بلغت أكاذيب نظام القذافي المنهار ذروتها خلال الندوة الصحفية التي عقدها ابراهيم موسى، الناطق الرسمي باسم حكومة ملك ملوك إفريقيا، قبل يومين، عقب اختطاف قواته للمواطنة الليبية البطلة، إيمان العبيدي، على مرأى ومسمع الصحافة الدولية من باب فندق «كسيروكس» وسط العاصمة الليبية طرابلس. ايمان العبيدي الشابة الليبية محامية التكوين، استطاعت أن تصنع التاريخ لما تسللت إلى مطعم الفندق الذي تقيم فيه كل طواقيم الصحافة الدولية، وصرخت بحرقة ومرارة لتفضح الممارسات الوحشية التي تعرضت لها من طرف 15 «شخصا» من الكتائب في مخافر ميليشيات عميد الحكام العرب، بعد أن اختطفوها في نقطة تفتيش على مشارف طرابلس، واغتصبوها، وعذبوها، لا لسبب آخر سوى أنها تنحدر من مدينة بنغازي معقل الثوار. إنها المرة الأولى على الإطلاق في تاريخ ليبيا وبشهادة الليبيين أنفسهم التي يتجرأ فيها مواطن من داخل طرابلس لتحدى القذافى علنا بهذا الأسلوب. الصحافيون الأجانب الذين أتي بهم للترويج لخرافات القذافي أمام الرأي العام الدولي ذلك أنهم احتجزوا في الفندق، منذ وصولهم إلى التراب الليبي، لدواعي أمنية كما تدعي حكومة القذافي، لم يتمالكوا أعصابهم فقاطعوا الوزير الليبي بعد أن تفوه بأولى كلماته حيث حاول التعتيم على جريمة كانوا هم أنفسهم شهود عيان على إحدى أطوارها، إن لم نقل إنهم من ضحاياها حتى. لا شك أن النظام الذي اعتاد استغباء شعب بطل، لمدة 42 سنة، تحت وطأة القمع، فشل هذه المرة في استغباء بضعة رجال إعلام أصيبوا بالغثيان، ولم يستسيغوا زعم الوزير أن التحقيقات الأولى تفيد أن السيدة العبيدي في حالة سكر ومختلة عقليا، ومضطربة نفسيا، وهم الذين جالسوها واستمعوا لشهادتها وصمدت في وجه من حاولوا غير ما مرة تكميم فمها وإخراجها عنوة بل عنفوها كما عنفوا كل من حاول حمايتها أو رفض تسليم آلة التصوير التي وثقت لإحدى للحجج الدامغة على بطش النظام الجماهيري الفاشل. العالم كله يعلم ان نظام القذافي كاذب، بل باتت خرافاته محط سخرية، من قبيل حبوب الهلوسة، وتنظيم القاعدة وغيرها.. كذلك الشأن بالنسبة لأبنائه الذين حولوا ليبيا الى ضيعة خاصة في ملك أبيهم، ولا أحد يعلم بأي صفة يتحدثون، ويتبجحون أمام وسائل الإعلام، ويتوعدون الشعب الليبي، ولا أحد لا في الشرق ولا في الغرب يثق في إعلامه البدائي الأبهل وحكومته التي تعلن كل مرة عن وقف إطلاق النار بينما تستمر في تكثيف القصف على الأحياء السكنية في مصراتة والزنتان بعد أن دكوا مدينة الزاوية دكا عنيفا لم نشهد نظيره منذ حرب كوسوفو. العالم كله يعلم حق العلم أن الاغتصاب والوحشية ليسا غريبين على ثقافة السلطة في ليبيا، أليس القذافي نفسه من حاول اغتصاب الصحافية الفرنسية الشهيرة «مينوما هينترمان» عن القناة الفرنسية الثالثة بعد الحوار الذي اجرته معه سنة 1984 ؟ أليس القذافي من قتل ازيد من ألفي شخص في أقل من ساعتين في فسيح سجونه؟ ثم أليس القذافي من صنع جريمة لوكربي وتورط في تشاد، وغير تشاد، وغير غير تشاد؟ إن الذي لم يخطر ببال أحد، هو أن تنتفض فتاة ليبية في عمر الزهور تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، التي طالما غابت، أو على الأقل هكذا كنا نراها، او أريد لنا أن نراها، عن التركيبة الاجتماعية الليبية، بكل شجاعة وجرأة في وجه نظام سفاح جائر متجبر، من طراز معمر القذافي وما أدراك معمر القذافي، في قلب عاصمته، التي حولها إلى سجن كبير، في ظرفية توصف في ادبيات العقيد بالحساسة إذ تفيد التقارير أن الأجهزة الأمنية فيها في حالة استنفار قصوى، تجوب الدوريات على قلتها، الشوارع والزقاق ليل نهار، ولا تقبل بتجمع أكثر من ثلاثة اشخاص في الساحات العمومية وإلا عرضوا حياتهم للخطر.
المجد لإيمان البطلة التي لا تقل عن شجاعة الثوار الذين واجهوا رصاص القمع بصدور عارية في بداية الثورة كما لا تقل شجاعة عن الثوار الذين رزقوا الشهادة من جراء قصف طائرات الميغ والذين يقفون في الجبهة اليوم في بن جواد ومصراتة وغيرها باسلحة خفيفة أمام صواريخ توماهوك وقذائف الهاون. والخزي لرجالات القذافي من مقربيه وغير مقربيه الذين لا يترددون لحظة واحدة في ذبح مواطنيهم الذين يموتون ليس من اجل فئة او منطقة أو قبيلة بعينها بل من أجل كرامة وحرية الشعب الليبي برمته، بما فيهم جلاديهم. والخزي والعار لكل الذين يناصرون الديكتاتورية، والاستبداد، و الطغيان، في ليبيا وغير ليبيا. إن شجاعة المحامية إيمان العبيدي لم تك رسالة إلى القذافي فحسب بل إلى الأنظمة العربية كلها، تقول إن زمن الإهانة وهدر الشرف والكرامة قد ولى إلى غير رجعة وإن الشعوب الجديدة برجالها ونسائها على السواء، لن تتوارى عن الجهر بالمطالبة بالحرية وفضح الظلم مهما كلفها الثمن، كما أنها رسالة إلى العالم الغربي تقول إنه، كما سقطت فزاعة الإسلام والقاعدة والإرهاب، فقد حان الوقت لوضع الحد للصورة النمطية الإقصائية للمرأة في الثقافة الإسلامية كوصاية الرجل وغيرها، لأنها أثبتت أنها تستطيع أن تصنع التاريخ هي الأخرى ولو تعلق الأمر بكسر الطابوهات، التي طالما تسترت عليها شقيقاتها، والصراخ في وجه رجال دمويين وليسوا اي رجال. ولعل ما يعزز تلك الرسالة الموجهة إلى الغرب، وفيما تعالت أصوات الهيئات الحقوقية الدولية مطالبة بالكشف عن مكان تواجد الأستاذة إيمان التي اقتيدت مرة أخرى إلى وجهة مجهولة، لن تنجو من محاولات المساومة تحت وطأة الهمجية والتعذيب، أن احد الثوار، يدعى فرج الغيثي، الذي تناقلت وسائل الإعلام صوره وهو من مدينة درنة اقصى شرق ليبيا، قرر الزواج من الفتاة إيمان وتقدم ومجموعة من الأقارب والأصدقاء إلى عائلتها بمدينة طبرق، لخطبتها . ولم تمنعه قط الممارسات الوحشية التي تعرضت لها في مخافر ميليشيات النظام الدموي من أن يرى في شجاعتها وجرأتها مصدر فخر وإعجاب. تلك الممارسات التي كانت الى ماض قريب، أو اقل بشاعة منها حتى، حاجزا أمام الزواج في مجتمعاتنا، وهو الحاجز الذي ساهم بشكل كبير في التستر على هكذا جرائم وبذلك ساهم ايضا في انتشارها. فهنيئا لهما! لدينا مطلب نتقدم به إلى الهيئات الحقوقية بشكل عام والتي تعنى بالشأن النسائي بشكل خاص لتكثيف وقفات التضامن مع إيمان العبيدي في انتظار سقوط النظام الذي لم يبد اية عزيمة للإفراج عنها ما دامت متشبثة بتصريحاتها ولا تقبل أية مساومة للتنازل أو التراجع عنها. كلنا إيمان لعبيدي.