من المعلوم أن الشعب المغربي عندما تحرك على غرار تحركات الشعوب العربية المنتفضة على الفساد إنما أجمع على قضية واحدة وهي الرغبة في استعادة كرامته من براثن الفساد على اختلاف أنواعه وأشكاله ، وهو فساد تقف وراءه الحزبية والطائفية والنعرات. ولا يمكن بشكل من الأشكال أن تستغل التظاهرات الشعبية التي يعرفها الشارع المغربي وهي من أجل قضية أشرف وأعظم ألا وهي قضية كرامة شعب موحد لا شعب أحزاب وطوائف وجماعات ونعرات قبلية . ولهذا لا يستساغ أن ترفع شعارات هذه الأحزاب أو الطوائف أو الجماعات أو النعرات القبلية في التظاهرات الشعبية . والشعب المغربي شعب عربي وأمازيغي على حد سواء وقد اختلط العرقان اختلاطا ذابت معه النعرات العرقية ، فلا يوجد في المغاربة من يسيل في دمه دم عربي خالص أو أمازيغي خاص بل اختلط دم العنصرين منذ قرون طويلة ، ووحد الإسلام العرب و الأمازيغ ، وشعاره إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، لهذا لا يعقل أن تتحول المظاهرات من أجل كرامة المغاربة قاطبة إلى مظاهرات قبلية وعرقية عربية أو أمازيغية ينفث من خلالها المتعصبون سموم الحقد الدفين انطلاقا من مركبات تفوح منها رائحة العنصرية المقيتة . والمغاربة أيضا فيهم من يمارس السياسة عن طريق أحزاب ، ومنهم من يمارسها خارج إطار الأحزاب، كما أن المغاربة يمارسون التدين عن طريق الجماعات ، ومنهم من يمارس التدين خارج إطار هذه الجماعات ، لهذا لا يمكن أن يزايد عربي على أمازيغي والعكس ، ولا أن يزائد المنتمي للأحزاب على الذي لا انتماء له ، ولا أن يزايد المتدين في إطار جماعة ما على المتدين خارج إطارها ، ومن ثم لا يمكن استغلال التظاهرات الشعبية التي هي فوق كل انتماء مهما كانت طبيعته لجعلها تظاهرات حزبية أو طائفية ذات نعرة من النعرات العرقية أو الدينية أو غير الدينية . والمغرب وطن المغاربة جميعا ، والتظاهرات تظاهرات المغاربة جميعا ، والتغيير مطلب المغاربة جميعا ، والمزايدات ممنوعة عند المغاربة جميعا . فالإصلاحات الموعود بها من واجبها أن تسوي بين المغاربة جميعا فلا تفرض عن طريق الضغط مطالب فيها مصلحة طائفة من الطوائف على حساب عموم الشعب بل تصان المصالح العامة المشتركة لعموم الشعب ، ولا عبرة بمصالح فيها رائحة الطائفية مهما كان نوعها ومبررها أو ذريعتها . وليست تظاهرات الشارع المغربي خاصة بشباب ولا بشيوخ ولا بنساء ولا بأطفال بل هي تظاهرات كل فئات الشعب على اختلاف أعماره ، ولا مزايدة أيضا في هذا المجال. والتظاهرات لا يجب أن تتحول إلى وسائل ابتزاز ، ولا إلى فرص لاستعراض العضلات وقياس قوة الضغط ، ولا إلى حملات انتخابية قبل الأوان من أجل استباق التحكم في مصير التغيير الذي يطالب به الشعب المغربي . لقد ابتذلت التظاهرات في بعض الجهات وبعض القطاعات وتحولت إلى فرص لتصفية الحسابات ، فكل من كان له حساب مع غيره حشد له جمعا ورفع شعار : " الشعب يريد إسقاط فلان " وكل من هب ودب نصب نفسه وصيا على الشعب للحديث باسمه ، ورفع الشعار الذي يريده هو راكبا ظهر هذا الشعب ركوب المطية الذلول . فالشعب يرفض الفساد مهما كان شكله ومهما كان مصدره ، ولا يرفض أبناءه إلا من اتخذ منهم الفساد عقيدة وفلسفة ، ورفضه إنما سيكون رفضا للفساد في حد ذاته . وليس من المعقول أن يتحول و ينتكس المغرب إلى فترة بداية الاستقلال التي عرفت تصفيات الحسابات بسبب الحزبية ،وركبت هذه التصفيات ذرائع تهم التخوين المتبادلة والمتعسفة والتي بلغت أحيانا البهتان والزور كما سجلت ذلك شهادات تاريخية . والتغيير يعني القطيعة مع الفساد ، ولا يعني الدخول في صراعات وتصفية حسابات . فدولة الحق والقانون يفترض فيها وجود قضاء مستقل ونزيه يخضع لسلطة القانون ، وهو وحده الذي يملك السلطة التقديرية ، وصلاحية التخصص القانوني للبث في ملفات الفساد مهما كان نوعها و مهما كان المسؤولون عنها . ولا يمكن أن يترك أمر البث في الفساد إلى منطق العواطف في التظاهرات ، فالعدل فوق كل عاطفة ، وما كان العدل في يوم من الأيام عبدا للعواطف بل كان سيده العقل والمنطق والحق والفضيلة . ولا بد من شريحة طويلة عريضة واعية وغيورة من الشعب لحماية وحراسة الوطن من كل عبث حزبي وطائفي ، ومن كل انزلاق من شأنه أن يفسد وعي هذا الشعب الذي أراد التغيير من أجل حياة أفضل وأكرم وأجمل ،لا من أجل مصالح خاصة أضيق وأقبح وأنكر.