أقدم مالك الشبكة الاجتماعية "فيسبوك" مارك زيكربرغ مؤخرا على التبرع ب 99 في المائة من أسهمه البالغ قيمتها حوالي 45 مليار دولار، لمؤسسة جديدة قام بتأسيسها، بمناسبة ازدياد مولودته الأولى. مبادرة زيكربرغ الموجهة لدعم ورعاية عدد من القضايا النبيلة (البحث العلمي في مجال الطب، والنهوض بالتعليم، وتشجيع الطاقات النظيفة، ومحاربة الفقر، وتعزيز علاقات التفاهم بين الشعوب الخ)، تنضاف لجهود سابقة لمليارديرات آخرين تبرعوا بجزء من ثرواتهم لمؤسسات خيرية، مثل بيل غيتس. المقال التالي يتناول الإشكالات التي يطرحها غياب الإطار القانوني والمؤسساتي المنظم لمثل هذه المبادرات ببلادنا. ففي الوقت الذي يتحدث فيه قانون الجمعيات في المغرب عن الجمعية المصرح بها أو العادية والجمعية المعترف لها بصفة المنفعة العامة، لا نجد أي نص قانوني منظم للمؤسسةfondation ، وفي هذه النقطة أيضا نستشعر سلبية التماهي المطلق مع النموذج الفرنسي. ففي فرنسا ذاتها ، لم يصدر قانون منظم للمؤسسات إلا في وقت متأخر، مقارنة مع ما هو معمول به في بلدان غربية أخرى. ورغم خروج هذا قانون المنظم لها إلى حيز الوجود، إلا أن عددها في فرنسا ما يزال قليلا، كما تبين الباحثة إديث أرشمبو(حيث يوجد بها في الوقت الراهن، أقل من 500 مؤسسة معترف لها بصفة المنفعة العامة، و60 مؤسسة تابعة للمقاولات، وحوالي 500 مؤسسة تحتضنها مؤسسة فرنسا ). ويعرف القانون الفرنسي المنظم للمؤسسة والصادر سنة 1987 ، المؤسسة باعتبارها ذلك "الفعل الذي عن طريقه يقرر شخص أو عدة أشخاص طبيعيين أو معنويين، تخصيص نهائي لممتلكات، حقوق أو موارد ، بهدف تحقيق عمل يدخل ضمن المصلحة العامة ولا يستهدف الربح". و الواقع أن "المؤسسات" الموجودة في المغرب، هي في غالبيتها، تنظيمات محدثة وفق قانون الجمعيات. أي أنها جمعيات تدرج كلمة "مؤسسة "في تسميتها. خصوصا وأنه ليس هناك ما يمنع هذا الإجراء، على مستوى قانون الجمعيات. والسلطات العمومية نفسها لم تبد يوما أية ملاحظة فيما يتعلق باستعمال لفظ "مؤسسة" بدلا من لفظ "جمعية". وفي هذا الصدد يرى العديد من الملاحظين ضرورة ملء هذا الفراغ القانوني ، إذ يتعين على المشرع المغربي وضع قانون منظم للمؤسسة، على غرار القانون المنظم للجمعية، خصوصا وأن التاريخ المغربي عرف هذا النوع من التنظيمات، ممثلا في مؤسسة "الأحباس". فالعمل التعاوني التضامني ووالخيري الذي يضطلع به عدد من الأشخاص والتنظيمات، يستفيد من المساهمات التطوعية للأشخاص الميسورين ، في إطار ما يعرف بالوقف، وكذا من مساهمات المؤسسات الدينية. ولعل هذا ما دفع بعض الباحثين، إلى المماثلة بين نظام Mécénat" الذي شهدته المجتمعات الغربية، وبين الوقف أو مؤسسة الأحباس التي ميزت مجتمعاتنا الإسلامية، حيث يقول أحد هؤلاء الباحثين :"لا يوجد أي أثر لكلمة " Mécénat" في النصوص القانونية المغربية. إلا أن المجتمع عرف تاريخيا حضورا لهذه الثقافة وهذه الممارسة عبر مؤسسة "الأحباس"، التي رغم طبيعتها الدينية، كانت منفتحة على الشؤون الثقافية والاجتماعية (التعليم، الخزانات، تدبير الماء وقنوات الصرف في المدن، الكفالة الاجتماعية...الخ)"(فريد بريطل، 2001، ص 175). والملاحظ على مستوى المغرب، أن غياب قانون خاص بالمؤسسات، لم يمنع من ظهور بعض "المؤسسات، خاصة خلال عقد التسعينيات، حيث تميز هذا العقد بتأسيس تنظيمات جديدة، تستهدف تجديد التفكير في البنيات السوسيوسياسية للبلاد وتأثيرها على التنمية الاقتصادية، ارتبطت في الغالب بأحزاب سياسية، مثل مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ، مؤسسة علال الفاسي ، مركز عزيز بلال ،مؤسسة بن الحسن الوزاني، مركز الدراسات لحسن اليوسي...الخ، و إن كان البعض يعتبر نفسه مستقلا عن التنظيمات الحزبية، مثل مؤسسة زاكورة ، إضافة إلى ظهور تنظيمات مدنية ، تابعة للمقاولات والأبناك المغربية، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لمؤسسة البنك المغربي للتجارة والصناعة، مؤسسة مجموعة البنك الشعبي، مؤسسة مجموعة بنك الوفا، مؤسسة محمد كريم العمراني، مؤسسة مجموعة أونا...الخ، والتي أنشأت للعمل في الحقل الاجتماعي، ولتجاوز أخطار الهوة الاجتماعية وآثارها السلبية ، التي تعيق التنمية الاجتماعية-الاقتصادية للبلاد.. والواقع أن الدولة ذاتها قامت، منذ نهاية عقد التسعينيات، بإنشاء مؤسسات، مثل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، صندوق الحسن الثاني، مؤسسة لالة سلمى لمحاربة داء السرطان، وقبل ذلك مؤسسات لالة مريم لحماية الأطفال ومؤسسة محمد السادس لحماية البيئة..الخ، رصدت لها إمكانات مالية مهمة جدا، ومنحتها امتيازات مهمة ( ضريبية وغيرها) ، وألحقت بها موارد بشرية مؤهلة، يمكنها التدخل بمرونة، وسرعة وإجرائية، من أجل تجاوز الاختلالات الملاحظة أحيانا على مستوى تدخل الوزارات ومصالحها الخارجية في السياسة التنموية المنتهجة. بل يمكن القول إن الدولة بدأت تتوجه في العقدين الأخيرين إلى إنشاء المزيد من المؤسسات ، وفي مجالات متعددة. وتستمد هذه المؤسسات وجودها في الغالب من قرارات ملكية، فهي تنظيمات لا تحكمها مقتضيات ظهير 1958، لكن دون أن يعني ذلك خلق إطار خاص بالمؤسسة. مما يطرح التساؤل حول ما إذا كان خلق هذه المؤسسات يستهدف تيسير الشراكة بين الدولة والجمعيات أم أنه يشكل تهديدا بتوظيف واحتواء الجمعيات من طرف الدولة، وتحويلها إلى تنظيمات أشبه بإدارات ؟ *أستاذ باحث –جامعة ابن طفيل-القنيطرة