عندما فكر الفكر البشري في تنظيم حق الاقتضاء بطرق وأشكال معينة وجعله مجالا عاما تديره الدولة بعد أن كان مجالا خاصا ، تم التفكير ايضا في إنشاء بنيات مادية وقانونية وبشرية للوصول إلى هذا الهدف الأسمى وهو ابتغاء العدالة ولذلك وجد القضاة والمحامين ومختلف الفاعلين الآخرين، ليتعاونوا فيما بينهم بطرق محددة في القانون للوصول إلى الحقيقة وإنصاف المتقاضين ولتحقيق هذا الهدف الكبير ينبغي أن لا تقف في طريقنا جزئيات هامشية وحتمية الوقوع داخل امكنة العمل بفعل الاحتكاك اليومي وظروف العمل واكرهاته لكلا الطرفين ، فالمفروض أن ما يجمع القضاة والمحامين أكثر مما يفرقهم ، : يجمعهم أنهما معا يوصفون برجال القانون ويترتب عن ذلك أنهما نبعا من مدرسة واحدة وهي كلية الحقوق وجمعتهما ايام الدراسة بحلوها ومرها . يجمعهم إمكانية تبادل الأدوار أثناء حياتهما المهنية، بحيث يمكن للقاضي أن يصير محاميا ويمكن للمحامي أن يصير قاضيا وهذا الأمر واقع في حياتنا العملية كثيرا تجمعهم الرسالة الواحدة وهي الوصول إلى الحق عن طريق تمحيص الأدلة واستخراج المؤيدات منها ، ولهذا يوصف المحامين والقضاة بجناحي العدالة . يجمعهم أن القانون وصفهما بوصف الأسرة الواحدة. يجمعهم تبادل الخبرات على مستوى الدراسات والكتب القانونية وأحيانا طلب العلم على يد قاض كبير أو مسؤول قضائي أو نقيب كبير ومحام مجتهد . تجمعهم اعراف وتقاليد عريقة وتجعل مهنتهما متميزة وحلم العديد من المجدين والمجتهدين . فلماذا لا يتم استحضار كل هذه الروابط والدخول في منطق "الصراع " ومحاولة تحقيق انتصار واهم على بعضنا البعض وكأننا في حلبة للصراع وليس في محاريب العدالة ؟ الواقع ان لكل ظاهرة أسبابها ومسبباتها وفي نظري، الذي قد لا يكون صائبا، فإن اسباب هذه الظاهرة إن صح أن نطلق عليها ظاهرة تتمثل فيما يلي : الاسباب العامة : ظروف الاشتغال بالمحاكم غير مشجعة بتاتا على روح خلق المبادرات بين مكونات العدالة لتعزز العلاقة بينهما وتوطدها ، بل العكس هو الحاصل إذ بفعل ضغط عمل الموظف والقاضي وغيرهما ومطالبتهم بأشغال أكثر من طاقتهم في كثير من الاحيان تجد نفسية الجميع متوترة وقلقة فضلا عن انتشار الامراض العصبية في مثل هذه الوظائف كما أكد أكثر من مختص. بنايات المحاكم في اغلبها وتوزيع المكاتب والشعب وكثرة الاجرءات وتعقدها في بعض الأحيان تجعل الجميع في صراع مع الوقت والنفس لاكمال أشغاله وهذا يؤثر طبعا على سلوكياتنا حتما ، بل كما قال لي أحد الزملاء المحامين في احدى محاكم الرباط بمناسبة شجار عاد وقع بينه زميل آخر له بعد تهدئتهما ، إن المحامي يغضب قبل ان يلج للمحكمة قلت له لماذا ؟ قال لي لأنه يتعارك لمدة من الزمن قبل ان يجد مكانا يركن فيه سيارته . فقلت له وكذلك القاضي والموظف فنحن نستيقظ في الرباط مكبرا للفوز بمكان لركن السيارة ، ما أردت تبليغه من هذه الواقعة هي أن ظروف العمل لا تساعد على خلق جو من التعاون الكبير. وعلاقة ببنايات المحاكم ، هناك توزيع متفرق ومتباعد للمحاكم داخل المدينة الواحدة ففي الرباط مثلا ، على السادة المحامين أن ينتقلوا بين ثلاثة أحياء متباعدة وبها احتقان للسير والجولان للوصول إلى المحكمة قصد القيام بإجراء بسيط في كتابة الضبط او حضور جلسة أو غير ذلك.(محكمة بحي المحيط ومحكمة بحي الرياض وثلاثة محاكم بوسط المدينة على مستوى شارع محمد الخامس) الاساب الخاصة : تراجع فكرة الأعراف والتقاليد داخل القضاء والمحاماة إلى حد كبير في الممارسة وليس في الأدبيات المنشورة والتي تقال بمناسات معينة . عدم تركيز التكوين والتكوين المستمر على فكرة الأعراف والتقاليد داخل القضاء والمحاماة وتطبيقاتهما العملية . عدم اهتمام التكوين في كلا المهنتين بجوانب التواصل وفن التعامل مع الأخر بواسطة متخصصين فنيين وليس محامين أو قضاة مع تطيعم ذلك بنظريات علم النفس الاجتماعي وفن الادارة في الجلسة وفن الترافع. فضلا عن ضرورة مراجعة شروط الالتحاق بكلا الوظيفتين وهذه من توصيات الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة . هذه بعض الأسباب ويمكن أن تكون هناك اسباب أخرى مباشرة أو غير مباشرة ، لكن ما السبيل إلى تجاوز بعض المشاكل اليومية التي تقع داخل المحاكم . أولا: ينبغي إذكاء فكرة الاسرة الواحدة داخل الحاكم بوسائل عملية ، لأنها إلى حد الان وبكل صراحة لا زالت عبارة عن فكرة قانونية تقال بشكل أدبي لا اقل ولا أكثر. ثانيا: إقامة تعاون مبني على التخطيط بين الجمعيات المهنية القضائية وهيئات المحامين وهذا هو ما ما سيضمن التنفيذ الواقعي، لانه ثبت ان اقتصار تواصل الهيئات مع الادارة القضائية غير ناجع لكثرة انشغال المسؤولين واكراهاتهم العملية . ثالثا: تكوين لجان من هذه الهيئات - بشكل غير رسمي - والاحتكام اليها عند النزاعات التي لا علاقة لها بتطبيق النصوص القانونية من الطرفين معا ، وقد وقع نادي قضاة المغرب اتفاقا في هذه الاطار سنة 2014 مع جمعيات هيئات المحامين بالمغرب ونتمنى ان يتم تفيعله وتوسيع مجاله ليشمل باقي الجمعيات المهنية القضائية. رابعا: الاحتكام الى القانون كلما وجد ، لأننا رجال قانون ويجب أن ننضبط له في كل أحوالنا . خامسا : تكثيف الجهود من اجل إقامة أنشطة حقيقة مشتركة ثقافية وتحسيسية ورياضية في جميع الدوائر، لتعزيز عرى وأواصر التعاون، وقد طرحت هذا الأمر في احدى الاجتماعت مع جمعيات هيئات المحامين بالمغرب بحضور عدة نقباء كبار وكل الجمعيات المهنية القضائية السنة الماضية. سادسا: فضلا عن ضرورة تجاوز اكراهات العمل المشار اليها أعلاه في المحاكم من طرف الجهات الرسمية المختصة وتيسيره باتخاذ الاجراءات التي تخفف عن الموظفين والقضاة والمحامين ، من قبيل اعادة النظر في الاجراءات وتبادل المذكرات ومعالجتها بشكل اليكتروني ربحا للوقت وتوخيا للجودة وتسهيلا على الجميع . *رئيس نادي قضاة المغرب