أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات مؤخرا " تقدير موقف "بعنوان : انتخابات المغرب التشريعية ..صراع على إعادة تشكيل المشهد السياسي العام، رصد فيه ملامح الصراع بين الأحزاب السياسية المغربية خلال الاستحقاقات التشريعية المزمع تنظيمها في شهر أكتوبر المقبل، والتي من المنتظر أن تعيد تغيير بعض ملامح الخارطة السياسية الوطنية. المثير للانتباه أن تقرير المركز القطري وضع سيناريوهين اثنين حسب الترتيب : الأول هو فوز حزب العدالة و التنمية الإسلامي بالمرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية المقبلة، مما يعنى إعادة رسم نفس الملامح السياسية القديمة مع تغيير طفيف في طبيعة بعض التحالفات. والثاني اصطفاف حزب الأصالة والمعاصرة في الصف الثاني، وبالتالي إمكانية بقائه في المعارضة. فإلى أي حد يمكن اعتبار هذا التوقع قابلا للتحقيق ؟ إن النظر إلى المشهد السياسي المغربي من داخل المنظار ليس هو النظر إليه من خارجه، بالرغم من المجهودات البحثية والتوقعات المفترضة، لذلك نعتقد أن التوجه العام يسير عكس ما سطره المركز القطري في ورقته البحثية ، وهو إمكانية فوز حزب الأصالة و المعاصرة بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة ، وذلك راجع لعدة اعتبارات أبرزها : - هذا الحزب تم إعداده ليقود المشهد السياسي المغربي منذ أن خرج من رحم حركة لكل الديمقراطيين عام 2008 ، و الدليل على ذلك هو احتلاله مباشرة بعد تأسيسه لمراكز مهمة في انتخابات 2009، لكن إرتدادات الربيع العربي في نسخته المغربية ، وما صاحب ذلك من صعود الإسلاميين في العالم العربي إلى السلطة جعله يؤجل قيادة المشهد السياسي إلى مرحلة لاحقة ، ليتم تسليم المشعل للحزب الإسلامي انسجاما مع السياق الإقليمي آنذاك . - قوة خطابه السياسي و بنيته التنظيمية و التأطيرية ، وكذا نجاحه في استقطاب العديد من الكفاءات التي لم تكن لها تجربة سياسية رسمية ، خاصة من الأساتذة الجامعيين و بعض المنتمين إلى أطياف اليسار الجذري . - توفره على كتلة ناخبة مكونة من الأعيان ، مما يفسر إمكانية إعادة تمركزه من جديد في البوادي ، و التي غالبا ما تحسم النتائج لإرتفاع نسب المشاركة السياسية فيها. أما فيما يتعلق بتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل في حال حصول هذا الحزب على المرتبة الأولى ، فكل الاحتمالات واردة ، نظرا لطبيعة تشكل المشهد السياسي المغربي ، المتسم بالطابع البرغماتي لفاعليه السياسيين ، لكن المرجح أن ينظم إلى جانب الحلفاء الحاليين في المعارضة خاصة حزب الاتحاد الاشتراكي، و أحزاب ليبرالية و اشتراكية أخرى ... وبخصوص حزب العدالة و التنمية ، ورغم النهج الإصلاحي الذي اعتمده - خاصة على مستوى الخطاب - خلال الولاية التشريعية التي قاد فيها الحكومة ، وبالرغم أيضا من المركز الذي تبوأه في الانتخابات الجماعية الماضية، إلا أنه من الممكن أن يكتفي فقط إما بالمركز الثاني أو الثالث، ويعزى ذلك إلى عدة اعتبارات أبرزها : - قيام الحزب بالدور المنوط به ، المتمثل في الحفاظ على الاستقرار، وتجنب تكرار بعض النماذج العربية، وبالتالي سيكون مآله التراجع بعض الشيء إلى مراتب أدني . وهذا السيناريو عاشته مجموعة من الأحزاب المغربية عبر محطات تاريخية معينة كالفيديك و التجمع الوطني للأحرار والحزب الوطني الديمقراطي والاتحاد الدستوري و غيرها .. - عدم قدرته على تنزيل الإصلاحات التي تضمنها برنامجه الانتخابي و كذا البرنامج الحكومي ، و ذلك راجع إلى ما اعتبره جيوب مقاومة التغيير . وقد أكد أمينه العام عبد الإله بنكيران أكثر من مرة أن هناك جهات خفية تعمل على التشويش و عرقلة مسار الإصلاح و نعتها بمجموعة من النعوت كالتماسيح والعفاريت وغيرها ... - ضرب الحزب - من خلال سياسياته - بعض القطاعات الاجتماعية الحساسة ، والتي مست شرائح كبيرة من الطبقة الشعبية كرفع الدعم عن المواد الغذائية ، الصحة ، التشغيل ، التعليم ...، إضافة إلى اعتماد المقاربة الأمنية لحل بعض الملفات ( المعطلين و الأستاذة المتدربين ..) . كل هذا ، وأمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها، ستقلص ثقة المواطنين في الحزب ، خاصة الطبقة الشعبية الوسطى. وفي حال حصول الحزب الإسلامي على إحدى المراتب بعد الأولى ، فمن المحتمل أن يتحالف مع الأحزاب التي تشارك معه في الائتلاف الحكومي الحالي، لكن من الغير المستعبد أيضا أن يتحالف مع أحزاب المعارضة الحالية كحزب الاستقلال ، ما عدا حزب الأصالة والمعاصرة. عموما فنجاح هذا السيناريو بتبوؤ حزب الأصالة و المعاصرة للمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة سيزيد قوة هذا الحزب و تمركزه داخل مؤسسات الدولة خلال الولاية التشريعية القادمة، وبالتالي رسم معالم مشروعه المجتمعي. مقابل الإضعاف التدريجي الذي سيمس حزب العدالة و التنمية ومشروعه الإسلامي.