يبدو مستقبل بلدة بيت فجار الفلسطينية مظلما بعدما أجبر الجيش الإسرائيلي أهلها على إغلاق نحو ثلاثين مقلعا للحجارة في المنطقة، مبددا 3500 فرصة عمل، ومصيبا الصناعة المحلية السائدة بالشلل. ويقول مالكو المحاجر ومحاميهم إن المداهمات التي قام بها المئات من أفراد الجيش الإسرائيلي في 21 مارس، ومصادرتهم معدات بقيمة ملايين الدولارات، يعد عقابا جماعيا، حيث نفذت المداهمات بعد أربعة أيام من قيام اثنين من سكان البلدة بطعن جندي إسرائيلي وإصابته بجروح. كما يسلط مصير المحاجر الضوء على سياسة إسرائيل في محاباتها شركات المستوطنات اليهودية في الضفة الغربيةالمحتلة على حساب مثيلاتها الفلسطينية، وفقا لتقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". ولم تصدر السلطات الإسرائيلية تراخيص جديدة للمقالع التي يديرها فلسطينيون منذ عام 1994، في الوقت الذي منحت فيه تصاريح عمل لأحد عشر محجرا يديرها إسرائيليون في المنطقة، وفقا للمنظمة. وتنتج المحاجر التي يديرها إسرائيليون 25% من الحجارة لتضخ في اقتصاد إسرائيل والمستوطنات، ويعد استغلال إسرائيل للموارد الطبيعية في المناطق المحتلة خرقا لإلتزامات إسرائيل كسلطة احتلال، وفقا لتقرير "هيومن رايتس ووتش". وقال صبحي ثوابته، رئيس مجلس إدارة اتحاد صناعة الحجر والرخام في فلسطين، "أعتقد أن إسرائيل تريد توجيه ضربة للاقتصاد الفلسطيني، هذا جزء من الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين، يريدون منا التخلي عن أرضنا ليملؤوها بالمستوطنين الإسرائيليين". ونفى مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، الهيئة العسكرية الإسرائيلية التي تتعامل مع الشؤون المدنية الفلسطينية، الاتهامات الواردة في تقرير "HRW"، وقال في بيان إنه أقر مخطط أربعة مقالع فلسطينية تسعى إلى الحصول على تصريحات مؤقتة في أماكن أخرى بالضفة الغربية. وأضاف أن محاجر بيت فجار تعمل منذ سنوات بصورة غير قانونية، وأنها تشكل خطرا على السلامة العامة والبيئة، وأن ملاكها "للأسف" لم يتخذوا الخطوات الصحيحة لتقنين محاجرهم. وقال روني سلمان، وهو محامي يمثل أصحاب المحاجر الفلسطينية، إنه يعتقد أن المداهمات ترقى إلى "عقوبات جماعية لأهالي قرية بيت فجار"، وجاءت ردا على الهجوم الذي نفذه اثنان من أهالي القرية. وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن مداهمة سابقة للجيش على المحاجر جاءت بعد ثلاثة أيام من قيام أحد سكان بيت فجار بقتل امرأة إسرائيلية في هجوم بالضفة الغربية في نوفمبر من السنة الماضية. وردا على سؤال حول التوقيت، كتب "مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" أن المداهمات نفذت حالما أتيحت الموارد و"حسب الأولوية." وقال أصحاب المحاجر إن القوات صادرت المعدات في الماضي، ولكن تمت إعادة المعدات الثقيلة بعد دفع غرامات باهظة، هذه المرة كان لإسرائيل مطالب أكثر صرامة. وقال في رسالة إلى "هيومن رايتس ووتش" إن على أصحاب المحاجر التعهد ب"وقف العمليات غير المشروعة"، سيكون عليهم أيضا تعويض الجيش لتغطية تكاليف مصادرة المعدات ودفع حق امتياز بأثر رجعي لاستخراج الحجارة. وقال المحامي سلمان إنه يحاول إقناع أصحاب المحاجر بالاستئناف أمام المحكمة العليا في إسرائيل في محاولة لتحدي سياسة إسرائيل العامة. يكمن وراء النزاع تقسيم معقد للضفة الغربية إلى نطاقات قضائية، وهو إرث من المفاوضات الفاشلة بشأن إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، بما في ذلك الضفة الغربية. وتحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على أكثر من 60 بالمائة من الضفة الغربية المعروفة باسم "المنطقة ج"، والتي تضم العشرات من المستوطنات الإسرائيلية مع نحو 370 ألفا من السكان، ما تبقى من الأراضي، حيث يعيش معظم الفلسطينيين، يقع تحت درجات متفاوتة من الحكم الذاتي الفلسطيني. بيت فجار، بالقرب من مدينة بيت لحم، تقع في منطقة الحكم الذاتي، ولكن المحاجر في المنطقة ج. تجادل إسرائيل بأنها موجودة على أراضي الدولة، وهي تسمية يقول منتقدون إنها تستخدم بشكل روتيني لمصادرة الأراضي من الفلسطينيين. ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن ثلاثة من أصحاب المحاجر الفلسطينيين قولهم إنهم حاولوا، مرارا وتكرارا، إثبات ملكية الأرض ولكن تم الرفض، وقال أصحاب المحاجر أيضا إنهم طلبوا، مرارا، الحصول على تراخيص ولكن قوبلوا بالتجاهل أو الرفض. "هذه أرضنا، هذه قريتنا، ليست في إسرائيل"، يقول صاحب المحجر عبد المعين الطويل، هذا الأسبوع، بعدما رأى مصادرة جرافتين وغيرها من المعدات الثقيلة. المحاجر ومصانع الحجارة هي الأساس الاقتصادي لبيت فجار، ويعمل بها نحو 3500 شخص، وتنتج ما قيمته 25 مليون دولار في السنة. قالت ساري باشي، مديرة قسم إسرائيل وفلسطين في "هيومان رايتس ووتش، إن أحدث التدابير تنافي تأكيدات الجيش الأخيرة بتسهيل التنمية الاقتصادية الفلسطينية. وأضافت: "بدلا من ذلك يخنق صناعة يديرها الفلسطينيون في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه يعزز الصناعة نفسها في المستوطنات الإسرائيلية".