بدأت بعد زوال يوم أمس الأحد، أجرأة بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا والاتحاد الأوربي يوم الجمعة الماضي. ولا بأس من التذكير، بأن الاتفاق المشار إليه، يمثل حلا مؤقتا بالنسبة للأوربيين فيما يتعلق بأزمة اللاجئين. ويقضي بأن تقوم السلطات التركية بإغلاق الحدود مع اليونان للحيلولة دون تدفق مزيد من المهاجرين السوريين نحو أراضي اليونان، ومنها إلى باقي دول أوربا. وتقوم من جهة أخرى بالمساعدة على ترحيل اللاجئين من اليونان إلى الأراضي التركية. وينص الاتفاق على أن تتوصل تركيا نظير هدا الدور، بمبلغ مالي بالإضافة إلى النظر في إلغاء التأشيرة عن مواطنيها الراغبين في السفر إلى أقطار الاتحاد الأوربي. والبث أيضا في إمكانية انخراط تركيا في الاتحاد. ويتضح جليا من بنود الاتفاق، مدى التنازلات التي قدمتها دول الاتحاد الأوربي لتركيا لتقبل تقديم المساعدة على حل أزمة اللاجئين التي تقض مضجع حكومات دول الاتحاد منذ بضعة أشهر، إلى درجة أن هذه الحكومات باتت مستعدة لفتح ملف انضمام تركيا للاتحاد بعد أن كانت ترفض ذلك رفضا مطلقا. ومن المحتمل أن يكون الأمر مجرد ذر للرماد في العيون في انتظار هدوء العاصفة. فقد تسفر المحادثات الجارية في جنيف بين ممثلي النظام السوري وممثلي المعارضة عن بوادر حل للأزمة السورية. فيخف الضغط على أوربا من قبل اللاجئين. فتعود الحكومات الأوربية إلى المماطلة والتسويف في مسألة انضمام تركيا للاتحاد. ومهما يكن من أمر، فان الاتفاق، يفيد بغلبة الواقعية في تعاطي حكومات دول الاتحاد مع أزمة اللاجئين على حساب القيم التي قام على أساسها الاتحاد، ولعل من أبرز تلك القيم، مسألة حقوق الإنسان التي تنكرت لها حكومات دول الاتحاد، لآن مضامين الاتفاق مع تركيا تضرب تلك الحقوق في الصميم. فقد تم توقيعه أصلا من أجل محاصرة جماعات من الناس بعينهم. ومنعهم من التنقل فرادى أو جماعات. علما بأن بعض بنود البيان العالمي لحقوق الإنسان تنص على حق الفرد في مغادرة بلاده والعودة إليها متى شاء، وحقه في اللجوء إلى بلاد أخرى إذا اقتضت الضرورة، وحقه في تغيير الجنسية. كما تؤكد ديباجة البيان العالمي لحقوق الإنسان ضرورة الحرص على كرامة الإنسان، وعلى المساواة بين أفراد البشرية، حتى أن من صاغوه جعلوهما من لبنات حقوق الإنسان. ومن غريب الصدف أن حكومات دول الاتحاد صادقت على البيان العالمي لحقوق الإنسان. وجعلت مبادئه قاعدة لمعاهدة لشبونة التي وضعت الأسس القانونية والتأسيسية للاتحاد الأوربي. كما أثرت ذلك البيان بعدة مواثيق ذات صلة، من أهمها "ميثاق الاتحاد الأوربي للحقوق الأساسية" الذي صاغ جميع ما يتعلق بحقوق الإنسان في نص واحد يعرف اختصارا "بالميثاق" (la Charte) الذي تم تبنيه منذ مطلع شهر دجنبر سنة 2000. و كثيرا ما وضعت حكومات دول الاتحاد مسألة حقوق الإنسان في الواجهة في علاقاتها مع دول العالم. وقد آخذت على ساسة تركيا، منذ أن أفصحوا عن نيتهم في الانخراط في الاتحاد، عدم احترامهم لحقوق الإنسان، واضطهادهم للأقليات ممثلة في الأكراد بوجه خاص. وشتان بين مضامين "الميثاق" وبين الفعل على أرض الواقع. صحيح إن مبادئ "الكرامة والحريات والمساواة" التي يقوم عليها تهم مواطني دول الاتحاد في المقام الأول، لآن "الميثاق" موجه بالأساس للمؤسسات وللمنظمات وللحكومات الوطنية في دول الاتحاد. وربما هذا ما يبرر تنكر تلك الحكومات لغير مواطني دولهم. فلا بأس إذن أن تترك كرامة السوريين تتمرغ في أوحال تركيا ومنطقة البلقان. [email protected]