قرر المغرب إرجاء حقه في تنظيم دورة عادية للقمة العربية. القمة، كما هو معلوم، كان مزمعا عقدها في مدينة مراكش الأسبوع الأول من شهر أبريل المقبل. إذا كانت هناك من حسنة لقرار المغرب هذا، فإنها حسنة إعادة إثارته للأسئلة الحارقة حول الجدوى من عقد القمم العربية، خصوصا بعد المرحلة التي أطلق عليه، زورا وبهتانا، مرحلة الربيع العربي. هل أصبحنا فعلا أمام مؤتمرات للقمم العربية؟ هل تشارك كل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في صنع القرارات الصادرة عن القمم، وتكون لكل دولة، على حدة، كلمتها المسموعة قبل المصادقة على كل القرارات وإقرارها؟ هل المؤتمرات التي انعقدت في الدورات الأخيرة صبّت، بالقرارات التي نتجت عنها، في صالح الشعوب العربية؟ هل هيأت الأجواء والمناخ المناسب لتوطيد التضامن العربي وتقويته؟ هل ساهمت في تعزيز التعاون العربي وتطويره؟ هل وضعية العالم العربي تتحسن وتتطور وتتقدم خطوات إلى الأمام، عقب عقد كل قمة عربية، الأمر الذي يجعل الإنسان العربي حريصا على عقد القمم ومتلهفا لها؟؟؟ أظن أن المرء لا يجانب الصواب إذا قال بأن الجامعة العربية أصبحت في وقتنا الحاضر مؤسسة تابعة بالكامل لوزارة الخارجية السعودية، يجوز القول أن الجامعة أضحت كأنها ملحقة من ملحقات وزارة السيد عادل الجبير، فما تريده الرياض، تتفق عليه مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتأتي لفرضه على العرب في مؤتمرات القمة التي يعقدونها. لقد رفعت السعودية شعار: من ليس معنا فهو ضدنا، وبذلك لم تعد الدول العربية، في أغلبيتها المطلقة، تجرؤ على أن تقول لا، لأي قرار ترتضيه السعودية. بالمال الوفير الذي تتوفر عليه، وبالإمبراطورية الإعلامية الجبارة التي تمتلكها، وبالفتاوى الدينية التي تصدر عن فقهائها، ومع غياب دول في حجمها لتنافسها في دورها، صارت السعودية، نتيجة لذلك، متحكمة في مصير العالم العربي، وهي التي تملي على دوله القرارات التي تريد تمريرها عبر الجامعة العربية. وهكذا عاينّا تهيئة الظروف المناسبة في قمة عربية للناتو للتدخل في ليبيا، وتدمير دولتها، وتسليمها للميليشيات المتطرفة وللفوضى، وشاهدنا كيف أن القمة العربية طردت سورية من جامعة الدول العربية، وهي دولة مؤسسة لها. لقد حصل الطرد، رغم أن سورية ما زالت عضوا في هيئة الأممالمتحدة، وما زال ممثلها هناك بشار الجعفري يصول ويجول، مدافعا عن وجهة نظر دمشق أمام ممثلي كافة دول العالم. ووقفنا على دعم من الأنظمة العربية للتدخل العسكري السعودي في اليمن، وحرْق هذا البلد، وتشريد شعبه، وفرض الحصار عليه، برا وجوا وبحرا، ناهيك عما فعلته القمم العربية بالعراق.. يفترض في القمم العربية أن تكون مجالا للنقاش والحوار بين الأشقاء العرب، وأن تتم اللقاءات بين القادة العرب في إطار تطبعه المحبة، والأخوة، والمساواة بين الأقطار، والرغبة المخلصة في التعاون بين الحكام، وأن يكون هاجسهم الأساسي والأول، هو فض الخلافات والنزاعات القائمة بينهم، بالطرق السلمية، لتعزيز تضامنهم، وقدرتهم على مواجهة الأخطار المحدقة بهم من جميع الجهات.. لكن عندما تصبح القمم مناسبات لتصفية الحسابات، وحبك المؤامرات، وإعداد الخطط السوداء، سلفا قبل الدخول لقاعات الاجتماعات، ووضع تلك الخطط على الطاولة، لإعطائها الطابع الرسمي العربي، وتقديمها في طبق من ذهب للغرب ولأمريكا، للتدخل بناء عليها، في شؤون دول عربية بعينها، وشن الحروب عليها، وتدميرها، كما جرى في العراق، وسورية، واليمن، وليبيا.. تصبح القمم، في هذه الحالة، وبالا على الشعوب العربية، وتتنافى مع تطلعاتها، وتضرب في العمق رغبتها في التحرر من الهيمنة الأجنبية، وتقرير مصيرها بنفسها. كان الرأي العالم العربي ينظر في زمن مضى، بلامبالاة إلى قرارات القمم العربية، خاصة تلك المتعلقة بمساندة الشعب الفلسطيني، ونضاله من أجل استرداد أرضه، وحقوقه المغتصبة من طرف دولة الكيان الصهيوني، لأنها كانت قرارات تصدر، بلا أظافر ولا أنياب، وتظل حبرا على ورق، وبلا تفعيل في الواقع، ولذلك لم يكن هنالك اهتمام بقرارات القمم وبتواريخ وأمكنة انعقادها. غير أن الوضع تغير في القمم الأخيرة، الجمهور العربي أصبح مع كل قمة عربية تعقد، لا يظل غير مبال تجاه عقدها، صار يضع يده على قلبه والخوف يسيطر عليه، متوقعا أن القمة ستُصدر قرارات ذات انعكاسات خطيرة على حاضره ومستقبله. في الدورات الأخيرة، باتت كل قمة عربية تُعقد، تجلب معها كارثة من الكوارث للعالم العربي، حتى أصبحت كل كارثة تنسينا في الكارثة التي سبقتها، وتحولت الخريطة العربية في أجزاء واسعة إلى كتل من النيران المشتعلة التي تلتهم الأخضر واليابس الموجود فوق بساطها. فهل سيتم في القمة العربية المقبلة التي قد تعقد في موريتانيا استصدار قرار من السعودية والدول الخليجية يجيز تدخلا عسكريا بريا في سورية، وفرضا لعقوبات على لبنان، بدعوى خروجه عن الإجماع العربي، بما قد يؤدي إلى تفجيره، وإضرام نار حرب أهلية طاحنة بين أبنائه، انتقاما منه على انتصاره بمقاومته على الكيان الصهيوني؟؟؟ قمة عربية قد تتخذ مثل هذه القرارات، يكون عدم عقدها، أفضل من عقدها مئات المرات، باتت قمة لا تنفع، وإنما تضر فقط..