في الوقت الذي كنا ننتظر من الرئيس الجديد لمقاطعة يعقوب المنصور بالرباط أن يضع مخططا استراتيجيا لمدة ولاية المجلس يتمحور حول الأهداف التي يمكن تحقيقها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والبيئية ، ثم يضع مؤشرات النتائج وفريق عمل من الأطر الكفأة للإشراف على تتفيذ هذا المخطط وتتبعه خلال مختلف مراحله ، نتفاجأ بإعلان رئيس المقاطعة عن الشروع في خدمة اجتماعية جديدة، تهدف إلى تحقيق القرب من سكان الحي، والتي أطلق عليها اسم "خدمة المواساة". وتهم الخدمة تقديم بعض معدات الجنائز، والمتمثلة في خيام مجهزة بكراسي وموائد، إضافة إلى التكفل بنقل الجنازة داخل المجال الترابي لمدينة الرباط، فضلا عن مساعدة الأسر الفقيرة في كافة الإجراءات المتعلقة بإعداد الجنازة. هذا العمل الاجتماعي الذي لا نبخس قيمته ، لأنه عمل إنساني وتضامني يلبي حاجات كثير من الأسر الفقيرة والمعوزة بيعقوب المنصور، لكنه في نظرنا عمل عادي ، تقوم به عادة الجماعات الحضرية وحتى القروية في عدد من المدن والمناطق المغربية ، فهو ليس إنجازا يمكن أن يدخل في إطار تجويد الخدمات التي ينبغي أن تقوم بها الجماعة الترابية ، حيث إن هيئات المجتمع المدني ، وبالخصوص تلك التي تعمل في المجال الاجتماعي ومحاربة الفقر، أصبحت تقوم بمثل هذه الأعمال لفائدة السكان في إطار التضامن . فالجماعة الترابية يفترض فيها أن تكون رافعة للتنمية من أجل تلبية حاجيات السكان الأساسية ، من بنيات تحتية ومستشفيات و فضاءات رياضية و سكن لائق وتعليم وتربية وبيئة سليمة ومركبات ثقافية و مرافق اجتماعية ومساحات خضراء . فما أحوج مقاطعة يعقوب المنصور لذلك ، علما بأنها الجماعة الأكثر تخلفا على مستوى سلم التنمية المستدامة مقارنة بالمقاطعات الأخرى بمدينة الرباط، نتيجة للسياسات الارتجالية والفاشلة للمجالس المنتخبة المتعاقبة ، وبالخصوص ما قبل سنة 2009 ، و لا حاجة لنا في تفصيل هذا الأمر ، لأنني أنطلق من كوني أحد أبناء سكان يعقوب المنصور. جماعة يعقوب المنصور تتوفر على مجال ترابي جد مهم ، وعلى مؤهلات إيكولوجية لكونها تطل على شاطئ البحر غربا ، مما يؤهلها أن تكون منطقة للاستثمار الخدماتي والسياحة والترفيه و قطب صناعي لتوجها في مدخل المدينة على طريق الدارالبيضاء ، قد يوفر لها مواردا مهمة. هناك نقط سوداء مازالت عالقة ينبغي إيجاد لها الحلول العاجلة من قبل المجلس الجماعي ، وهي مشكلة أحياء الصفيح ، حيث مازال يتواجد على تراب جماعة يعقوب المنصور عدد من الأحياء الهامشية الصفيحية التي عمرت أكثر من خمسين سنة ، وهذا لم يعد يشرف مدينة الرباط كعاصمة للمملكة و التي يطمح الملك محمد السادس أن يجعلها "مدينة الأنوار". رئيس المقاطعة أمامه تحديات كبرى ، إما أن ينهض بالجماعة وإما أن يفشل ويترك الجماعة في تخلفها على مستوى سلم التنمية البشرية والاقتصادية، كما يجب أن تكون له رؤية استراتيجية في تدبير الشأن العمومي بناء على قواعد الحكامة المحلية، و أن لا تكون له رؤية انتخابية محدودة في الزمن ، حتى يجعل من الجماعة منارة لسكان يعقوب المنصور والأجيال القادمة. وذلك لن يتحقق إلا بإنزال المقتضيات الجديدة للدستور والقانون التنظيمي للجماعات المحلية، وبالخصوص تلك المتعلقة بالديموقراطية التشاركية التي تقتضي الانفتاح على المجتمع المدني كفاعل أساسي في التنمية المحلية و في المساهمة في وضع و تنفيذ و تقييم و متابعة البرامج و السياسات العمومية . و لا ننسى أيضا الاستماع المباشر للسكان ودراسة اقتراحاتهم الجدية التي قد تفيد للتقدم إلى الأمام. *مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية