عزيزي القارئ، الآن وقد قررت تخصيص جزء من وقتك للاطلاع على زبدة هذا المقال فإنك مطالب بالتحلي بالكثير من الصبر. و خاصة على مستوى المقاطع الأولى لتجاوز غرائب لغوية نعيشها يوميا بآذاننا بالدرجة الأولى و ليس بأعيننا بما أن الصنف اللغوي المعني نتحدثه و لا نكتبه مبدئيا على غرار ما هو حاصل بباقي دول العالم العربي، و إذا عجزت عن تبين الملوثات المتضمنة في التصريحات أدناه ما عليك سوى الالتجاء إلى المفتاح الموجود في أسفل المقال. ففي مستهل فصل الخريف الماضي توقفت بوكالتي البنكية قصد الاستفسار بخصوص طلب كنت قد أودعته بالوكالة ذاتها قبل ذلك التاريخ بأيام قليلة. و بعد عملية تفقد لم تدم طويلا قال لي البنكي الشاب الذي تولى خدمتي بالحرف الواحد : "لادوماند ديالك تآنيلات أو ما عرفتش علاش، أودابا خاصنا نطريطيوها من جديد، و لكن المشكل اللي كاين هو أني ديكونيكطي دابا، أو غير نتكونيكطا غادي نعاود نلانصيها باش يتآفيشاو عندي لي دوني أو من بعد نآبريميهم ليك." حاولت في بداية حديث مخاطبي التدخل قصد مساعدته على اعتماد اختيارات معجمية لائقة تنسجم مع سياقنا العربي إلا أنه أمام توالي استعمال المصطلحات و الكلمات الفرنسية و خوفا من أن أنعت بالمتخلف كما حصل لي في مناسبة مماثلة سابقة فضلت عدم مقاطعته معتبرا في الوقت ذاته تأخر معالجة طلبي أمرا غير ذي أهمية مقارنة مع الكارثة اللغوية التي مازلت شاهدا عليها في هذا الزمن الرديء. و هكذا، و كما تلاحظ عزيزي القارئ، فهذا الإطار المغربي الحداثي منتوج أصيل لمنظومة تربوية مضحكة أخذ صانعوها في الاعتبار كل شيء إلا الجانب الهوياتي للمتعلمين حيث جعلت هؤلاء يتخبطون في متاهة من اللغات فكانت النتيجة بروز كائنات لا يمكن وضعها لا في خانة العرب و لا في خانة العجم و لا في خانة الهنود الحمر، كائنات تتحمل مسؤوليات متنوعة و هي مسلحة ببعض المدارك و التقنيات لكنها تتوفر على لسان يجسد "التجلويق" في أبشع معانيه. و قد أتفهم هذا السلوك اللغوي لو صدر من فرنسي مازال يتلعثم و هو يحاول امتلاك ناصية اللغة العربية أو من مغربي ولد و ترعرع ببلد فرنكوفوني و أصبح في وضع لا يسمح له بالفصل بين لغة والديه الفطرية و لغة بلد الاستقبال المكتسبة، أما أن يصدر من مغاربة لم يسبق للعديد منهم أن وطئوا أرضا أجنبية فهذا منتهى الاستلاب الثقافي و الحضاري. و المشكل القائم لا يعني المتخرجين من المدارس و الجامعات على اختلاف تخصصاتهم و مراتبهم فقط بل يعني الجميع، إذ أصبح من "الطبيعي" أن نسمع أو نستعمل عبارات من قبيل "البورطابل تديشارجا أو خاصو يتشارجا" أو "الشارجور خاصو يتبرانشا" أو" لوردي خاصو يتفورماطا" أو "السيدي خاصو يتكرافا" أو "الميساج خاصو يتسوبريما" أو " الفيشيي خاصو يطيليشارجا". أما عندما يوضع ميكروفون الإذاعة أو التلفزة أمام المارة بشارع ما فإنك لا تسمع سوى العجب العجاب دون أدنى تدخل من الصحافيين لحث المتحدثين على استعمال لغة مقبولة و كأن المغاربة فقدوا حتى القدرة على التعبير و إلى الأبد. فهذا طالب بسنة البكالوريا يصرح قائلا في موضوع الاستعداد للامتحانات :"احنا كانبريباريو و الكمال على الله"، و هذه طالبة جامعية تقول في الموضوع نفسه :"هاد الامتحانات كايبغيو بنادم يكون مكونسانتري مزيان"، و ذاك شاب يصرح قائلا بعد استفادته من دعم عمومي لمشروعه التجاري :"فكرت أنا أو صاحبي باش نكريييو شركة أو فعلا كريييناها"، و تلك مواطنة متذمرة من خدمات التعاضدية تقول :"هاد الناس ديال لاميتويال ما كايرانبورسيوش كلشي، أو هاد الشي كايسطريسيني." و يزداد الاستغراب أكثر عندما لا تجد وسائل الإعلام السمعية و المرئية في أيامنا هاته أية غضاضة في بث وصلة إشهارية يقول فيها أحد شخوصها بأن خدمات الشركة التي يعمل لحسابها "كاتآدابطا" مع حاجيات كل الزبناء. فهل أصبحت لغتنا عاجزة تماما عن التعبير حتى عن أبسط المدلولات و المفاهيم؟ إن الخليط المتضمن في كل التصريحات الواردة أعلاه ليس خليطا بالمعنى "العادي" المألوف (على الأقل لدى أبناء جيلي) حيث نجد نسبة معتبرة من عربية سليمة تجاور نسبة محدودة من فرنسية سليمة، بل الأمر هنا يتعلق بتشويه صريح و متعمد للغتين معا و إلا بماذا يمكن تبرير استعمال أفعال فرنسية بقوالب عربية مغربية؟ إننا أمام مأساة حضارية حقيقية ستجعل حتما من دارجتنا في المستقبل القريب لغة كرييولية لا تختلف في طبيعتها عن لغات جزر الهند الغربية و جزر الهند الشرقية التي تقوم على أساس خليط رسمي من لهجات محلية و لغات أوروبية، بل إن بعض هذه اللغات تحول فعلا إلى لغات دستورية و مدرسية لها قواميسها و قواعدها و ضوابطها. و بكل تأكيد، ما كانت الأمور لتصل إلى هذا المستوى من الانحطاط لو كانت التخصصات التقنية تدرس بالعربية بكل المستويات و بكل مراكز التكوين العمومية منها و الخصوصية، و لو كان هناك حسيب لغوي يراجع كل ما يعرض للجمهور من منشورات و لافتات و يافطات تجارية ... و حتى علب التعبئة، و لو كانت هناك ضمائر حية تسهر على ضمان الصفاء اللغوي بكل المحطات الإذاعية و القنوات التلفزيونية، و لو كانت كل المؤسسات العمومية و الشركات الكبرى تتوفر على قسم للتواصل يحترم لغة الشعب. و على الرغم مما هو حاصل مازال الكثير من الناس يصرون على اعتبار دارجتنا أقرب اللهجات العربية إلى الفصحى، و هذه مقاربة عاطفية لا يمكن أن تصدر إلا من أولئك الذين يعتكفون ببيوتهم و يحرصون على الاستماع لطرب الملحون و متابعة و إعادة متابعة "رمانة و برطال" و "احديدان" بشكل متواصل ، أما من يجس نبض المجتمع على نحو يومي فلا يمكن له إلا أن يتحسر على ما آل إليه وضعنا اللغوي و بالتالي واجهتنا الحضارية مع التخوف من أن يكون الأوان قد فات لتقويم ما اعوج . لقد نجحنا على ما يبدو في إنتاج الكثير من الإسمنت و الإسفلت لكننا لم نتردد أيضا في تشويه واحد من أهم مكونات هويتنا. و قد يقول قائل : المهم هو التعبير و إيصال الرسالة. هذا صحيح لو كانت كل أمم العالم تتصرف على نفس الشاكلة، أما أن نشكل الاستثناء إلى جانب شعوب أخرى بائسة تعاني هي أيضا من آفة "التجلويق" فهذا دليل على أن ثمة خللا ما. على كل المعنيين بإصلاح التعليم إذن ألا يفكروا فقط في إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية و ترميم السبورات و الكراسي و الطاولات و إعادة النظر في مضمون ما يدرس بل عليهم أيضا أن يحسموا و بشكل نهائي في مسألة لغة التعليم و التعلم و ذلك باعتماد لغة واحدة بكل المراحل الدراسية من التعليم الأولي إلى نهاية التعليم الجامعي الأساسي(أي إلى حدود مستوى الإجازة)، فتوحيد لسان تلامذتنا و طلبتنا (أي أطر و سواعد و نساء و رجال المستقبل) هو الطريق الأوحد لاستعادة انسجامنا والسبيل الأنجع للارتقاء بلغتنا بشقيها الفصيح و الدارج و حمايتها من التلوث الهائل الذي يطالها بما يكفل استمرار احتماء العامية بالفصحى و النهل منها و ليس من لغة أجنبية من المفترض ألا تحل محل لغتنا الوطنية و ألا يتعدى التعامل معها حدود الاستئناس أو الإفادة العلمية الصرفة هذا طبعا إذا كانت لهؤلاء المصلحين غيرة على هوية الأمة، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فعليهم على الأقل أن يكفوا عن التساؤل عن السر الكامن وراء فشلنا في تصدير أفلامنا و مسلسلاتنا و أغانينا إلى دول المشرق بل و حتى إلى أقرب دول المغرب العربي إلينا. مفتاح الملوثات اللغوية المعتمدة حسب ترتيب ظهورها: La demande – annuler – traiter – être déconnecté – se connecter – lancer – s'afficher – les données – imprimer – le portable – se décharger – charger – le chargeur – brancher – l'ordi(nateur) – formater – le CD – graver – le message – supprimer – fichier – télécharger - préparer – être concentré – créer – la mutuelle – rembourser – stresser – s'adapter.