده الداعية الإسلامي عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، موضحا أن الموضوع الذي يثار ما هو إلا محاولة من البعض لإثارة الانتباه وشغل الرأي العام بمواضيع ثانوية تم تجاوزها شرعا ومجتمعيا. واعتبر أبو حفص الأمر برمته "خرافات لا أصل لها لا في الدين ولا في الشريعة"، وأن "تحريم شرب الخمر هو تحريم عام طوال السنة، ولا يرتبط بشهر رمضان أو بغيره". واسترسل المتحدث بأن شرب الخمر لا يؤثر على صيام صاحبه، سواء استهلكه بيوم أو أربعين يوما قبل رمضان، فلا فرق في ذلك ما دام أن الخمر محرم بشكل عام، مضيفا: "كما أن النقاش في مدى شرعية الخمر في الإسلام من وجهة نظري أصبح متجاوزا". وساتدل بكون إباحة الأمور من تحريمها مرتبط بما يترتب عنها: ''لقد أجمع العديد من العلماء، حتى من غير المسلمين، على أن أضرار استهلاك الخمور تفوق مصالحها، وهو ما ورد في الآية الكريمة: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا، وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ، كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ"، 219 من سورة البقرة". "مبرر خاطئ" "الربعين" استمدت تسميتها من القول السائد بأن الخمر يظل في جسم الإنسان حوالي أربعين يوميا بعد شربه، وهو طرح غير صحيح حسب الدكتورة بن عبدالله شهرزاد، المتخصصة في التحليلات الطبية، والتي أكدت لهسبريس أن الخمر لا يحتاج إلى هذه المدة ليزول من دم الإنسان. وأوردت الطبيبة ذاتها بأن الأمر يحتاج فقط ما بين 5 إلى 7 ساعات لتتم تصفيته من الدم، وحتى ولو شرب الشخص كمية جد كبيرة منه، فلن تتجاوز مدة تصفية الدم منه 24 ساعة كأقصى تقدير، و"لا يمكن أن يظل 40 يوما بأي حال من الأحول"، حسب تعبيرها. وحول ما إذا كان الناس يقبلون في الفترة ما قبل شهر رمضان على إجراء تحليلات طبية تخص هذا الغرض، أكدت شهرزاد أن هذا الأمر نادر الحدوث. نفاق اجتماعي ويعتبر المغرب من بين أبرز البلدان المستهلكة للخمور، إذ يستهلك المغاربة الخمر أكثر من الحليب، كما أن المغرب يعد أول بلد عربي من ناحية إنتاج المشروبات الخمرية؛ إلا أن النقاش المتجدد حول تحريم الخمر قطعا 40 يوما قبل رمضان، ولا حرج في باقي الأيام، يجعل الأمر في غاية السكيزوفرينية الاجتماعية. رشيد الجرموني اعتبر الأمر نفاقا اجتماعيا، "هناك العديد من الأفكار أو التقاليد المتوارثة يحاولون من خلالها التعامل مع هذه القضية بنوع من الانتهازية، فهناك من يستهلك الخمر ويعرف أنه محرم، لكن حينما يقترب رمضان، وخلال "الأربعين"، يستجيب للتقاليد ويوقف شربه". "هي تقاليد غير عقلانية نهائيا وغير مثبتة لا علميا ولا دينيا، بحسب الباحث في علم الاجتماع، قبل أن يضيف بأن المغاربة يبدعون في هذه التقاليد، ما يخلق نوعا من التقديس الذي يزيد عن حده". الجرموني ختم تصريحه لهسبريس بأن التداخل الحاصل بين ما هو ديني وما هو نابع من التقاليد يرتبط بالأساس بالتنشئة التي تخلق نوعا من الضبابية والسكيزوفرينة في التعامل مع الدين" وفق تعبيره. *صحافي متدرب