تداولت بعض المقالات الصحفية مؤخرا خبر تسريح وزارة التربية الوطنية لمائة وعشرين أستاذا، وذلك بعد فشلهم في إثبات كفاءتهم التربوية أثناء امتحانات الفرص الأربعة التي يمنحها لهم القانون، بمعدل فرصة واحدة كل موسم دراسي جديد. والجدير بالذكر أن هؤلاء الأساتذة غير المرغوب فيهم، هم من نتاج التوظيف المباشر(دفعة 2011)، وهو التوظيف الذي كانت له سلبياته الوخيمة على مجال التعليم، جودة وكفاءة - مع بعض الاستثناءات. وإذا كانت الوزارة قد تعاملت مع هؤلاء الوالجين على حين غرة لوظيفة التعليم بنوع من المرونة والليونة، حيث سمحت لهم بالاشتغال داخل الفصول الدراسية حتى من دون أدنى تكوين أولي بيداغوجي - ديداكتيكي، بل وحتى دون أدنى تكوين معرفي في مجال التربية والتعليم، وكل ذلك مع ضمان كامل للحقوق المادية، بما فيها الأجرة الشهرية في انتظار الترسيم النهائي بعد امتحانات الكفاءة، أو التسريح النهائي في حالة الفشل في اجتياز تلك الامتحانات، وإذا كانت بذلك قد أظهرت أقصى درجات الأريحية والصبر في طريقة تدبيرها لملفهم، فإنها اليوم وعلى النقيض من ذلك، تبدي تشددا غليظا مع الأساتذة المتدربين، بالرغم من أنهم نخبة ما لديها على أرض الواقع التربوي المغربي، إذ أنهم، وبعد أن تخرجوا من الجامعات، أثبتوا أحقيتهم لحمل صفة مدرس من خلال نجاحهم في الوصول إلى مرحلة التكوين النهائي بعدما اجتازوا مجموعة من المحطات المتتالية: محطة الانتقاء الأولي التي أعقبتها محطة الاختبارات الكتابية، والتي سمحت لهم بالوصول إلى محطة المقابلات الشفوية أمام لجان مختصة، ليتمكنوا في الأخير من حجز مقاعد لهم بمراكز التربية والتكوين، والتي سيتوجون فيها مجهوداتهم بالنجاح في امتحان التخرج النهائي الذي يؤدي مباشرة إلى ميدان العمل - قاعات الدراسة - وهذا السيناريو الطويل هو ما دأبت عليه الوزارة منذ سنوات، وهنا يبدو لنا مدى الفرق الشاسع بين التوظيف المباشر الذي فعلا يشبه إلى حد ما توظيف الريع، مع بعض الاستثناءات كما ذكرنا سابقا وبين التوظيف عبر التكوين. ورغم هذا الفرق؛ فإن ما يثير الاستغراب، هو أن تخرج علينا حكومة بنكيران في هذا الموسم بقرار مفاجئ، تمثل في إصدار مرسومين، وهما المرسوم رقم 589-15-2 الخاص بتقزيم المنحة إلى أقل من النصف (من 2450 إلى 1200 درهم شهريا)، والمرسوم رقم 588-15-2 القاضي بفصل التكوين عن التوظيف، والذي يجبر هؤلاء الأساتذة المتدربين على اجتياز مباراة أخرى إضافية بعد مسلسل التكوين المذكور سلفا. والطريف في الأمر أن الوزارة تتحجج بكون مرسوم فصل التكوين عن التوظيف سيساهم في الرفع من جودة التعليم، في حين أن شروط اجتياز تلك المباراة الإضافية لاترتبط بمدى كفاءة الخريجين؛ بقدر ما تتعلق بعدد المناصب التي تحددها الوزارة، بغض النظر عن قدرات وكفاءة الذين "سيفشلون"في حجز مكان لهم بين المقبولين النهائيين. والسؤال المطروح هو: هل فعلا، كانت الوزارة صادقة النوايا في طرحها لهذين المرسومين، أم أن الامر يتعلق بأهداف خفية، لا تملك الوزارة الجرأة للإفصاح عنها؟! فهل فعلا لها كل هذه الغيرة على جودة التعليم؟ وأين كانت غيرتها تلك، عندما لم تكن تبدي هذه الصرامة الشديدة مع جيوش التوظيف المباشرسابقا؟ إذ كيف لها بالأمس أن تفتح أبواب هذا المجال الحساس أمام من لم يعش، ولو يوما واحدا من تجربة التكوين؛ لتجعل منه أستاذا فعليا، ثم تبدي اليوم تشددها الغليظ مع هؤلاء الذين راكموا تكوينا متكاملا؟! إن حجة الرفع من الجودة حجة مردودة، لا تستقيم ومنطق الواقع، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن النوايا الحقيقية من وراء إصدار المرسومين. وبنظرة بسيطة للواقع التعليمي بالمغرب، يتبين لنا أن إصدارهما ليس إلا قرار حق ظاهري، يراد به باطل خفي، ذلك أن جيوش الأساتذة المكونين العاطلين الذين سترفضهم الوزارة، وتلفظهم إلى الشارع، سيكونون فريسة جاهزة للالتهام من طرف وحوش المدارس الخصوصية، الذين لا يتعاملون إلا بمنطق "مول الشكارة"، حيث سيستنزفون طاقاتهم مقابل دراهم معدودة، مثلهم في ذلك مثل ما يحصل بين "الباطرونا" وعمال المعامل والشركات. ولو كانت هذه الوزارة فعلا، يهمها الرفع من جودة التعليم؛ لسمحت لكل الأساتذة المتدربين بولوج الوظيفة مباشرة بعد التخرج، حيث أمامهم أربع فرص لإثبات كفاءتهم، والحصول على الترسيم النهائي، وإذا ما فشلوا في تحقيق ذلك؛ فيحق لها عندئذ تسريحهم، مثلما قامت بتسريح أولئك المائة والعشرين الراسبين بعد أربع سنوات من التوظيف المباشر. من خلال ما سبق؛ يتضح لنا مدى عشوائية ومزاجية القرارات الوزارية التي تكيل بمكيالين: مكيال الليونة مع من دخل إلى التعليم على حين غرة بطريقة مباشرة، ومكيال التشدد مع من برهن على أنه أهل للمهنة ولصفة الأستاذية. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يسعنا إلا أن نقول: لقد صدق من قال : "إذا كنت في المغرب، فلا تستغرب".