« الدبلوماسي هو من يفكر في الكلام عشرات المرات، قبل أن لا يقول شيئاً «. مقولة شئت أن أبدأ بها كلامي رداً على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أتارت حفيظة المغاربة، لن أناقش ما قاله وما صرح به وما فعله، سواء قبل أو أثناء أو بعد زيارته الى المنطقة، لأن الرؤية العقلانية التي يجب على كل فرد منا أن تتوفر فيه، لا تحتم عليك الجواب على شيء يمس جوهر القانون الدولي والميثاق الأممي، لا يمكن أن نتكلم في موضوع ما، بدون أن نستعرض سياقه التاريخي، البداية كانت من المرابطين، قبائل زناتة، ثم دخول الفرنسيين الى المغرب بتاريخ 25 نونبر 1911، قبل أن يوقع السلطان عبد العزيز، معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 مع فرنسا، بعد كرونولوجيا تاريخية بدأت من سنة 1844 بمعركة إيسلي، حينما أرادت المملكة الشريفة أن تدافع ضد الجار الجزائر ضد المستعمر الفرنسي، بعد ذلك الحين، تم توقيع معاهدة إسبانية فرنسية من أجل تقسيم المغرب، أعود الى ما قاله بان كي مون حينما وصف المغرب بالمحتل، أو المستعمر بعبارة أخرى، هل فعلاً المغرب محتل للصحراء، جواب بسيط يحيلنا الى ما وقع في مؤتمر برلين، حيث إن المغرب لم يكن حاضراً، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أو شكل من الأشكال أن يتم وصف المغرب بالمحتل. نزاع الصحراء، يقال أنه بدأ في بداية سبعينيات القرن الماضي، حينما حاول بعض الشباب المتحمس الى تحرير الصحراء من الإستعمار الإسباني، اقترحوا الحل العسكري (الحرب)، لكن ملك البلاد الحسن الثاني والقادة لم يتحمسو للفكرة، وفضلو الحل السياسي، وأمام عدم الإكثراث المغربي، أسس هذا الشباب كيان جديداً، بمساعدة من الجزائر وليبيا، أصبح فيما بعد يحمل إسم الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، هنا بدأ النزاع المفتعل، مر بعدد من المحطات التاريخية، سأكون مجحفاً في حقها وأذكر بواحدة منها، عندما المغرب كان ينوي القيام باستفتاء، عارض القادة الإتحاديين هذا المقترح وسجن عبد الرحيم بوعبيد، مرت السنوات وتعاقب أمناء عامون أمميون وشخصيات تولت مهام المبعوث الأممي، تم إقتراح عدد من المقترحات مثل مخطط بيكر الأول والثاني، مجلس الأمن أصدر قرار وقف إطلاق النار سنة 1991، ونصب بعثة المينورسو بشقيها السياسي والأمني، الى أن وصلنا لما الحال عليه اليوم. لا شك أن قضية الصحراء، تعد القضية الأولى وطنيا، وفي حال فشلنا في هذا الملف، بإقرار الأممالمتحدة حق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره، وتأسيس دولة يتم الإعتراف بها، وفشل المغرب في وحدته الوطنية والترابية، فإن هذا سيكون آخر مسمار يدق في نعش الملكية، لأن المشرع الدستوري، أقر في الفقرة الثانية من الفصل 42 من دستور 29 يوليوز 2011، أن الملك هو ضامن إستقلال المغرب ووحدته الترابية، لهذا فإن الملك في خطبه يكرس جزءاً منها للصحراء، ويحص دائماً الدبلوماسيين وجميع المتدخلين وعموم الشعب الى بدل جهوذ في الملف، منذ توليه العرش في يوليوز 1999، ما فتئ يطلق أي مبادرة وإلا يسوق لها في ملف الصحراء، من الإصلاحات المؤسساتية، مدونة الأسرة، هيئة الإنصاف والمصالحة، تقرير الخمسينية، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، البرامج القطاعية الكبرى في الفلاحة والصيد البحري والصناعة والسياحة، المهن الجديدة والأوفشورينغ، إصلاح الحقل الديني والتصدي لكل أشكال التطرف والإرهاب، الإصلاح الدستوري بعد الحراك الشعبي لسنة 2011، المخطط الشمسي، وغيرها من البرامج والمخططات والمشاريع التي دائما يسوق لها في الملف، والتي كان آخرها ملف الهجرة، والتعاون جنوب جنوب، وتكريس الجهوية الموسعة كخيار ديموقراطي لتنمية الحكامة الترابية. لكن ومع كل هذا، فإنه منذ سنة 2000، وخصوصا بعد أن عين الأمين العام للأمم المتحدة في يناير 2007، تلقى المغرب عدد من الضربات الدبلوماسية، وفشل بشكل جزئي بإقناع المنتظم الدولي بمخطط الحكم الذاتي الذي قدم في 13 أبريل 2007، في سنة 2012 الكل يتذكر ما وقع مع المبعوث الشخصي، وكيف سحب المغرب ثقته منه، قبل أن يقدم روس تقريراً مجحفاً للأمين العام حول حقوق الأنسان في الصحراء، تلاه إتصال هاتفي في سنة 2014 بين مون والملك، هذا على المستوى الدولي، أما على المستوى الجهوي، ورغم أن المغرب شريك أساسي للإتحاد الأوروبي، فأن تقرير النائب الأوروبي شارل طانوك كان ضربة للمغرب، محاولات السويد ضد الوحدة الوطنية أيضا، قبل أن نصل الى النطقة التي أفاضت الكأس، حيث إن دعوة قدمت أمام محكمة الإتحاد الأوروبي سنة 2012، تم النطق بالحكم سنة 2015 ضد المغرب، كل هذه الضربات، كان المغرب سيتفادها لو أن اللوبي المغربي قوي جداً، هل تعلمون كم من ندوة حول الصحراء، تنظم في البرلمانات الأوروبية و الأمريكيةالجنوبية، أتذكر مراسلات بين الخارجية المغربية والتمثيليات المغربية بالخارج التي تم تسريبها من قبل كريس كولمان، والتي تتحدث عن ندوات تنظم في الشيلي والباراغواي والبيرو والأرجنتين ودول أوروبا، أتسائل، لماذا المغرب لا يحضر هناك ويدافع بقوة عن الأطروحة المغربية، ويستعمل التاريخ والجغرافيا والأنجازات والمكتسبات، وأن يعترف في إطار نقد الذات بالأخطاء وكيفية تداركها بشكل موضوعي. أتسائل كيف أن البرلمان المغربي بغرفتيه لا يتواجد أسبوعياً في برلمانات العالم، من أجل اللقاءات مع نظرائهم من ممثلي الأمة، ومشرعين من أجل تسويق الصورة الجميلة للمغرب. المغرب جميل، وما حقق فيه أجمل، والمشكل في التسويق، أتذكر يوماً كنت في ندوة وأنا في صغر سني، ندوة تحدث فيها اليوم رجل يعد من الأقوياء في المغرب، لمكانته المؤسساتية لن أتحفظ على من هو، قال مشكل المغاربة هو التواصل، في نظري المتواضع، هذا ليس فقط مشكل مواطنين، بل مشكل مؤسسات، من حكومة وبرلمان ومجتمع مدني وهيئات سياسية ونقابية، لا يمكن أن أعتبر الدفاع على القضية الوطنية هي مسؤولية كل المغاربة، وهم ليسو على نفس المستوى من المعلومة، لا حرج في نظري أن تكون نفس المعلومة التي يملكها وزير الشؤون الخارجية هي نفسها التي يملكها ذلك المواطن البسيط في القرى والمداشر، والذي يتحمل عناء السفر الى الرباط من أجل أن يدافع عن قضية لا يعرف منها إلا الأسم، لكن وطنيته وتعلقه بثوابث الوطن ينسيه وينسينا جميعاً جهله بالملف. المغرب في موقف قوي، وهذا يتضح جلياً عبر ما يصلنا من أروقة مجلس الأمن الدولي، كيف أن القوى العظمى صاحبة الحل والعقد الأممي، تساند المغرب، ولكن إن كان موقفنا قوي، فعلى دبلوماسيينا المناضلين سواء بالرباط أو بالعواصم العالمية، أن يسوقو لما أنجزه المغرب خلال عقدين من الزمن تقريباً، لما أطلقه الملك من مشاريع تنموية بالصحراء، هذه الأخيرة وإن كانت لها مهمة على المستوى الخارجي والداخلي، فإنها لا يمكن أن تكون كاملة مكمولة إلا بتسويق دولي، وهذه مهمة الوزراء والسفراء والبرلمانيين، ومن يصولون ويجولون بجبة المجتمع المدني من باريس الى بروكسيل ثم جنيف ونيويورك. اليوم المسؤولية أصبحت مضاعفة، وملف الصحراء، وإن فشلنا في التوصل الى حل يرضي جميع الأطراف خلال المفاوضات الغير مباشرة بأمريكا، فإن الحل هو التسويق الجيد لمكتسبات المغرب ومشاريعه وبرامجه، التسويق المحكم لمخطط تنمية أقاليمنا الجنوبية، التسويق الأمثل للإصلاح المؤسساتي والدستوري والجهوية، المغرب عليه تعزيز علاقاته مع جميع القوى العظمى، اللوبي المغربي عليه أن يتعزز ويتقوى بالمؤسسات الإقليمية والجهوية والدولية، لماذا لا نتعاقد مع شركات لوبيات كبرى بالعالم ؟ لماذا لا نذهب الى الدول الإفريقية التي يعاني معها المغرب من مشاكل مثل نيجيريا وزيمبابوي وجنوب إفريقيا، ونفتح معها أبواب الدبلوماسية الإقتصادية، هنا سنكون قد ضربنا عصفرين بحجر واحد، الدبلوماسية والإقتصاد، وختاماً على المسؤول حين يتكلم أن يعرف ما يقول، لأن أي مسؤول هو دبلوماسي في حد ذاته، ولا يمكن التعاطي مع ملف الصحراء كمشكل، لأنه وبالنسبة للدبلوماسي، ليس هناك مشاكل بل هناك حلول. *إعلامي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية