في إطار تعزيز انخراطه في المنتظم الدولي، والتموقع داخله عبر تمثيلية تضع البلاد في مصاف البلدان الديمقراطية، وفي سياق دعم الدينامية الداخلية ذات الصلة بإقرار وضمان وإعمال حقوق الإنسان داخل كل الجهات والأقاليم والجماعات، وفي نطاق تجاوز كل الصعوبات الميدانية المرتبطة بتفعيل كل التعهدات، وفي ظل الشفافية التي تقتضي الوقوف على المكتسبات بموازاة وضع اليد على مكامن التعثر والخلل، لا يضير المغرب في شيء أن يكون موضوع نقاش بخصوص وضعه الحقوقي. وفيما يخص القيام برصد الحالة الراهنة لحقوق الإنسان، فالمغرب لا ينزعج من ذلك، إلا إذا ما تعلق الأمر بالانزياح عن المقاربة الحقوقية في التعاطي مع الموضوع، والميل نحو تصريف المواقف السياسية وتصفية الحسابات المصلحية. فأن تقوم لجنة داخل الكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع بعقد جلسة خاصة بالاستماع حول حقوق الإنسان في الصحراء المغربية والتساؤل عن التقدم المحرز في هذا المجال، فهذا قد يكون مقبولا بالرغم مما يمكن تسجيله من ملاحظات بخصوص استهداف الأقاليم الجنوبية دون غيرها من الأقاليم المغربية. لكن أن يتم الانطلاق من كون "المغرب لا زال يحتل الصحراء"، والادعاء بأن "عددا من مراقبي حقوق الإنسان أعربوا عن مخاوفهم بشأن إدارة المغرب"، وإرجاع السبب في ذلك إلى "التضييق على حرية التعبير وتكوين الجمعيات" بخلفية "القيود التي تفرضها الحكومة على الحريات المدنية والحقوق السياسية للمؤيدين للطرح الانفصالي" فهذا أمر لا يمكن القبول به ولا السكوت عنه، باعتبار أن مثل هذه المواقف التي تروج لها مثل هذه اللجان إنما تعمل على التشويش على تجربة الإنصاف والمصالحة واستراتيجية النهوض بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة وإجراءات وتدابير الصيانة والحماية للحقوق والحريات التي يقوم بها المغرب. وإن كان هناك من قلق، فهو المتمثل في أن تلعب مثل هذه التقارير دور نسف كل الجهود الرامية إلى تقوية وتعزيز مسار التنمية والدمقرطة والتحديث داخل بلادنا، وإلى إحباط كل المحاولات الهادفة إلى استتباب الأمن في المغرب الكبير، وما لذلك من عواقب على مستوى تشجيع مثل هذه التقارير لتفريخ المزيد من الجماعات والكيانات الصغرى المهددة لاستقرار منطقة شمال إفريقيا برمتها. لذلك، كان الأجدر بالقائمين على صياغة أرضية النقاش داخل الكونغريس استحضار نوع من النضج، وتلافي كل خلط بين الطابع المبدئي للدفاع على حقوق الإنسان وبين المزايدات السياسية ذات الطابع المصلحي الضيق، خاصة وأن مغرب اليوم حريص على التفاعل الإيجابي مع مجموع توصيات وملاحظات مجلس حقوق الإنسان عبر مختلف آلياته وأجهزته. بل يولي العناية اللازمة للتقارير الموازية، كآلية من الآليات المعززة والمعضدة للمسار التراكمي الإيجابي في مجال التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان وإعمالها على أرض الواقع، وفي هذا الإطار، فالمغرب حريص كل الحرص على تدارس كل الملاحظات التي ترد في التقارير الموازية، على أساس أن تكون الملاحظات في صميم الموضوع، لا أن تكون ذات خلفيات سياسية عارية من الإثباتات على أرض الواقع. والمغرب اليوم، بمختلف مكوناته، قلق بخصوص التقارير المتسمة بغياب أية صورة عن المنطلقات الحقوقية الأساسية التي تُؤَطِّر وتَحَرُّك بعض "الملاحظين"، وبغياب أية صورة عن طبيعة وشكل المنهجية المعتمدة في استصدار هذه "التقارير"، وبغياب أية صورة عن الآليات المعتمدة في البحث أو الدراسة أو التقصي أو المواكبة أو المعاينة ل "الملاحظات" المقدمة، وبغياب أية معايير ومعطيات وإحصائيات بخصوص "الملاحظات" المقدمة، وبغياب الوقائع والأحداث التي تسند الادعاءات الواردة في "التقارير"، وبغياب الحالات الواقعية الداعمة ل "الملاحظات" الواردة في "التقارير". فكل التقارير تعترف ضمنيا باحترام الحقوق والحريات بالأقاليم الجنوبية كواقع ثابت، لتؤكد فيما بعد على أن هذا الاحترام ليس تاما، أي أن به من النواقص ما يجعله غير تام. وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الممارسة الميدانية للأفراد لا زالت بها بعض النواقص. علما بأن مثل هذه الانفلاتات قد توجد في كل جهات المملكة وفي كل دول العالم، نظرا لارتباطها بالسلوكات المعزولة للأفراد الناتجة عن تمثلهم لثقافة حقوق الإنسان وروح المواطنة، دون أن يعني هذا أن هناك استهداف للمواطنات والمواطنين بالأقاليم الجنوبية. فمسار النهوض والحماية والدفاع عن حقوق الإنسان مسار شاق وطويل، ويحتاج إلى صبر وطول نفس بالنسبة لكل المغاربة بمن فيهم سكان الأقاليم الجنوبية، خاصة إذا تعلق الأمر بمهام تغيير الذهنيات والعقليات وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في أذهان الأفراد من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية. وهو الأمر الذي يتطلب من المنتظم الدولي بذل مجهود أكبر في إطار دعم الاستراتيجيات المرسخة والداعمة لثقافة حقوق الإنسان داخل البلدان التي تعيش انتقالا ديمقراطيا هادئا مثل المغرب، وأخذ الحيطة والحذر من بعض التقارير التي نتخوف من أن تكون خطوة ذات خلفيات ومنطلقات سياسية للتشويش على مسار التقدم الذي يحصل عليه المغرب يوما عن آخر في مجال حماية حقوق الإنسان والانخراط في المنظومة الحقوقية الكونية.