تأسرنا الذكرى ويقتلنا الحنين وينهشنا الوجد..فنلوذ بالألوان وبالكلمات..ماذا لو حدثتك أيتها المعاني بشأن ما رأيت..لكنني الحلم يبث شيئا من رغباته ينثرها على البياض..في البياض..نعم..مثلما تنثر فكرة ألوانها هناك..على الجدار..في الجدران.. ثمة بهاء نائم في الأقواس والأزقة والأبواب وصراخ الفتية وبياض تلتحفه المرأة في ضروب كثيرة من الدهشة..و الحكاية هنا هي هذا الذهاب إلى الدواخل في شواسعها نحتا للكيان وتأصيلا له..إنها فكرة الفن تقتحم عوالمنا اليومية بتجددها وانسيابها مثل نهر قديم يصنع موسيقاه التي لا نرى لها لونا غير صفاء الحال..والأحوال.. تدخل المدينة..تمضي إلى بئر الأحجار..تدخل المكان الجميل..هناك نعم تجد اللوحات وهي تسعد بك مثل فراشات من ذهب الأزمنة..والأمكنة.. كون من دهشة الجمال العابر للمسافات..مسافات اللون والحركة والوجد والشجن والأمنيات و...الأحلام.. إن الأحلام هنا تصرخ ترتجي كلماتها تجاه "السوق" و"المدينة" و"الحفلة" و"الرجوع" و"الحلاق" و"العازفين".."منظر من مطماطة" و"انعكاس" و..."الطريق"..و"استراحة"..هي أحلام بمثابة العناوين ابتكرتها الرسامة وهي تلهج بالصور وبالذكرى والنوستالجيا... ماذا فعلت تلك الطفلة الطافحة بالحلم وهي تمضي مع اللون.. تلقي بالكلمات في عطور المدينة والذكرى.. ماذا قال القلب لسيده تجاه خرائب الروح.. ثمة هيام وبهاء وامرأة بألوانها تضيء كل الجهات.. الآن يأخذ الأزرق والأحمر والأصفر كل غنائنا ونواحنا الخافت إلى الجهة الأخرى وأعني باب القلب.. بين السوق وحفل مدينة زاخرة بالحنين.. لم يكن للشاعر عندها غير هذا الذهول.. فكيف له إذن أن يقول حكاية ألوانها ولا تحترق الكلمات لديه.. هذه حكاية المعرض الخاص للرسامة المميزة زينب النفزي الذي تضمن عددا مهما من لوحاتها.. الأعمال في تلويناتها قالت بالوجدان تجاه الأمكنة والمشاهد وجمال مناطق من تونس، فضلا عن التعاطي مع الجسد الذي تراه الرسامة حيزا دلاليا مفعما بالتأويل والقراءات.. ...والفن هنا تجوال حارق وباذخ بين مشاهد وتفاصيل وأمكنة..بكثير من الشجن..والآه..اللوحات تقول بتونس الساحرة..والألوان تصرخ بالصفاء النادر..هذا ما فعلت بنا زينب ونحن نقف أمام اللوحات بمعرض بئر الأحجار..نقف قدام الأعمال الفنية التشكيلية..نحاولها ونحاورها..قتلا للمألوف والمعتاد ولليومي الكامن فينا برتابته وللماكث فينا أيضا من عنفوان التلقي والفهم والتأويل..المجد للألوان تعلن علينا الحرب الجميلة..حرب النوستالجيا الحديثة..وإذن فلا عزاء للمتقبل غير النظر بعين القلب .. الرسم لدى الفنانة التشكيلية زينب النفزي وكما تقول هي "الفن فسحة وجدان وعبارة تجاه ذواتنا والعالم والآخرين..في لوحاتي سعيت لهذا الذهاب إلى الكينونة..اللوحة بمثابة القصيدة والفكرة والصورة وفسحة الخيال الكامن بداخلي..أرسم لأعبر عن كياني وأرمم ما تداعى بداخلي..بداخل هذا الكون المربك الذي تتقاذفه أمواج العولمة والتداعي والسقوط". تجربة الفنانة زينب النفزي تحرك فينا الأسئلة وتدعونا، طوعا وكرها، إلى الذهاب إلى شواسعنا مدججين بالأسئلة.. باب ولا عتبة.. خلف الباب باب يبكي بابا لكم بكت الأبواب حين أضعنا المفاتيح صرير الباب أغنية لأنثى الباب ردت وردتها وأردت العاشق على كمنجاته طافحا بالريبة مسموما... وأنت تتوغل بالنظر والتأمل في اللوحات، تكتشف أن الرسامة أتقنت اختزال الفكرة حين بثتها في اللوحة من خلال الجزئيات والتفاصيل، وعيا منها بجدية التعاطي التشكيلي مع المواضيع والتيمات التي اشتغلت عليها، ويبرز ذلك، بالخصوص، في التمكن من فن الرسم واستحقاقاته الجمالية والفنية.. الأبواب..الأقواس..الحوانيت الأزقة المتسعة في ضيقها.. الباعة..الرجال..صخب الأطفال.. لكل هؤلاء ولأجلهم.. تقف المرأة ملتحفة بالدهشة وبالبياض.. معرض تتلوه معارض أخرى للرسامة زينب في تونس..هنا وهناك..وسعي ونزوع نحو المغامر التشكيلية بكثير من الوفاء والبحث المفتوح والذهاب مع العناصر والتفاصيل والأشياء في عالم معتل..وبه الكثير من جنون البشر.. وما الفن إن لم يكن مثل هذا الذهاب في البعيد من حيرتنا القديمة وسؤالنا الحارق ودهشتنا الطافحة بالصمت..