أثار مقال الروائي ووزير الثقافة السابق، بنسالم حميش، حول المفكر الجزائري الراحل، محمد أركون، امتعاض أرملته ثريا يعقوبي أركون، مغربية الجنسية، ورفيقة وبوصلة درب أحد أيقونات الفكر العربي، الذي ولد في بلدة تاوريرت في منطقة تيزي أوزو الجزائرية، ولكنه ظل قيد حياته عاشقا لمدينة مغربية تحمل نفس الاسم. وردت أرملة أركون، في مقال توصلت به هسبريس، على ما دبجه حميش في مقال سابق نشرته هسبريس بعنوان "أركون بين الاختزال والافتراء"، مبدية استغرابها من هجوم صاحب "مجنون الحكم" على أستاذه أركون، بحسب تعبيرها، مضيفة أن التعرض لاسم أركون بداعي الشهرة تصرف خسيس". وفيما يلي نص مقال ثريا يعقوبي أرملة الراحل أركون، كما وصل إلى الجريدة باللغة الفرنسية، ومترجما إلى العربية. غريب تصرّف بنسالم حميش تجاه أستاذه! أصبتُ حقاً بالدهشة والذهول بعد أن اطّلعتُ على الهجوم الذي شنّه بعنف بنسالم حميش ضدّ محمد أركون على صفحتكم الإلكترونية، كما على إحدى شاشات التلفزة. لذا رأيتُ من الواجب عليّ التدخّل لكي أبدي بعض الإشارات التي فاته أن يذكرها، وذلك لتحذير القرّاء من الضياع في فرضيات ومغالطات وردت في هذا المقال المهين والجبان وغير المقبول، خاصة أن كاتبه يُسمّى مثقفا. لماذا امتنع صاحب المقال عن التعبير عن آرائه يوم كان أستاذه على قيد الحياة؟ لماذا حجب هذه الآراء يوم حضر جنازة أركون وتصدّر المقاعد الأولى في 17 أيلول 2010؟ لماذا أعلن أمام عدسات التلفزة ما أوجزته الصحافة كالآتي: "على هامش مراسم دفن المرحوم أركون في مدافن "الشهداء"، صرّح وزير الثقافة بنسالم حميش بأن أركون قد دافع عن المفاهيم الفكرية الكبرى، لذا من الحكمة بما كان القيام بترجمة أعماله لكي نسمح لأكبر عدد من القرّاء من الاستفادة من فكره؛ كما أعلن عزم وزارة الثقافة تنظيم مؤتمر كبير حول فكره في إطار المعرض الدولي للنشر والكتاب، المنعقد في الدارالبيضاء، يستدعى له عدد لا بأس به من الأخصائيين، لتخليد ذكرى أركون والاستفادة مما أنتجه من فكر". من الجدير ذكره أن كل ما تمّ إنجازه من وعود يمكن حصره في إطلاق اسم محمد أركون على إحدى قاعات المحاضرات خلال أعمال المعرض الدولي للنشر والكتاب، لا أكثر. إذا عمّقنا النظر، يمكن القول إن الكراهية التي يظهرها حميش تعود إلى زمن بعيد! في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، جاء السيد حميش لتسجيل أطروحته مع محمد أركون، هذه الأطروحة التي لم يتمكن يوماً من إنجازها، نظراً لعدم مثابرته في العمل. تجدر الإشارة إلى أني عثرت بين مراسلات أركون على نص كتبه حميش إلى أستاذه يعتذر فيه عن تغيبه المتكرر.. ومن الضروري أن أذكّر هنا بمزايا أركون الأستاذ، الذي عُرف بدقّته وانضباطه وتشدّده في تطبيق القواعد العلمية الصارمة، وهذا ما يشهد عليه اليوم طلابه الكُثر في العالم. إن الانقلاب في المواقف الذي نشهده اليوم يبدو أنه نوع من تصفية الحسابات أكثر من كونه نشاطاً فكرياً؛ إذ إن هذا الموقف غير المبرّر، والذي جاء متأخراً، لم يمرّ مرور الكرام على مستخدمي الإنترنت، الذين اطّلعوا على ما نشره حميش، ودونوا ملاحظاتهم، وأشاروا إلى دوافع واضحة أدّت به إلى كتابة ما كتب، وأنا لست هنا في وارد الرد عليها. ليس الوقت مناسباً الآن للتوقف عند أعمال أركون والدفاع عن قيمتها وبعدها العلمي المعترف به عالمياً من قبل نظرائه في الفكر. إن الدافع للتعرّض إلى اسم أستاذ معروف مثل محمد أركون، بهدف اكتساب سمعة ما أو شهرة خاصة، يُعتبر أمراً خسيساً. كما أن اتهام أركون بعدم تمكّنه من اللغة العربية يعتبر ضرباً من الهذيان، إذ إنه حائز على إجازة التبريز في اللغة العربية قبل أن يتعلّم حميش الكتابة. هذا عدا افتراءات وادعاءات أخرى وردت في نصه، وهي باطلة كل البطلان. من هنا يمكننا أن نسأل عن المستوى الأخلاقي وعن المصداقية التي يتمتّع بها هذا المثقف الذي يدلي بتصريح رسمي علني في العام 2010 ويتراجع عنه ليقول العكس تماماً في 2016. أرى من المفيد أن نلقي نظرة ولو سريعة على أبرز ما ورد في الصحف حول شخصه وما قام به: "لم يسبق لوزير ثقافة أن نال هذا القدر من النقد في المغرب.. ثلاث روابط للفنانين والمثقفين تنتقده علناً وتتهمه ب"تراجع المنح، وانعدام التشاور، وافتقاد الرؤية...". الإكونوميست، الأول من أبريل 2011. "لقد ترك حميش حقلاً من الخراب من ورائه". شالنج، 10 يناير 2013. "ومع شعار "ارحل يا حميش"، عبّر الفنانون والكتّاب عن استيائهم منه، انتقدوه بسبب تراجع المساعدات المالية، والوقوع في حصر مجمل السلطات في شخصه، وغياب الرؤية في ما يخصّ القطاع الثقافي..إنها مسألة مال لا أكثر بالنسبة إلى الوزارة". هل وصلنا إلى ما لا بدّ من وقوعه؟ انفجر الوضع حقاً بين وزير الثقافة، بنسالم حميش، وجماعة المثقفين المغاربة: المبدعون، والفنانون، والكتاب، والشعراء، والرسامون...إن اليد الحديدية التي بدأت تضرب منذ أشهر لم تسترح بعد. تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الثقافة المغربية التي نجد فيها هذا الكم من الانتقاد والمجابهة في وجه وزارة الوصاية، وذلك تحت شعار مستفز: "ارحل يا حميش". التظاهرة الأخيرة لثورة المثقفين، والاعتصام الاحتجاجي الذي نظموه أمام مبنى الوزارة في الرباط، تداعى إليه ثلاثة من المكونات الرئيسة للثقافة في المغرب: اتحاد كتاب المغرب، والائتلاف المغربي للفنون والثقافة، وبيت الشعر.. الجميع انتقد بشدّة الوزارة وقاطعوا معرض الكتاب في شهر فبراير". الاكونوميست، 18 مارس 2011 الدارالبيضاء، في 29 فبراير 2016 توريا يعقوبي أركون