بعدما استفحلت، في الآونة الأخيرة، ظاهرة التجارة غير المهيكلة في أغلب المدن إن لم تكن جميعها، لجأت المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتنسيق وشراكات مع مؤسسات وهيئات مختلفة، إلى إنشاء أسواق نموذجية لاحتواء الباعة المتجولين. وفي وقت تمكنت بعض المدن من إنجاح تلك المشاريع، لازالت مدن عديدة، ومن بينها مدينة خريبكة، غير قادرة على بلوغ المراد من الأسواق النموذجية، رغم إنشائها وتهيئتها بعدد من الأحياء السكنية. أسواق طالها الخراب من بين المشاريع التي شُيّدت بمدينة خريبكة سوق نموذجي بالحي السكني الفتح، كان الهدف منه تنظيم الباعة المتجولين وتمكينهم من محلات تجارية، تغنيهم عن مواصلة تجولهم في أزقة وشوارع المدينة، واحتلال الملك العمومي بعدد من الأحياء السكنية، مثل البريك والأمل والقدس، غير أن كل الأهداف التنظيمية والتجارية للمشروع بقيت حبرا على ورق، ولم يتحقق منها شيء إلى حدود الساعة. ولم يقتصر الأمر على توقّف المشروع في المراحل النهائية من إنجازه، وعدم التحاق الباعة المتجولين به، بل عرف السوق النموذجي "الفتح"، الواقع على بعد خطوات قليلة من إحدى الملحقات الإدارية بخريبكة، إهمالا كبيرا منذ انتهاء الأشغال به، إذ تحطّم بابه الرئيسي أمام أنظار الجميع، وتمزقت أسقفه البلاستيكية، وتحولت مرافقه إلى مراحيض مفتوحة في وجه المارة والمتسكعين. ومع مرور الوقت، وبعدما صار السوق النموذجي مستباحا من طرف الجميع، صار المرفق العمومي ذاته مرتعا للمتشردين، وفضاء ملائما لقضاء الليالي الحمراء من طرف معاقري الخمور ومتناولي باقي أنواع الممنوعات، في وقت تعرف الأحياء السكنية احتلالا كبيرا للملك العمومي من طرف باعة متجولين، من المفروض أن يشغلوا السوق النموذجي الذي صُرفت عليه ميزانيات من المال العام. أما السوق النموذجي الواقع بحي النهضة، بالقرب من أحد الأسواق الممتازة، فقد عرف، منذ انطلاقة أشغال البناء والتهيئة، مشاكل عديدة بين الباعة المتجولين من جهة، والسلطات المحلية والمجلس الجماعي من جهة ثانية، إذ فرض "الفرّاشة" بشارع مولاي ادريس وسط مدينة خريبكة شروطا للالتحاق بالفضاء التجاري، من ضمنها تسقيفه بشكل يقيهم حرارة الشمس وقطرات المطر، وإنشاء أماكن مغلقة لحفظ سلعهم داخل السوق، وتزويده بالماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي. السلطات والباعة المتجولون في وقت يرفض الباعة المتجولون، إلى حدود الساعة، الانتقال إلى الأسواق النموذجية، أكّد محمد أمغار، الكاتب الإقليمي لنقابة التجار والمهنيين بخريبكة، أن "المشكل لا يكمن في نجاح أو فشل تلك المشاريع، بل إن السبب الرئيسي للمشكل يتمثل في عدم رغبة السلطات في إنجاح مشاريع الأسواق النموذجية، مشيرا إلى أن "مافيات" تسيطر على الشوارع والأزقة وتسترزق منها، وأن بعض الأطراف تستفيد من انتشار الباعة المتجولين، وليس في صالحها تنظيم التجارة". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن سوقا يقع قرب إعدادية المسيرة طاله الخراب بدوره، وآخر بحي البيوت أزيل بعدما لم يتحقق الهدف من تشييده، ومحلات تجارية نموذجية أخرى كانت تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، وتكلفت بها غرفة التجارة والصناعة والخدمات، إذ تم إصلاحها من أجل تسييرها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومشروع "رواج"، قبل أن تتركها السلطات عرضة للخراب"، مطالبا بضرورة إيجاد حلول ناجعة للتجارة غير المهيكلة، والبحث عن البديل من أجل تنظيم الباعة المتجولين وعدم دفعهم إلى حرق أجسادهم. وعن السوق النموذجي بحي النهضة، أشار أمغار إلى أن وعودا كثيرة قُدمت للمعنيين بالأمر، إذ يتم تحديد 3 أو 6 أشهر لإعطاء انطلاقة العمل الفعلي داخل المرفق، دون أن يتحقق ذلك إلى حدود الساعة، مضيفا أن "تجارة قارعة الطريق تُستغل من طرف طبقة تنشط بشكل كبير قبيل الانتخابات بمدينة خريبكة التي وصفها ب"المشلولة"، مطالبا في الوقت ذاته بضرورة إيفاد لجنة من وزارة الداخلية للبحث في أسباب عدم انطلاق الأسواق النموذجية التي صًرفت عليها أموال كبيرة، وتقع في مواقع إستراتيجية مهمة في المجال الحضري". موقف باعة متجوّلين سعيد الشعفي، رئيس جمعية 21 غشت للسوق لقديم، أكّد في تصريح لهسبريس أن أسباب فشل مشروع السوق النموذجي بحي النهضة تتمثل في غياب الحوار والمقاربة التشاركية بين الجهة المسؤولة عن الملف والأخرى المعنية بالأمر، وعدم أخذ ملاحظات واقتراحات المعنيين بعين الاعتبار لحل المشكل، وتملص عدة جهات من المسؤولية وعدم اهتمامها بالموضوع، مشيرا إلى أن الباعة المتجولين راضون عن المشروع في إطاره العام، لكنهم يرفضونه من الناحية التقنية التي وُضع بها. وعن الجوانب التقنية المرفوضة من طرف الباعة المتجولين، أشار الشعفي إلى أن ألواح الصفيح المستعملة في أسقف السوق لا تتناسب مع طبيعة مدينة خريبكة المتّسمة بارتفاع درجة الحرارة، خاصة في فصل الصيف، مؤكّدا أن ربط المحلات بشبكة الكهرباء، مع وجود أسقف صفيحية، من شأنه تعريض قاصدي السوق لأخطار الصعق الكهربائي. وبعد أن أكّد المتحدث ذاته أن أرضية السوق غير مستوية بالشكل المطلوب، شدّد الشعفي، في سياق آخر، على أن الباعة المتجولين يجهلون الجهة المسؤولة عن الملف من أجل محاورتها بشكل مباشر، من أجل مساهمة مختلف الأطرف في إنجاح المشروع الذي من المفروض أن يتناسب مع توجيهات ملك البلاد، الداعي إلى الرقي بوضعية الباعة، وتوفير فضاءات تجارية ذات جودة. موقف المجلس البلدي وفي وقت رفض رئيس المجلس البلدي الإدلاء بتوضيحات حول الموضوع، بحجة انشغاله بأمور أكثر أهمية من الأسواق النموذجية، أوضحت ربيعة اطنينشي، نائبة الرئيس ذاته، أن السوق النموذجي بحي القدس يشتغل كل يوم جمعة، وإن كان المفروض عمله طيلة الأسبوع؛ فيما يبقى السبب الرئيسي من عدم نجاح المرفق بحي الفتح هو عدم رغبة الباعة في ولوجه، وتشبثهم بممارسة تجارتهم وسط المدينة، مشيرة إلى أن المصالح الجماعية تفكر في إعادة تأهيل السوق وإدماج الباعة فيه. وعن السوق النموذجي المشيد ب260 مليون سنتيم بحي النهضة، أوضحت المتحدثة أن السلطات قامت بإحصاء الباعة المتجولين الذين التأموا في إطار حوالي 3 جمعيات، إذ بلغ عددهم حوالي 500 شخص، عبّروا عن استعدادهم للانتقال إلى السوق النموذجي، شريطة استجابته لبعض الشروط، مؤكّدة أن المجلس البلدي يحاول إجراء دراسة لتحديد الحاجيات الضرورية، حتى يرقى المرفق إلى مستوى بعض الأسواق النموذجية بالدار البيضاء مثلا، وذلك في إطار شراكة بين المجلس البلدي ووزارة الداخلية ومجلس الجهة. وأوردت اطنينشي، في تصريح لهسبريس، أنها تعمل على التنسيق بين المعنيين بالموضوع والجهات المسؤولة من أجل توفير الحد الأدنى والاستجابة للشروط المرتبطة بتأهيل السوق النموذجي، مع الحفاظ على مكتسبات النواة الأولية التي صُرفت عليها 260 مليون سنتيم، مبدية ارتياحا كبيرا حول قبول الباعة المتجولين الانتقال إلى المرفق بعد إجراء التعديلات الكفيلة بتوفير الحد الأدنى للمزاولة التجارة في ظروف مقبولة.