نعتبر أن قرار المجلس الدستوري بشأن القانون التنظيمي للسلطة القضائية هو انتصار للدستور ولقيم العدالة الدستورية ببلادنا ، علما بأن الذي يعطي الصبغة النهائية لأي قانون تنظيمي ليدخل حيز التنفيذ هي مؤسسة المجلس الدستوري ، لأن القوا نين التنظيمية تعتبر مكملة للوثيقة الدستورية. إن قرار المجلس الدستوري وملاحظاته في محلها وصادفت الصواب خاصة فيما يتعلق بالمادة 97 من القانون التنظيمي للسلطة القضائية، على اعتبار أن قرار المجلس الدستوري لم يقرر بعدم دستورية قرار العزل في حق القاضي الذي أخل بواجب الاستقلال والتجرد ، فقط أنه اعتبر أن قرار العزل لا يجوز اتخاذه في حالة تصريح صدر عن قاضي يكتسي طابعا سياسيا، لأنه غير دستوري، لكنه لم يوقف المتابعة التأديبية إن كان الأمر يستحق التأديب، وهي ضمانة أساسية لحق القاضي في التعبير وفق ما قرره الدستور ، لكن عندما يصدر عن القاضي موقف سياسي معين ، يجعله خارجا عن نطاق التجرد و الاستقلال ، وبالتالي يبقى قرار العزل ، في هذه الحالة دستوريا ، حتى لا يحشرون القضاة أنفسهم في الخلافات والصدامات السياسية ، مما قد يؤثر على سير العدالة ويجعل القاضي خصما وليس حكما . لكن عندما يكون رأي القاضي ذو صبغة سياسية ، قد يحتوي على العمومية ، مما يفتح الباب لعدة تأويلات لتكييفه كخطأ جسيم، قد يكون معها قرار العزل مجحفا وغير عادل ، ولأنه في العقوبات التأديبية أو الجنائية يجب أن تكون الأسباب المبررة للعقوبة محددة تحديدا دقيقا وموضوعيا. وجميع الأحوال ، فإن جاء قرار المجلس الدستوري منسجما مع مقتضيات الدستور الذي نص في الفقرة الثالثة من فصله 109 على أنه "يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة". قرار المجلس لدستوري كرس الضمانات الدستورية للقضاة ، لكنه في نفس الوقت وضع حدودا لهم ، يجب عدم تجاوزها ضمانا لاستقال القضاء وضمانا لحقوق المواطنين . *ناشط حقوقي وأستاذ القانون الدستوري