في البداية لا بد من طرح سؤال ظل معلقا منذ العام 2004: هل بدأت رياح التغيير تهب على 1 زنقة البريهي، عنوان مقر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربي، عقب الحراك الذي أعلن عنه المستخدمون والصحافيون من خلال وقفة احتجاجية قبالة البوابة الرئيسية للمؤسسة، ورفع شعارات مباشرة تطالب برحيل المسؤولين المباشرين عن ما وصلت له الخدمة الإعلامية العمومية المغربية من إذاعة وتلفزيون. في العام 2004، ظهر داخل ما كنت تسمى بدار الإذاعة والتلفزيون، أو التي اشتهرت بلقب دار البريهي، نقاش مفتوح على كل الاحتمالات، بأن ورشا كبيرا انفتح في التلفزيون العمومي بالانتقال إلى زمن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، وأن تحريرا كبيرا لخطوط التحرير ولآليات العمل سيتم السهر على تنفيذه داخل القناة التلفزيونية الأم، إلا أن قادم السنوات أثبتت العكس، زيادة في القنوات التابعة لما يسمى بالقطب الإعلامي العمومي من دون أي تغيير جوهري في الممارسة المهنية بحسب العديد من الصحافيين العاملين في "دار البريهي". في زمن "الحراك المغربي الناعم"، المتوازي مع الحراك الذي يمور به العالم العربي، يحتاج المشاهد المغرب بحسب كل المراقبين المهنيين من داخل السلطة الرابعة، إلى خدمة عمومية تليق بما يعتمل في القنوات الفضائية، ومن حق المغربي اليوم أن يتلقى خبره عبر القنوات التلفزيونية المغربية عوض البحث عن أخباره في قنوات الآخرين، ولا مبرر اليوم لدى صناع القرار في المغرب المشرفين المباشرين على مفاتيح الإعلام، من تحرير قسم الأخبار في القنوات العمومية خاصة القناتين الأولى والثانية في أفق البحث عن موقع ملائم لقناة ميدي1 تي في، أو على الأقل إرجاع مجال الحرية الذي كان للقناة الثانية المغربية قبيل سنوات قليلة فقط. وتبقى علامة الاستفهام معلقة دون جواب: يا ترى من ينزعج في مغرب ما بعد خطاب ليلة التاسع من مارس، من نقاشات مفتوحة وبأقل عدد من الخطوط الحمراء على القنوات العمومية، خاصة الأولى والثانية وميدي 1 تي في بالإضافة إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، خاصة في مرحلة أصبح بإمكان الجميع التعبير عن رأيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى تسجيل الرأي بالصوت وبالصورة عبر موقع اليوتوب، أم أن ماسكي مفاتيح تحرير الإعلام العمومي المغربي لا تزال لديهم "فزاعات وهمية" يتخوفون أن تتحرك لتخرج من شاشة التلفزيون بما "لا يرضي مزاجهم". الضغط في المغرب أصبح يولد التغيير الإيجابي، فالحراك الناعم في الشارع عبر مسيرات كل من 20 فبراير و20 مارس ينضاف لتراكم يسجله المغرب منذ الاستقلال، قبل أكثر من 50 عاما، فالإرادة التي عبر عنها العاهل المغربي في خطاب، وصفه كثيرون بالتاريخي وبالهام وبغير المسبوق بحسب آخرين، لا يمكن بتاتا أن تترك فرصة للعودة إلى الوراء، ومن يريد فعليه النزول من القطار المغربي والبحث عن متاحف التاريخ، أما المستقبل فسيكون مغربيا بإجماع كل القوى الحية التي كسرت جدار خوفها من شباب مغربي تظاهر سلميا بالرغم من تخوينه وجعله خارج الشرعية إلى غاية ليلة 19/02/2011، ليكون الانتقال ب 180 درجة في يوم 21/02/2011 للتهليل لهذا الشباب الذي حقق فتحا طال انتظاره بالمطالبة بالإصلاحات التي ظلت مطلبا خاصا بالأحزاب السياسية قبل أن ينزل المطلب للتداول في شعارات الشارع. فالعاملون في القطب الإعلامي العمومي في خضم كل هذا الحراك الإيجابي لمغرب أفضل يليق بالجميع، لم يعد لهم كما يقولون هم أنفسهم، من خيار للحصول على مكتسبات بمزيد من الحريات في الممارسة المهنية إلا بتنظيم وقفات ورفع شعارات تطالب برحيل المسؤولين كافة من المشرفين اليوم على تدبير التلفزيون العمومي، فالمغاربة اليوم يستحقون شاشة أفضل، أفلا يمكن للحراك الإعلامي الناعم عبر وقفات سلمية للمهنيين أن يولد التغيير الإيجابي من أجل خدمة إعلامية عمومية تليق بكل المغاربة قاطبة من طنجة إلى الكويرة.