أصبحت السياسة كالعاهرة بهذا البلد يضاجعها كل من هب ودب، النكرات تحولوا إلى زعماء والأشباح إلى إخوان وأعضاء ورفاق. وكل الأحزاب دون استثناء من يمين ويسار اشتراكي وشيوعي وديموقراطي واستقلالي وإسلامي متذبذبة قادتها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء داخل بلد يبدو كغابة شعب بداخلها يحترق. إن هذا الشعب منذ حصول المغرب على استقلاله وهو مستسلم رقبته للنحر كأضحية العيد، ضحية قادة أحزاب ونقابات قدامى وحدد همهم الوحيد الصراع على السلطة دون توقف الكل يسارع إلى الالتحاق بقافلة المنافع والمصالح الخاصة التي انطلقت صوب مراكز القرار والهرم السلطوي، فإذا تجاوزنا كل الشعارات الجاهزة التي يستعملونها ليبرهنوا على حسن نواياهم المزيفة، نجد أن الأذيال والأتباع والإخوان ورفاق الفترات المليئة بالأفراح والمسرات لم يرو في أحزابهم سوى وسيلة للوصول إلى السلطة ومنافع الحكم، هذا استثنينا قلة الشرفاء الذين فضلوا الابتعاد عن الأحزاب والسياسة ليتفرغوا لأعمالهم والشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن واقصد رجال الجيش الذين ماتوا بعد العذاب في سجون الجزائر والبوليزاريو ، أن برامج الأحزاب تتشابه وتتداخل بصفة ثانوية لاستقطاب السذج من هذا الشعب بعد توهيمهم بالتسيير والعضوية والحماية والانتفاع. إن كل الأحزاب غارقة في النزاعات والصراعات فيما بينها على السلطة وفقا وتماشيا مع قاعدة اللعبة المعتادة والقديمة من عهد عدي أو بيهي الذي حاول إيقاف المد الاستقلالي حين أقدم في الخمسينات على إغلاق مقر حزب الاستقلال بمدينة ميدلت واعتقل العشرات دون تمييز بين المدني والشرطي والقاضي وزج بهم جميعا في السجن مستغلا نفوذه كعامل للإقليم آنذاك وكما استعمل حزب الشورى والاستقلال لمقاومة توغل حزب الاستقلال وحدث هذا في غياب ملك البلاد وبعد اعتقاله برر عدي اوبيهي تمرده بالدفاع وحمايته من دسائس الحكومة التي صورها بأنها مليئة بالذئاب والخونة الانتهازيين وصفق لهذا التمرد أقاربه وأنصاره وعضوين من الحكومة آنذاك. وهما اليوم زعماء ورؤساء أحزاب، الذين لم يعجبهم رد فعل حلفائهم وكان هذا الثنائي داخل الحكومة إبان انتفاضة ميدلت والريش التي أشعل نارها عدي اوبيهي بعد حصوله على السلاح من فرنسا، وحفاظا على أمن وسلامة البلاد والعباد اتخذ ولي العهد الحسن الثاني رحمه الله في غياب والده قرارا وأرسل كتائب من الجيش لإعادة النظام بمدن الريش وميدلت وبعد استسلام العامل المتمرد عدي اوبيهي وخلال ستة أشهر التي تلت استسلامه أسكنه الملك في قصر الرباط واحتفظ بحليفه لحسن اليوسي إلى أن فر إلى إسبانيا في فترة المحاكمة وحوكم عدي اوبيهي بالإعدام وتوفي في يناير 1961 بالسجن وأدانت المحكمة وقتها أوليهي شقيق المحجوبي احرضان هذا الأخير اضطر وزير الداخلية لمحمدي الذي كان صديقا حميما له إلى إقالته من مهامه كعامل للإقليم لأن نشاطه السياسي المقبل لا يتلائم مع وظيفته التي يحتلها كعامل وبعد صناعته تحول احرضان إلى رجل سياسي وتفرغ للعمل السياسي وأعلن بعدها في ندوة صحفية تبنيه للحزب الجديد ذلك الذي لم يكن يتوفر لا على برنامج ولا اعتراف قانوني، وتفرغ الكل لطبخ مشروع الحزب الجديد في الخفاء إلى غاية أبريل 1958 حيث أيد الوزير الأول البكاي ملتمسا موقعا من طرف الخطيب والوزاني واحرضان وكان محور الملتمس عبارة عن عملية نصب على الوطن والشعب ويتضمن المحور الاحتجاج ضد عدم تمتع المغاربة بحقهم في تأسيس الجمعيات، واقتربت الانتخابات البلدية والقروية وكان الرهان الحقيقي لعملية الملتمس هو الاعتراف بشرعية الحركة الشعبية وتبين أن الملتمس والطلب كانا عبارة عن قنطرة عبور وسلم استعمل لتسهيل عملية الصعود وبعدها شارك هذا الحزب في الانتخابات وبتحالف ساند الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قصد معاكسة مرشحي حزب الاستقلال، وبعد تكوين الحكومة في شهر يونيو 1961 عين المحجوبي وزيرا للدفاع والخطيب وزير الدولة المكلف بالشؤون الأفريقية ومنذ ذلك الوقت والمخزن يسعى إلى الحفاظ على التوازن بين جميع التشكيلات السياسية كي لا يتقوى أي حزب أكثر من اللازم وكما عمل كذلك جادا على أن لا يختفي أي حزب بصفة نهائية يساريا كان أو يمينيا مواليا أو معارضا، إيمانا ودراية منه باللعبة وتماشيا مع قاعدة اللعبة السياسية بالمغرب بين الأحزاب والنقابات والمنظمات، كما يدرك المخزن جيدا ثقافة نخبة من المجتمع السياسي التي تسعى إلى تكوين أنساق من القيم الواضحة ومغرب ديموقراطي ولو أنه من الصعب إدراك أي نسق من القيم الايديولوجية يرتبط به أسلوب أي نخبة سياسية بهذا البلد، حيث لا توجد قيم عملية مرنة وضمنية وصلبة باستثناء نماذج الشعارات والألسن الخشبية التقليدية التي يستعملونها في المناسبات لبلوغ أهدافهم وهو تكتيك مقصود يستعمله رؤساء الأحزاب والنقابات قادة الأحزاب والنقابات. هؤلاء ليسوا بقادة ولا بزعماء بل ذئاب عندما تجوع تفترس بعضها البعض، لكن طاحونة الزمن تدور وسيأتي الدور لا محالة ودوار أنت يا زمان.