أزيد من 150 منزلا انهار، أو مهدّد بالانهيار، حصيلة خلفتها الفيضانات التي ضربت منطقة "آيت اعمر" و"أسرسيف" بالجماعة الترابية آيت ميلك، ضواحي اشتوكة آيت باها، خلال شهر دجنبر من سنة 2014، ما جعل العديد من الأسر تعيش في العراء، ومنها التي اختارت كُرها الاحتماء من موجات البرد القارس لدى الأقارب؛ فيما فُتحت مقرات بعض الجمعيات المحلية والأندية النسوية أبوابها ل"منكوبين" عانوا من غياب أبسط الخدمات، واختار آخرون، ممّن غمرت المياه بيوتهم، مغادرة المنطقة إلى المراكز والمدن المجاورة، بحثا عن مأوى يقي أبناءهم تبعات غضب الطبيعة. ونالت الماشية نصيبها من مخلفات ارتفاع منسوب الأودية واجتياح السيول لهذه المناطق، فنفق منها ما نفق، وانضافت إلى رصيد معاناة المنكوبين، اعتبارا لكونها أحد أهم مصادر العيش لدى غالبيتهم. صورة قاتمة عن أيام حالكة عاشتها ساكنة مداشر عدة ب"آيت ميلك"، أعاد ممثلون عن المجتمع المدني حبكها ضمن ندوة صحافية بدوار "آيت ابراهيم أوحماد"، بقبيلة "آيت اعمر"، استرجع فيها السكان المتضررون بعض تفاصيل الفيضانات التي اجتاحت منطقتهم منذ نحو سنة ونصف، فجاءت صرخاتهم مدوية حينما أعلنوا، أمام ممثلي وسائل إعلام حضرت الندوة، أن الوضع مازال على حاله، مبرزين استمرار معاناتهم وتشردهم. فيما نالت السلطات المحلية والمجلس الجماعي الحالي النصيب الأوفر من انتقادات المتضررين، إذ إن الوعود المقدمة لهم "لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ"، حسب تعبيرهم. أحمد الفشات، ناشط جمعوي، قال إن المنكوبين، وأمام استمرار تجاهل مطالبهم، ارتأوا تنظيم أنفسهم ضمن إطار جمعوي يهدف إلى طرح قضاياهم لدى الجهات المعنية، والبحث عن دعم مادي يضمن لهم الحق في سكن لائق، بالإضافة إلى الترافع حول مآل ميزانية خصصها المجلس الجماعي السابق لهم، والعمل على إيجاد حل جذري لمعضلة الفيضانات المُهدّدة للساكنة. غير أن السلطات المحلية بقيادة "آيت ميلك" رفضت تسلم ملف تأسيس هذه الهيئة، دون أن "نجد تبريرا معقولا لهذا السلوك"، يقول الفشات، مضيفا أن دعوى قضائية تم رفعها أمام المحكمة الإدارية بأكادير ضد السلطة المحلية، "التي شاب تصرفها شطط في استعمال السلطة"، على حد قوله. واختار أحمد آيت زي، رئيس جمعية "ضحايا فيضانات 2014" بآيت ميلك، التي مُنع تأسيسها، أن يعرج على ظروف هذا التأسيس، قائلا إن هذا الإطار الجمعوي يروم إيصال صوت المنكوبين إلى المسؤولين، "إلا أن عراقيل مصطنعة ومفبركة وقفت حجر عثرة للحيلولة دون ميلاده"، حسب تعبيره. وأوردت المتحدث أن "الظروف الطبيعية التي ترزح تحت وطأتها المنطقة، والمتسمة بالجفاف والقحط وزحف الرمال على الحقول، بالإضافة تفشي الرعي الجائر وغياب فرص الشغل، عمّقت جراح المتضررين، وساهمت مُجتمعة في بروز ظواهر اجتماعية خطيرة في صفوف الشباب، كالتعاطي للقمار والمخدرات والانحراف"، وأضاف: "زد على ذلك تفشي الأمراض من جراء الفيضانات، التي تقشعر أبدان الساكنة خوفا من حدوثها في كل يوم تتلبد السماء بالغيوم". وضمن مطالب الساكنة إحداث سد على وادي "مكتار"، بنواحي آيت ميلك، "لكن الدولة لا تهتم بهذه المنطقة، رغم وجود تربة خصبة صالحة للفلاحة العصرية"، يقول المتحدث ذاته. "الغريب في الأمر أن الدولة نفّذت مشروعين هامين من أجل ضمان التزود بالماء والكهرباء دون أن تُخطط أو تُحقّق في معضلة الفيضانات، إذ إن جل الأعمدة الكهربائية وشبكة الماء تتعرض للإتلاف والأضرار بفعلها"، يورد المتحدث، الذي بدا غاضبا وهو يسائل ما وصفها ب"سياسة الدولة في هذه المنطقة المنكوبة"، جازما ب"غياب" أي مُخطّط أو دراسة أو تهيئة للمنطقة. "الخدمات الاجتماعية المنعدمة، وغياب المرأة والطفل عن دائرة الاهتمام، وعدم استثمار المؤهلات المحلية، عناوين بارزة لحكاية درامية، تُمثل أدوارها ساكنة مستضعفة على "ركح" أراضي آيت ميلك المنكوبة"، يقول المتحدث عينه. محمد موعين، الرئيس السابق للمجلس الجماعي لآيت ميلك، أورد ضمن تدخل خلال اللقاء الصحافي أن فائضا ماليا وصل إلى نحو 75 مليون سنتيم تم تخصيصه للمنكوبين والمتضررين من فيضانات 2014، خلال دور فبراير من سنة 2015، إلا أن المجلس الحالي ارتأى إعادة برمجته للمرة الثانية، دون أن تتّضح معالم استفادة المنكوبين. وأبرز موعين أن مجلسه السابق كان قد وضع تصورا بهدف المساهمة، بمعية شركائه، من سلطات إقليمية، ومجالس منتخبة وغيرها، في إيجاد حل لمعضلة ساكنة آيت اعمر وأسرسيف وكل المناطق المتضررة، "لكن ذلك لم يجد الآذان الصاغية لدى مدبري الشأن المحلي اليوم، ولم تُحرّك الأيام الحالكة التي عاشها أهالي هذه المناطق ضمائر هؤلاء قيد أنملة، ليبقى الوضع مأزوما، والمعاناة مستمرة"، حسب تعبيره. وفي سياق التحركات المُفعّلة لإعادة طرح انشغالات عدد غير يسير من قاطني هذه المناطق، الذين تضرروا بفعل اجتياح الفيضانات لمناطقهم، قال جامع موعين، في اللقاء ذاته، إن "هيئات مدنية تلتئم في إطار تنسيقية ستكون مهمتها الإسراع بإعداد المرافعات وإسماع صوت المنكوبين، والتدخل بشكل سلمي لدى مختلف المصالح المعنية، بغية لفت انتباهها إلى الأوضاع غير الإنسانية التي تعيشها الساكنة المتضررة، والتعجيل بطرح مشاريع لإيجاد حلول للأوضاع المُخيّمة على المنطقة وساكنيها، من جراء السيول والفيضانات"، موردا أن "تحرك الجمعيات المحلية يأتي بعد رفض السلطات وعرقلتها تأسيس إطار جمعوي يضم المتضررين"، وفق تعبيره. وأجمع الحاضرون على الاستنجاد بالسلطات الإقليمية لمنح الفرصة للساكنة المتضررة للاستفادة من الفائض المالي الذي خصصه المجلس السابق للمنكوبين، بل ألحّوا في الإبقاء عليه لفائدتهم، "قبل أن يخلق ذلك احتقانا بالمنطقة"، كما أصروا على ضرورة الإسراع في إعداد برامج عملية لمساندة المنكوبين والتخفيف من معاناتهم، وإدراج الفيضانات كمعطى هيكلي في الإستراتيجية التنموية المحلية، والإسراع في إنجاز وإتمام مختلف المشاريع المبرمجة في المخطط الإقليمي للوقاية من الفيضانات، الذي "غابت عنه آيت ميلك برمجة وتنزيلا"، حسب تعبير الغاضبين من الوضعية ضمن الفعاليات الجمعوية الحاضرة.