في خضم الأحداث المتسارعة التي تعرفها قضية الصحراء، يبدو للوهلة الأولى أن المغرب يعيش مأزقا حقيقيا بعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لكل من الجزائر وتندوف، وما رافق ذلك من أخطاء دبلوماسية جسيمة و تصريحات غير مسبوقة للسيد بان كيمون، إلا أن المتمعن في مسارات الأحداث بعد ذلك سيدرك كيف انقلب السحر على الجيران السحرة، وكيف وضع السيد بان كيمون نفسه في موقف لايحسد عليه مع قرب نهاية ولايته الأممية. وبعيدا عن منطق الربح والخسارة في ملف عمر طويلا واستنزف طرفي النزاع المغرب و الجزائر، فإن التحليل الهادئ و الموضوعي يبرز بالملموس أن المغرب قد كسب نقاطا ربما تكون حاسمة في قادم الأيام بعد جولة المسؤول الأممي، وذلك في الوقت الذي راهنت في أطراف أخرى على وضع مماثل من خلال هذه الجولة، مستثمرة في سبيل ذلك إمكانيات مالية ضخمة. لعل أولى المكاسب التي سجلها المغرب مباشرة عقب جولة السيد بان كيمون للجزائر هي المسيرة الوطنية التي نظمها المغاربة يومين فقط بعد الجولة، والمكسب هو تعزيز الوحدة الوطنية في سياق عربي متشردم ومتهالك. وحينما نتحدث عن الوحدة الوطنية في السياق المغربي، فإن الأمر يتعلق بمستوىين اثنين: المستوى الأول ذو بعد عميق، ويتعلق بموضوع الوحدة الوطنية حول الملكية وشخص الملك، وذلك باعتباره ضامن الوحدة الترابية للوطن والممثل الأسمى للأمة. أما المستوى الثاني وهو بيت القصيد، فيتعلق بالوحدة الوطنية حول قضية الصحراء. ورغم إيمان الأطراف المعنية بهذه الحقيقية مدة افتعال المشكل، فإن المفاجأة كانت في سرعة التعبئة وحجم المسيرة التي فاقت كل التوقعات. وبقدر الأهداف الإستراتيجية التي حققها المغرب وراء تنظيم المسيرة، فقد كان تأثيرها مباشرا ومؤلما على السيد بان كيمون، كيف لا وهو القادم من دولة متقدمة تعرف جيدا المفهوم المقدس لمفهوم التعبير عن الرأي، فما بالك إذا كان اللذين عبروا عن الرأي قد فاق الثلاث ملايين. وإذا حاول السيد بان كي مون التستر عن النجاح الباهر للمسيرة خلف مشاركة وزارء في الحكومة، فقد غاب عن نظره شعارات الأحزاب التي يمثلونها أولئك الذين تحدث عنهم، وأن مشاركتهم تمت تحت مظلة الحزب وليست الحكومة. المكسب الثاني الذي ربحه المغرب بعد جولة بان كي مون، يتجلى في ردود الفعل الدولية خاصة فرنسا و الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالأولى، جددت دعمها صراحة لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب من أجل تسوية قضية الصحراء، وفي هذا الصدد، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية في لقاء مع الصحافة أن " مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 ، يشكل بالنسبة لفرنسا قاعدة جدية تحظى بالمصداقية، من اجل التوصل إلى حل متفاوض بشأنه. وفي سياق متصل، عبرت الولاياتالمتحدةالأمريكية، حسب مصادر ديبلوماسية، عن عدم رضاها من الموقف الذي اتخذه بان كي مون خلال زيارته الأخيرة للصحراء، معتبرة موقف الأمين العام للأمم المتحدة بمثابة دعوة إلى تأجيج الأوضاع بالصحراء وهو ما ترفضه تماما موضحة أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن كانت دائما مع إرساء المسار الأممي. المكسب الثالث الذي ربحه المغرب عقب جولة بان كي مون تتعلق بالزيارة التي يقوم بها العاهل المغربي لدولة روسيا الفيدرالية، فقد اكتسبت الزيارة في ظل الأحداث المتسارعة زخما كبيرا خاصة على المستوى الدولي، متوجا النجاحات التي حققتها الزيارة على المستوى الاقتصادي و الأمني، بنجاحات على المستوى الدبيلوماسي. إذ أكد البيان الختامي أن روسيا الاتحادية والمملكة المغربية لا تدعمان أية محاولة تسريع أو تسرع في الاضطلاع بالمسلسل السياسي، وكذا أي خروج عن المعايير المحددة سلفا في القرارات الحالية لمجلس الأمن، كما أن روسيا الاتحادية أخذت علما بالمشاريع السوسيو-اقتصادية بهدف تنمية الأقاليم وتحسين ظروف عيش الساكنة. فبالإضافة إلى الموقف الروسي الواضح من جولة بان كي مون، كانت القيمة المضافة هي تزكيته ضمنيا للزيارة الملكية الأخيرة للصحراء عبر الإشادة بالمشاريع التي تم الإعلان عنها خلال الزيارة. المكسب الرابع يتعلق برد الفعل المباشر والتلقائي لساكنة الصحراء أنفسهم، ففي الوقت نفسه الذي كان يتلى فيه البيان الختامي للقمة الروسية المغربية، نظم سكان الصحراء المغربية، في سابقة هي الأولى من نوعها، مسيرة قاربت مائتي ألف مشارك في اتجاه بعثة المينورسو من اجل تسليم رسالة احتجاج على تصريحات السيد بان كيمون، مطالبين في الآن نفسه، وخطوة غير مسبوقة في تاريخ النزاع المفتعل، برحيل البعثة عن الصحراء المغربية. و في انتظار ما سيفر عنه اللقاء الذي سيعقده الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، ستبقى تداعيات هذا الرد مفتوحة على كل الاحتمالات. المكسب الخامس يتمثل في الإجراءات العقابية التي سيتخذها المغرب حيال سحب مساهماته وقواته في دعم الأممالمتحدة لتحقيق السلم والأمن الدوليين، حيث من شأن هذا الإجراء السيادي أن يؤكد للمنتظم الدولي قيمة الإمكانيات اللوجستيكية و البشرية التي يضعها المغرب رهن إشارة السلم و الأمن الدوليين، ويؤكد بالتالي، أن هذا البلد العريق، بملكه وشعبه، يعتبر أكثر البلدان احتراما وتقديرا لهذه المنظمة بخلاف ماصرح به بان كيمون أن مسيرة الشعب المغربي كانت ضد الأممالمتحدة. في ظل المكاسب الخمس التي تم تحقيقها بعد جولة السيد بان كي مون، يبدو المغرب مصرا على السير في نفس النهج الذي اعتمده مؤخرا حين عمد إلى تغيير جذري في قواعد اللعبة على الأرض، فبعد أن نهج لسنوات طويلة لسياسة المهادنة والمساكنة تفعيلا لمبدأ حسن الجوار، بادر في الآونة الأخيرة، خاصة عبر الخطب الملكية، إلى مقاربة جديدة تسمي المسميات بأشيائها و تعمل على اتخاذ مواقف حازمة وأحيانا عقابية تجاه كل انزلاق يحيد بالقضية عن مسارها الطبيعي مهما كان مصدر الانزلاق، مما يعيد الأمور إلى نصابها وفي أحيان كثيرة،كما حصل مؤخرا بعد جولة بان كي مون، يرسخ أكثر فأكثر مشروعية الصحراء في مغربها. ولذلك، فكل مغربي تابع وتفاعل مع الأحداث الأخيرة، يقول في قرارة نفسه...شكرا السيد بان كي مون...شكرا على المكاسب الخمس. *أستاذ باحث [email protected]