في أول اجتماع ترأسه رئيس الحكومة إلى جانب وزيري العدل والداخلية مع رؤساء بعض الأحزاب الكبرى للتحضير للانتخابات التشريعية القادمة، اقترح نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الاحتفاظ بسقف 6 % بالنسبة للعتبة الانتخابية، الشيء الذي دعمه الأمين العام لحزب الاستقلال، بينما طالب إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بإلغاء هذه العتبة. ولعل هذا ما يفتح المجال من جديد لفصل آخر من الجدل السياسي بين مكونات المشهد السياسي الحزبية حول تحديد سقف للعتبة الانتخابية، على غرار ما حدث في الانتخابات التي سبقت دستور فاتح يوليوز 2011، أو الاستحقاقات التي تلت تفعيل مقتضيات هذا الأخير، والتي تميزت باحتدام الجدل بين الأحزاب الكبرى والصغرى بشأن تحديد سقف العتبة الانتخابية. -الرفع من العتبة والانتخابات الجماعية ل 2009 بعد نسبة العزوف غير المسبوقة التي عرفتها انتخابات 2007، رغم كل الجهود التي بذلتها السلطة من أجل توسيع نسبة المشاركة، بما في ذلك عملية التسويق التي قامت جمعية "دابا" لنور الدين عيوش، تم التفكير في إعادة هيكلة المشهد الحزبي من خلال التقليص من عدد الأحزاب الصغرى. وفي هذا السياق تم الرفع من نظام العتبة من 3 في المائة إلى 6 في المائة في الانتخابات الجماعية لسنة 2009؛ مما أثار سخط زعماء الأحزاب الصغرى على هذا الإجراء، الذي اعتبر نوعا من الإقصاء السياسي، ويتناقض مع مبدأ التعددية الحزبية. وقد عكست بعض الصحف مظاهر هذا السخط، إذ ورد في يومية المساء سؤال ما مصير الأحزاب الصغرى في الانتخابات الجماعية القادمة بعد التعديلات الأخيرة في الميثاق الجماعي، التي قضت برفع نظام العتبة من 3 في المائة إلى 6 في المائة من أصوات الناخبين لتشكيل مجالس المدن والمقاطعات خلال الانتخابات الجماعية؟ رد الأمين العام لحزب القوات المواطنة والحزب العمالي بما يلي: (قال عبد الرحيم الحجوجي، الأمين العام لحزب القوات المواطنة، إن الضرورة تقتضي اليوم إلغاء هذا النظام الذي يحصر العتبة في 6 في المائة، لأن الهواجس التي تحكمت في إقراره لها صلة بضبط الأحزاب الصغرى والحد من حركيتها وتمثيليتها، مشيرا في هذا السياق إلى أن مثل هذه التعديلات لا تخدم التعددية المطلوبة في المشهد الحزبي بالمغرب، خاصة مع وجود إرادة سياسية تدفع في اتجاه تخليق الحياة العامة. وفيما يبقى الحل بالنسبة إلى الحجوجي هو العودة إلى النظام السابق الذي يحصر العتبة في 3 في المائة، باعتبار هذا النظام يسمح للمغاربة بالتعرف، عن قرب، على برامج الهيئات السياسية بدون إقصاء لأي طرف... فالعائق الذي يحول دون تكوين أقطاب سياسية منسجمة فكريا وإيديولوجيا، بالنسبة إلى بنعتيق، هو ذاك المرتبط بعدم وجود نظام انتخابي في دورتين، الأولى تكون للتعريف ببرامج جميع الأحزاب، فيما الدورة الثانية تخصص لتحالفات حزبية على أساس التقارب الفكري والإيديولوجي، وليس على أساس الولاءات المصلحية الضيقة، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة تمكين المنتخبين في المجالس المحلية من صلاحيات تساعدهم على تنزيل برامجهم التي على أساسها تم التصويت عليهم. وحذر بنعتيق من اختزال وظيفة الأحزاب في الترشح للانتخابات، وقال إن هناك وظيفة أسمى للأحزاب، وهي وظيفة التأطير السياسي للمواطنين). (1). -الرفع من العتبة والانتخابات التشريعية ل2012 تكرر تعبير زعماء الأحزاب الصغرى عن سخطهم قبيل الاستحقاقات الانتخابية التي أطرها دستور فاتح يوليوز 2011 الصادر في سياق تداعيات الحراك السياسي الذي تزعمته حركة 20 فبراير بكل أطيافها الشعبية والسياسية. وخلف مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، الذي سلمه وزير الداخلية مولاي الطيب الشرقاوي، يوم الخميس الماضي، إلى الأحزاب السياسية، حالة من الاستياء في صفوف الأحزاب الصغرى. وشن شاكر أشهبار، الأمين العام لحزب التجديد والإنصاف، هجوما حادا على وزارة الداخلية، متهما إياها ب"التواطؤ" مع ما أسماها الأحزاب الكبرى المهيمنة، والعمل على تكريس هيمنتها على المشهد الحزبي عن طريق إجراءات قانونية "لآخر ساعة"، مشيرا إلى أن حزبه لن يقبل بمشروع القانون التنظيمي للغرفة الأولى في صيغته الحالية، الذي وصفه ب"الإقصائي". وقال أشهبار ل"المساء": "حينما يطلب منا التقدم بآرائنا، دون أن تؤخذ بعين الاعتبار، فيما يتم الأخذ باقتراحات أحزاب أخرى خلال اجتماعات ثنائية، وحينما يتم إسقاط اتحادات الأحزاب من مشروع القانون التنظيمي للأحزاب، الذي لم يرد في أي مذكرة من مذكرات الأحزاب المقدمة إلى الداخلية، وإنما جاء خدمة لمصلحة أحزاب ليس من مصلحتها الذهاب إلى الانتخابات في وجود اتحادات حزبية تجهض حلمها في رئاسة الحكومة.. ألا يمكن أن نسمي ذلك تواطؤا من الداخلية". وأضاف أن "إقرار عتبة 6 في المائة يحمل معنى واحدا هو أننا غير معنيين بما يجري، وأنه لا مجال لدعوتنا إلى مناقشة القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية. واختصارا، يريدون إشراكنا لتزكية الأمر الواقع المفروض من طرف بعض الأحزاب المهيمنة التي تتقن لعبة الضغط في مفاوضاتها مع وزارة الداخلية". وسجل المصدر ذاته أن المشروع لم يبذل أي مجهود في ما يخص شروط الترشيح، التي تجعل البرلماني القادم مؤهلا للعب أدوار كبرى في ظل الدستور الجديد، إذ لم ينص على أي مستوى ثقافي ينبغي توفره في النائب البرلماني؛ كما أنه لم يربط التعويض المخصص للبرلمانيين بالمشاركة في الحياة البرلمانية. إلى ذلك، اعتبر مولاي أحمد العراقي، القيادي في الحزب الاشتراكي، أن المشروع يبقي على ما يسمح للفئات المهيمنة بالعودة من جديد، معتبرا في اتصال مع "المساء" أن الخطر الكبير بالنسبة إلى المستقبل هو البقاء على الحال القديم، مع الادعاء بأن هناك تغييرا يروم إعادة النظر في التوجهات الكبرى. وقال إنه بالرغم من بعض الإيجابيات التي حملها المشروع، من قبيل التصويت بالبطاقة الوطنية ومحاسبة المنتخبين، فإن "روح القانون تبقى دائما خاضعة لعقلية تقليدية من الصعب أن نعتبرها كافية لبلوغ الأهداف المنشودة"، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي قوة سياسية خلال شهرين أو ثلاثة أشهر أن تقنع المواطن بالتخلي عن العزوف أو التصويت لصالحها. واعتبر مولاي أحمد العراقي أن الإسراع بتنظيم الانتخابات من شأنه أن يسمح لمن يمتلك الإمكانات المادية والمعنوية بالعودة من جديد، مشيرا إلى أن الإبقاء على سقف العتبة في 6 في المائة يقصي بالضرورة الأحزاب التي لا تتوفر على الإمكانات الكافية ...).(2) وعلى الرغم من محاولة وزارة الداخلية التقريب بين وجهات نظر الأحزاب الكبرى والصغرى في ما يتعلق بالعتبة، فقد بقي الخلاف قائما بين الطرفين، إذ تشبث كل طرف بموقفه انطلاقا من رهاناته السياسية وحساباته الانتخابية. وكتب أحد المتتبعين بهذا الصدد ما يلي: (تأجل الحسم في مسألة العتبة، إلى تاريخ لاحق، بسبب استمرار الخلاف بين الأحزاب "الكبرى"، من جهة، وتلك التي تُصنف في خانة الأحزاب"الصغرى"، من جهة أخرى . ولم يؤد اجتماع الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية، بزعماء وممثلي الأحزاب مساء السبت الماضي، إلى التوافق حول العتبة، بسبب تشبث الأحزاب بمواقفها"المبدئية" من هذه المسألة، إذ جددت قيادات الأحزاب الصغرى موقفها الرافض للعتبة، فيما لم تُبد قيادات الأحزاب الكبرى أي استعداد للتنازل عن دعوتها إلى إقرار عتبة محددة لنيل المقاعد، وطنيا .. بدأ الصراع خفيا بين الأحزاب الكبرى والصغرى، حول العتبة، قبل أن تبدأ المشاورات بين القوى السياسية والداخلية بشأن التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ولكن سرعان ما ظهرت الخلافات إلى العلن، مع بدء هذه المشاورات، في ظل دعوات عدد من الهيآت السياسية إلى تبني عتبة لا تقل عن 6 في المائة، بل إن بعض الأحزاب استماتت في الدفاع عن عتبة 8 في المائة، ما تسبب في انتفاضة الأحزاب الصغرى. وتعتبر الأحزاب الكبرى أن فرض عتبة 6 في المائة، على الأقل، يندرج في سياق عقلنة المشهد السياسي، ومحاربة البلقنة، غير أن استماتتها في الدفاع عن العتبة يستند، بالخصوص، إلى نسب الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية الماضية، التي تمنحها الثقة في تحسينها، والحصول على نتائج أفضل، يجعلها تتجاوز نسبة 6 في المائة من الأصوات، غير أن الأحزاب الصغرى تعتبر أن تحديد العتبة محاولة لإقصائها من التباري، ومن المقاعد، وسعي إلى فرض إلغائها من منطلق أن الدستور الجديد يجب أن يكون فاتحة لضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين كل القوى السياسية .. وسبق لثلاثة أحزاب سياسية، هي الحركة الاجتماعية الديمقراطية، والعهد الديمقراطي، والشعب، أن أصدرت، في الفترة الأخيرة، بيانا أكدت فيه رفضها للعتبة الانتخابية، في ما يخص اللائحة الوطنية والتمويل العمومي للأحزاب، معتبرة هذا الإجراء إقصائيا في حق أغلبية الأحزاب الوطنية، ولا يخدم المرحلة الانتقالية الحاسمة التي يعيشها المغرب ...) (3). لكن يبدو أنه على الرغم من انتقاد أمناء الأحزاب الصغرى لهذا الإجراء (4)، فقد تمت المصادقة على القانون التنظيمي لمجلس النواب من خلال التوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين، إذ احتفظ بنسبة العتبة في 6 في المائة بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية المحلية، و3 في المائة بالنسبة إلى الانتخاب على مستوى الدائرة الانتخابية الوطنية (5). وفي ظل هذا الوضع، عبأت الأحزاب الصغرى كل إمكانياتها لتغطية الدوائر الانتخابية. وصرح لحسن مديح، الأمين العام للوسط الاجتماعي، بأن "الحزب عمل على تغطية ما يعادل 50 في المائة من الدوائر"؛ في حين صرح أحمد فطري، الأمين العام للوحدة والديمقراطية، لموقع "إيلاف"، بأن "الحزب غطى فقط 40 في المائة من الدوائر الانتخابية بسبب قلة الوسائل"، موضحا أن حزب الوحدة والديمقراطية "لديه مرشحون يتوفرون على حظوظ كبيرة جدا للفوز بعدد من المقاعد البرلمانية"، مضيفا: "نحن نثق بالشعب المغربي لأن هناك وعي لدى مجموعة كبير من المواطنين، الذين يؤمنون بالتغيير وينتظرونه"، مشيرا إلى أن "الحزب قام بحملة في عدة مناطق في المملكة، ويراهن على مرشحيه، الذين يتمتعون بمستويات ثقافية عالية"". لكن رغم كل هذه التصريحات والجهود التي بذلتها هذه الأحزاب فإن نتائج الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2012 كرست قوة الأحزاب الكبرى التي فازت بأغلبية المقاعد البرلمانية، إذ حصل حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب107 مقاعد، وحزب الاستقلال بالمرتبة الثانية ب60 مقعدا، وحزب التجمع الوطني للأحرار بالمرتبة الثالثة ب52 مقعدا، وحزب الأصالة والمعاصرة بالمرتبة الرابعة ب47 مقعدا؛ بينما احتل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المرتبة الخامسة ب39 مقعدا، والحركة الشعبية الرتبة السادسة ب32 مقعدا، والرتبة السابعة كانت لحزب الاتحاد الدستوري ب23 مقعدا. وجاء في الرتبة الثامنة حزب التقدم والاشتراكية ب18 مقعدا؛ في حين اقتسمت الأحزاب الصغرى باقي المقاعد بواقع أربعة مقاعد للحزب العمالي، ومقعدين لكل من الحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب البيئة والتنمية المستدامة، والتجديد والإنصاف، والعهد الديمقراطي؛ في حين حصل كل من اليسار الأخضر والحرية والعدالة الاجتماعية على مقعد واحد، ليكون مجموع ما حصلت عليه هذه الأحزاب الصغرى 14 مقعدا من أصل 325 مقعدا برلمانيا، أي بنسبة 1.4 بالمائة؛ في حين بقيت باقي الأحزاب الصغرى تغرد خارج البرلمان. *** الهوامش 1- المساء بتاريخ 20 – 03 – 2009 2- عادل نجدي - الأحزاب الصغرى تثور في وجه الشرقاوي وتتهمه ب"التواطؤ" مع الأحزاب الكبرى.المساء بتاريخ 26 يوليوز2011 تجدر الإشارة إلى أن بعض قياديي هذه الأحزاب اقترحوا تخفيض نسبة العتبة إلى 3 بالمائة، إذ أشار محمد خليدي، أمين عام حزب النهضة والفضيلة، إلى إن الحزب يقترح تخفيض عتبة الحصول على المقاعد البرلمانية إلى 3 في المائة، عوض 6 في المائة الحالية، مضيفا أن الأحزاب المهيمنة سعت إلى إقصاء عدد من الأحزاب الأخرى من خلال فرض 6 في المائة، وهو أمر لم يعد مقبولا، خاصة أن العديد منها يعتمد على أصحاب المال للفوز بأكبر عدد من المقاعد. ودعا خليدي إلى إلغاء العتبة بالنسبة إلى الحصول على الدعم العمومي، مؤكدا أن فرضها شرط غير ديمقراطي، يقصى أحزابا من الحصول على الدعم. وشدد خليدي على أن مبدأ الإنصاف يقتضي استفادة كل الأحزاب من الدعم وفق مسطرة محددة.الصباح بتاريخ 18 غشت 2011 3- جمال بورفيسي - العتبة تثير خلافات بين الأحزاب الكبرى ترى في عتبة 6 في المائة عقلنة للمشهد السياسي والصغرى تعتبرها إقصاء الصباح بتاريخ 18 غشت 2011. 4- أكد أشهبار أن حزبه سينسق مع حلفائه من أجل اتخاذ موقف موحد بخصوص مشروع القانون التنظيمي للغرفة الأولى. 5- صادق مجلس النواب، بالأغلبية، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس ذاته. وتميزت جلسة التصويت بمعارضة حزب العدالة والتنمية للمشروع، إذ صوت 26 نائبا ضده؛ فيما حظي بموافقة 46 نائبا، وامتناع نائب واحد عن التصويت. وقال لحسن الداودي، رئيس فريق العدالة والتنمية بالمجلس، إن الفريق صوت ضد المشروع، لأنه يشكل تراجعا مقارنة مع المشروع المعتمد في 2007، وإنه إذا كان الفريق صوت ضده في الانتخابات الماضية، فالأحرى ألا يُصوت لصالح المشروع المؤطر للانتخابات المقبلة. وأضاف الداودي، في تصريح ل"الصباح"، أن المشروع يزكي البلقنة والفساد، مستنكرا الزوبعة التي أثارتها المادة الخامسة المتعلقة باللائحة الوطنية، والتي كانت السبب في تأجيل جلسة التصويت في اللجنة المختصة عدة مرات. وتأسف الداودي لرفض الحكومة قبول التعديلات الجوهرية التي اقترحها الفريق، خاصة إشراك أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في اللائحة الوطنية، وتمكينهم من التصويت في بلد الإقامة، عوض اللجوء إلى التصويت بالوكالة. وقال الداودي إنه من المؤسف ألا تراعي الحكومة وضعية الجيل الثالث من المهاجرين بالنسبة إلى إشراكهم في العملية الانتخابية، تصويتا وترشيحا، انطلاقا من بلد الإقامة. وانتقد الفريق نسبة العتبة، مشيرا إلى أنه اقترح رفعها إلى 8 في المائة، بهدف محاربة بلقنة المشهد السياسي الوطني.