بعد التحية والسلام، كما تتبعتم، أيها الإخوة والرفاق الأعزاء، لقد أمضت الحركة الأمازيغية حينا من الدهر في محاورة الحركات والحساسيات السياسية والثقافية التي تتقاسم معها فضاء المجتمع والنقاش العمومي، من خلال البيانات والمذكرات التي أصدرتها مختلف مكوناتها الثقافية والحقوقية، وكتابات مثقفيها وباحثيها ومناضليها، ساعية على الدوام عبر مقومات النقاش الهادئ والمحاججة الرصينة وأساليب الإقناع الحضارية، إلى رفع اللبس عن مشروعية مطالبها ونزاهة مضامين خطابها التصحيحي والديمقراطي. كما عملت بشكل قوي على توضيح أن جملة المطالب الحقوقية والثقافية والتنموية التي ما ا انفكت تعبر عنها تندرج في صلب المشروع والمطلب الديمقراطي في البلاد، كما أن الإطار الأمازيغي لهذا الخطاب يطمح بشكل جلي إلى تعزيز الإنسية المغربية ورد الاعتبار للذات الوطنية، وتدارك التأخر التاريخي الذي حصل في هذا الصدد، وذلك بما سيساهم بشكل فعلي وبناء في تحرير الإمكان البشري المغربي وصيانة كرامة كافة المواطنين والاستجابة لطموحهم إلى حياة أفضل في مغرب المستقبل الذي ينشدونه. وكما تعلمون، فمكونات الحركة الأمازيغية من جمعيات وتنسيقيات وكونفدراليات، تتموقع في صلب الحراك السياسي والاجتماعي الذي تقوده حركة 20 فبراير الشبابية من أجل تمكين بلادنا من دستور يقطع مع كل المراحل السابقة، ويؤسس لتعاقد سياسي واضح وضامن لمغرب جديد يتسع لكل أبنائه، ويصون حقوقهم في الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ففي سياق اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا في الوقت الراهن، والتي نطمح خلالها جميعا إلى الحسم مع الماضي من أجل بناء مغرب جديد، أكدت مئات الجمعيات الأمازيغية العاملة في المجالات الحقوقية والثقافية والتنموية في عدة وثائق ومناسبات، على أن المدخل الأساس للاستجابة لمطلبها الدستوري المشروع هو التنصيص على هوية المغرب الأمازيغية، وعلى اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية إلى جانب العربية، وعلى اعتماد الإطار التاريخي والانسجام اللغوي والثقافي كمدخل أساس إلى جهوية موسعة قمينة بتحقيق الديمقراطية المحلية والتنمية المنشودة. ومنذ الأيام الأخيرة، تتابع الحركة الأمازيغية باهتمام كبير مختلف مجريات النقاش السياسي الذي تعرفه بلادنا ، كما تعاين بترقب شديد خلاصات النقاشات التي تدور داخل تنظيماتكم وهيئاتكم التقريرية وما بدأت تسفر عنه من مذكرات واقتراحات حول الإصلاحات الدستورية المرتقبة. والآن لن نخفيكم شعورنا وموقفنا الذي بات يتشكل على إثر ما تضمنته المذكرات ومقترحات الإصلاح الدستوري التي اطلعنا على مضمونها بعد تقديمها من طرف بعض الأحزاب السياسية إلى اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداد مقترح تغيير الدستور. فبقدر ما نشيد بوطنية ونزاهة الاقتراحات التي تضمنتها مذكرات كل من حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية بخصوص دسترة الأمازيغية لغة رسمية، في انتظار الإفصاح عن مقترحات هيئات حزبية ونقابية أخرى، نثق في مصداقية أطرها ومناضليها الذين نتمنى أن لا يخيبوا ضننا، بقدر ما نجد أنفسنا مستاءين مما قدمته بعض الإطارات الحزبية التي فضلت أسلوب المراوغة في صياغة مقترحها بخصوص دسترة الأمازيغية، بالشكل الذي يتنافى مع الحراك الذي أطلقته حركة 20 فبراير وأرضيتها المطلبية ومن ورائها عموم المغاربة الأحرار، ويتنافى مع أفق انتظار الحركة الأمازيغية وروح المرحلة الجديدة ومغرب المستقبل الذي طالما حلم به وانتظره أبناء هذا الوطن. فمقترح دسترة الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب العربية، أيها الإخوة في حزب الاتحاد الاشتراكي، لا يكاد يضيف أي شيء يذكر للامازيغية التي تحظى بصفة اللغة الوطنية بقوة الواقع التاريخي والسوسيولساني، بقدر ما يضيف إلى اللغة العربية، التي تحظى بوضعية اللغة الرسمية للدولة، صفة اعتبارية جديدة. وكما تعلمون فالحماية القانونية للغة الأمازيغية والالتزام بإدماجها في الحياة العامة الوطنية يقتضي التنصيص على رسميتها إلى جانب العربية في الوثيقة الدستورية، وهذا ما لن يحققه مقترحكم المتخلف عن جرأة مقترح حزب التقدم والاشتراكية، حليفكم في الكتلة الديمقراطية، مما يجعلنا نحملكم مجددا مسؤولية ما قد يترتب عن ذلك من تبعات سياسية وحقوقية وخيمة، ومن مساس بمصداقية وشعبية حزبكم العتيد. أما حزب العدالة والتنمية، فما تضمنه مقترحكم من لبس سياسي وإيديولوجي يؤكد أن الإخوان والأخوات لم يستوعبوا جيدا سياق ثورات الشعوب وأفول الأساطير والإيديولوجيات الثبوتية، وطموحات حركة 20 فبراير التعددية. فقد أمضينا فترة نقاش ومحاججة طويلة في محاولة لإقناعكم بأن لللغة الأمازيغية حرفها الأبجدي، وأن هذا الموضوع الذي سبق أن أثار نقاشا إيديولوجيا ساخنا في فضاء النقاش العمومي، حسم فيه بعد أن تبنت المؤسسة العلمية المعنية باعداد اللغة الأمازيغية حرف تفيناغ الذي حظي بالموافقة الملكية بعد إبلاغ الأحزاب السياسية بذلك بما فيها حزبكم. كما أن التراكم الذي حصل خلال السنوات الأخيرة على مستوى تقعيد اللغة وإنتاج الكتب المدرسية ونشر الكتب الإبداعية والفكرية بهذه اللغة المعيارية وحرفها العريق تفيناغ الذي ينتظره عمل تيبوغرافي هام، يجعلنا ندعوكم إلى تجاوز عائقكم النفسي أمام تعلمه، ولكي تتشجعوا أكثر أيها الإخوة، نؤكد لكم أن بعض الساعات قد تكفي للتمرس على كتابة الأمازيغية بحرفها، وإذا تعذر عليكم ذلك فنرجوكم لا تحرموا أبنائنا وأبناؤكم من تعلمها في مغرب المستقبل الذي نريده. وفي انتظار الاطلاع على مقترحات الأحزاب السياسية الأخرى، وتراجع بعضكم عن خيار اللبس والمراوغة في تناول مكانة الأمازيغية في دستور المغرب الجديد، وذلك بالمطالبة بدسترة الأمازيغية لغة رسمية، تفضلوا، أيها الإخوة والرفاق الأعزاء، بقبول عبارات مودتنا ودعائنا ودعوتنا لكم باستشعار جسامة المسؤولية التاريخية ، والتحلي بنكران الذات وبالحس الوطني، وتحري الاقتراح المنصف والرأي السديد.