قبل الانتخابات المحلية والجهوية الماضية، عرفت العديد من الأحزاب تصدعات داخلية أفرزت بين ليلة وضحاها "حركات التصحيحية"، ما يجمعها أنها غير راضية على السياسية الداخلية لأحزابها، فيما اختلفت مآلاتها بين بروز أحزاب جديدة، انضافت إلى المشهد السياسي المغربي، كحزب البديل الديمقراطي، الذي من المزمع أن ينظم مؤتمره التأسيسي في مارس الحالي؛ في حين أن بعضها تم احتواؤها و"عفا الله عما سلف"؛ والحديث هنا عن تيار "لا هوادة"، الذي قاده عبد الواحد الفاسي الفهري كتيار منشق عن حزب الاستقلال، قبل أن تتم المصالحة مع مكونات الحزب، خاصة الأمانة العامة التي يقودها حميد شباط. الأحزاب الوطنية لم تكن الوحيدة التي عرفت تيارات غاضبة داخلها، بل كذلك أحزاب أخرى، كما هو حال الحركة الشعبية. فبالأسباب نفسها تقريبا خرج تيار من داخل "حزب السنبلة"، بقيادة سعيد أولباشا، محتجا على تسيير الأمين العام للحزب، امحند العنصر، "متهما إياه بقيادة الحزب إلى الهاوية، والتفرد بالقرارات التي تخص الشأن العام للحزب". إلا أن فترة بروز الحركات التصحيحية، والتي تكون إما قبل الموعد الانتخابي أو قبل المؤتمرات الوطنية للأحزاب، تطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى جديتها في المساهمة في إصلاح الحزب وتقويم اعوجاجه، خاصة أنه في مرات عديدة تكون هذه التيارات ذات صبغة فردية، وتوجه صدامي لأشخاص معينين داخل الأحزاب ضد بعضهم البعض، وهو الشيء الذي يزيد وضع الأحزاب المغربية تفككا. موجهة ضد القيادات واعتبر بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الحركات التصحيحية تبرز عدم قدرة الأحزاب بمختلف توجهاتها على إدارة الاختلافات الداخلية. وأردف المرزوقي، في تصريح لهسبريس، بأن من المفروض أن يتم تذويب الخلاف الحزبي بطرق ديمقراطية، تقوم على أساس منح كل حركة أو تيار نسبة من التمثيلية داخل الحزب، "إذا أثبت أن له خلافات ذات طبيعة سياسية أو إيديولوجية، وهو الشيء الغائب في هذه الحركات التصحيحية، فكلها موجهة ضد قيادات حزبية دون أي أرضية سياسية". "يمكن القول من خلال التتبع إن الحركات التصحيحية أصبحت عادة موسمية تظهر خلال مرحلة منح التزكيات، ولاحظنا هذا ليس فقط بالنسبة لأحزاب الإدارة، بل كذلك أحزاب اليسار، والتي كانت معروفة بقوة التنظيم، وهو المعطى الذي انتفى مع المرحلة الحالية التي يمر منها اليسار، مع استثناء الأحزاب القائمة على بنية داخلية قوية، كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية"، يضيف المتحدث نفسه. وحول المرحلة الحالية التي تسبق الانتخابات التشريعية المقبلة، أكد المرزوقي أنها "لن تفرز حركات تصحيحية بقدر ما ستفرز احتجاجات فردية، ستتعلق بالأساس بمنح التزكية من الطرف الحزب"، "ففي كل دائرة سنجد محتجا غاضبا من قرارات الحزب"، حسب تعبيره. غياب النموذج من جهته قسَّم كمال الهشومي، أستاذ القانون العام، مسألة الحركات التصحيحية إلى قسمين، الأول مرتبط بالحركات التي تنبني على اختيارات الحزب التي يمكن أن تزيغ عنها القيادة الحزبية، أو نتيجة لغياب الديمقراطية الداخلية التي تجعل بعض مناضلي حزب معين يتدخلون ويعلنون حركة تصحيحية، لكن بأرضية مدققة تتضمن البدائل والمقاربات التي تؤكد نهجهم التصحيحي. في حين أن الشق الثاني، حسب المتحدث نفسه، متعلق بما هو ذاتي ومرحلي، مرتبط أساسا بالتوجه الشخصي الفرداني على مستوى الاستفادة من بعض المكتسبات التي يمكن أن يجنيها الحزب، خاصة خلال مرحلة الانتخابات، والمتعلقة بالمناصب والتزكيات، وإن كان يتم تغليفها بشعارات ومقاربات كبيرة ترتبط بكون الحزب لم يحترم الخط الحزبي أو الإيديولوجي الذي تعاقد عليه المؤتمرون. "حينما نستمع إلى آراء هؤلاء قد لا نجد في عمق طروحاتهم أشياء تتكلم عن البدائل بقدر ما يتحدثون عما هو مرتبط بمدى استفادتهم من المناصب التي قد يحصل عليها الحزب خلال الانتخابات"، يورد المتحدث ذاته. وأضاف الهشومي أن المغرب، وخلال تاريخه المعاصر، عرف انعداما لحركة تصحيحية نموذجية، "فجميع الحركات التصحيحية أدت إلى شرذمة الوضع الحزبي المغربي بعدد هائل من الأحزاب، وبتصورات قد تكون متشابهة، لكن بأسماء مختلفة"، حسب تعبيره. ولم يستبعد أستاذ القانون العام أن تعرف الأحزاب خلال فترة ما قبل 7 أكتوبر المقبل، موعد الانتخابات التشريعية القادمة، تشنجات وردود فعل بين المنخرطين، "طالما أن هناك ما يسمى اللائحة الوطنية للنساء، وكذلك اللائحة الوطنية للشباب، التي لم يتم الحسم فيها بعد، إضافة إلى صراع التزكيات التي يمكن أن تغضب أطرافا كثرا، وبالتالي يبدأ المخاض الاعتيادي للانتخابات". * صحافي متدرب